العدد 2388 - الجمعة 20 مارس 2009م الموافق 23 ربيع الاول 1430هـ

الضرير الإسرائيلي والأصم الأميركي

عزوز مقدم Azzooz.Muqaddam [at] alwasatnews.com

لم يأبه رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلف بنيامين نتنياهو كثيرا بالمخاوف الخارجية على عملية السلام في الشرق الأوسط وهو يحاول تشكيل حكومة متطرفة من الدرجة الأولى وزير خارجيتها اليميني الإرهابي افيغدور ليبرمان الذي هدد ذات مرة ومن دون مناسبة بتدمير السد العالي في مصر، وأطلق تصريحات ضد الرئيس المصري حسني مبارك من دون مبررات على رغم أن الكثيرين يرون في مبارك رجل سلام. ليبرمان سيكون على رأس الدبلوماسية الإسرائيلية وهو يرغب في تغيير الحدود بهدف إبعاد عرب «إسرائيل» إلى الضفة الغربية أو الأردن أو أي مكان آخر.

لقد رأى بعض الساسة الأوروبيين أن إقدام نتنياهو على تشكيل حكومة يمينية صرفة بحيث يكون رئيس الدبلوماسية فيها رجل سليط اللسان ينظر للعالم من زاوية واحدة، يعتبر انتحارا دبلوماسيا في حد ذاته إذ سيفكر كل سياسي ومسئول غربي أو عربي مليّا قبل أن يلتقي ليبرمان أو يستمع إلى وجهة نظره. ويبدو أنّ هؤلاء الساسة الأوروبيين يقرأون السياسة الدولية هذه الأيام بشكل خاطئ، فهم الذين سينتحرون وليست «إسرائيل»، إن لم يتأقلموا مع الرؤية الإسرائيلية الإرهابية الحالية وإن لم يطوروا برامجهم وقوانينهم لتتماشى مع الرغبات الصهيونية الحديثة. ألم تشرع أسبانيا في تغيير قوانين ولوائح محاكمها حتى لا تطال مجرمي الحرب الإسرائيليين الذين عاثوا الفساد في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟ ألم يتهرب مدعي المحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو اوكامبو من ملاحقة مرتكبي جرائم الحرب الإسرائيلية الأخيرة في قطاع غزة بزعمه أن «إسرائيل» ليست موقعة على ميثاق روما الذي على أساسه أنشئت المحكمة الجنائية الدولية؟ وكذلك مجادلته أن السلطة الفلسطينية لا تستطيع رفع دعوى ضد «إسرائيل» لأنها لا تدير دولة مستقلة؟

إن نتنياهو لا يعبأ كثيرا بالذين يتوجسون من التعامل مع حكومته إذ عليهم هم أن يوفِقوا أمورهم بحسب المعتقدات اليهودية، وحتى الجيران العرب الذين يتعشمون في إجراء محادثات سلام مباشرة أو غير مباشرة عليهم أن يفكروا في تنازلات من الآن. لم يأت هذا التصلب الإسرائيلي الرسمي من فراغ. فالشعب اليهودي أصبح أكثر تطرفا في الآونة الأخيرة. ففي الماضي كان حزبه المفضل هو حزب العمل بزعامة اسحق رابين الذي وقع اتفاق أوسلو مع الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات واليوم أصبح حزبه المفضل «الليكود» الذي لا يؤمن بحل الدولتين الفلسطينية واليهودية، بعد أن أضاع فيه المجتمع الدولي وقتا طويلا من المحادثات والمؤتمرات والجولات المكوكية.

لم تأت المواقف الإسرائيلية المتصلبة من فراغ والرئيس الأميركي باراك أوباما قد أعطى الساسة الإسرائيليين الضوء الأخضر منذ اليوم الأول الذي وصل فيه إلى البيت الأبيض حينما صرّح بأن إدارته ستتعامل مع كل حكومة إسرائيلية أيا كانت توجهاتها.

ليس هذا فحسب بل أن اللوبي الصهيوني قد ذبح «الكديسة (القطة)» كما يقول المثل الشعبي، أي أنه اختبر أوباما في الفترة الماضية ووجده «بطيخة» والدليل على ذلك قضية انسحاب المستشار الاستخباراتي والسفير الأميركي السابق لدى السعودية تشارلز دبليو فريمان، من الترشح لرئاسة مجلس الاستخبارات القومي بعد أن رفضت المنظمات الصهيونية «جماعات الضغط»، المسيرة للإدارات الأميركية المتعاقبة، ترشيحه. ومارست هذه المنظمات على فريمان ضغوطا كبيرة وشوهت سمعته إذ اتهمته بمعاداة «إسرائيل» والتورط في صفقات تجارية مع الصين، ما اضطره في النهاية إلى سحب ترشيحه على رغم أن الرئيس أوباما كان يرى أنه الرجل المناسب لهذا المنصب، وأنه يتميز بحنكة في تحليل الاستخبارات. ولكن اللوبي الصهيوني يريد من يقدم استخبارات مغلوطة عن الشرق الأوسط إلى مراكز اتخاذ القرار في واشنطن، وقد فعل هذا طوال العقود الماضية وكانت النتيجة احتلال الأرض العربية في فلسطين والعراق وأفغانستان وأخيرا «موت» عملية السلام في المنطقة.

إن عدم الاستماع لأصحاب الرأي الحر من أمثال فريمان ليس في مصلحة «إسرائيل» وأميركا. فالآن هناك نواب أميركيون يطالبون أوباما بتغيير استراتيجيته القائمة على زيادة القوات في أفغانستان لأنه وفقا لرؤيتهم فإن الحل العسكري لم يجدِ نفعا ولابد من حلول سياسية وثقافية وفكرية في الشرق الأوسط الكبير وهذا عين الصواب.

وفي المقابل نتوقع ألا تعمر حكومة نتنياهو المرتقبة طويلا على رغم أن الكثيرين قد يمهدون لها الطريق للاستمرار في تطويع دول المنطقة. فهناك كراهية متزايدة وسط الرأي العام العالمي تجاه «إسرائيل». فماذا ستفعل الدولة العبرية تجاه هذه النزعة؟ هل ستمارس مزيدا من العنف وتشن حروبا جديدة في المنطقة؟ لقد اعترفت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا بأن الأعمال المناهضة لليهود سجلت زيادة مهمة في الأشهر الأخيرة وخصوصا في فرنسا وبريطانيا بسبب العدوان الوحشي الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة. وقد تم إحصاء 352 حادث اعتداء على اليهود في فرنسا في يناير/ كانون الثاني الماضي وحده. ومع ذلك فلن يدخل النور عين الضرير الإسرائيلي ولن يبلغ الصوت أذن الأصم الأميركي.

إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"

العدد 2388 - الجمعة 20 مارس 2009م الموافق 23 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً