العدد 2388 - الجمعة 20 مارس 2009م الموافق 23 ربيع الاول 1430هـ

ماذا عن المالكي؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مَنْ يَرصد العراق لابدّ أن يشهد ما يخالف سرديات الإعلام وما يُطابقه في آن واحد. في المخالفة يُمكنك أن ترى السيادة المنقوصة. والأمن الهشّ. وترى الدولة المشطورة، والتيجان الحاكمة.

وفي المطابقة يُمكنك أن تهزّ رأسك حول الوضع المعيشي للناس، وبروز النشاط الإعلامي المرئي والمكتوب، وشياع الأندية الثقافية، والأهم من كل ذلك هو تنامي شعبية رئيس الوزراء نوري المالكي بين العراقيين، وذهاب ريح الأحزاب الثقيلة.

المالكي اتّكأ في نجاحه على ثلاثة أمور. الأول أنه جاء إلى السلطة بعد تجربة مجلس الحكم، ثم حكومة علاوي، فحكومة الجعفري. والثاني أن لديه وزير داخلية تُوازي شخصيته ما تحتاجه المعارك الأمنية من حزم وقوة. والثالث، أن عهده شَهِدَ انحسار الحرب الطائفية التي أتت على أرواح عشرات الآلاف من العراقيين سُنّة وشيعة.

في الدافع الأول، ليس المعنى بالضرورة أن يكون ما سَبَقَ المالكي من حكومات قد أنتج واقعا يُمكن المُراكمة عليه؛ وإنما المعنى في ذلك هو أن من سبقوه في الحُكْم أتاحوا له فرصة التخلّص من تبعات الإخفاق البيروقراطي والخدماتي للدولة الافتراضية.

فمجلس الحكم (12 يوليو/ تموز 2003) لم يكن أكثر من «لياقة سياسية» وفرتها سلطة الائتلاف الموحّدة للشخوص التي جاءت مع المحتل.

والسماح لهم بممارسة السلطة ولو بحدّها الأدنى كقيمة معنوية، كانت تحتاجها جميع التشكيلات والإثنيات والمذاهب والتيارات، والتي أرادت أن تكون إحدى مُكعبات المشهد العام للعراق، وبالتالي حقّ لمن يسوسونهم أن يتذكروا أن هؤلاء هم الحاكمون وليس غيرهم.

حكومة علاوي (يونيو/ حزيران 2004) ضربت المتحصنين من الصدريين في الحرم العلوي المُطهّر بعد شهرين من مجيئها، فألّبت عليها جزءا مهما من الشيعة. ثم قصفت الفلوجة وسامراء بلا رحمة، فألّبت عليها العرب السنّة أيضا.

كان حينها العراق يعيش وسط انقسام دولي بين الشيراكية والشرويدرية من جهة، وإدارة بوش وحكومة بلير من جهة أخرى. وكان هناك عزوف عربي أقرب إلى العداء، بسبب اضطراب بوصلة الثقل العراقي داخل الإقليم.

حكومة الجعفري (أبريل/ نيسان 2005 - مايو/ أيار 2006) جاءت في الفترة التي اكتملت فيها دائرة الاحتراب. تمركز القاعدة في المناطق الغربية. وبدء انهيار الوضع الأمني بشكل جنوني ومخيف. وبروز مظاهر الانتقام حتى داخل الدولة.

في الدافع الثاني لنجاح المالكي «شعبيا» أن وزير داخليته جواد البولاني هو وزير من خارج الأحزاب. جاء إلى الوزارة في يونيو 2006. أي بعد تولّي المالكي الحكم بشهر واحد فقط.

قبل ذلك كان يوجد في العراق 150 ألف مُسلّح لديهم ذات الملابس والأسلحة والسيارات التي تمتلكها قوات الأمن العراقية. كان ذلك يعني أن خططا أمنية «وهمية» يتمّ العمل بها، فتكون نتيجتها عكسية بالمطلق. قتلٌ وخطفٌ وتصفية حسابات.

الوزير الجديد سرّح 62 ألف عنصر كانت تستخدمهم الأحزاب والجماعات المُسلحة في صراعاتها. وطَرَدَ 59 قائدا أمنيا من الخدمة. وأهّل 315 ألف عنصر للعمل بشكل ألْيَق. كان الأمر يحتاج إلى معجزة والبلد في أتون حرب طائفية.

في الدافع الثالث لفوز المالكي هو انحسار القتل الطائفي في عهد حكومته. كان الأمر مُقلقٌ جدا للعراقيين. ففي الشهور الأخيرة لحكومة الجعفري وما تلتها، تورّطت أجهزة الدولة بما آلت إليه الأمور الأمنية والاجتماعية بعد تفجير المرقدين العسكريين في سامراء في 22 فبراير/ شباط 2006.

فقد بدأ العراق عقب هذا الحادث المؤلم يفقأ عينه بيده، ويُقاتل نفسه بلا هوادة. قتلٌ على الهوية بامتياز، لدرجة إطلاق تسميات «مُرمّزة» لساحات التخليص المذهبي (الإعدام) في مناطق شيعية وأخرى سنّية. لقد كانت الكُلفة عالية جدا.

هذا عن المالكي كشخص، ولكن ليس عن العراق كدولة، والفرق بين الاثنين كبير. وهنا يبدو أن واشنطن لن تمضي بتكرار مشروع مارشال في أوروبا. هي تريد للعراق أن يكون أقلّ من ذلك بكثير. تريده منطقة رمادية، يتمّ التحكّم فيها بشكل أسهل.

وللحديث صلة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2388 - الجمعة 20 مارس 2009م الموافق 23 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً