لم تتوقع الهيئة المشرفة على كسر الحصار عن غزة أن تقدم «إسرائيل» على مهاجمة «قافلة الحرية» التي تتألف من ثماني سفن تحمل 750 متضامناً من جنسيات مختلفة وتقتل 19 مشاركاً وتجرح العشرات. فالهيئة درست كل الاحتمالات واستعدت لكل الخيارات باستثناء «الموت» والاعتقال لأنها توقعت أن الحكومة الإسرائيلية ستأخذ في الاعتبار ردود الفعل الدولية والمتابعة الإعلامية والدبلوماسية التي رافقت «الأسطول» منذ إعلان العزم على خرق الحصار.
أقصى ما توقعته الهيئة اعتراض تل أبيب للقافلة أو تركها لأيام طويلة في المياه الدولية أو احتجازها وجرها إلى ميناء اسدود ومصادرة الحمولة ومعاقبة القوى المتضامنة مع أهالي غزة.
لم تكن الهيئة على علم بوجود حالات من الهلع تعاني منها حكومة أقصى التطرف معطوفة على أحاسيس التوتر الناجم عن الشعور بالعزلة بسبب خسارة تل أبيب المعركة الإعلامية والدبلوماسية التي سبقت الحملة. فهذه المشاعر المكبوتة لم تدخل في حسابات الهيئة ولم تقدر أنها ستتفجر عنفاً وغضباً وتتحول إلى هجوم عسكري بالرصاص والقنابل على مجموعات مدنية تتعاطف إنسانياً مع أبرياء يعانون من الجوع والبطالة ومتطلبات الحد الأدنى من الحياة البسيطة.
الهجوم الإسرائيلي الذي وقع فجر أمس الأول حطم كل الأرقام القياسية وبلغ حداً تجاوز فيه كل الاحتمالات والخيارات التي وضعتها الهيئة في حساباتها. فالحكومة التي يرأس مقاعدها بنيامين نتنياهو لم تكترث للخسائر الدبلوماسية والسمعة الدولية والبهدلة الإعلامية وهي لم تأخذ في الاعتبار كل ما قيل عن ملاحقة «إسرائيل» قضائياً في أوروبا والمحاكم الدولية أو عن تلك التظاهرات التي ستنظم أمام السفارات الإسرائيلية تضامناً مع أسطول الحرية. كل هذه المحرمات تجاوزتها حكومة تل أبيب وقررت المغامرة والدخول في لعبة خطرة تؤسس لعلاقات متوترة دبلوماسياً وسياسياً مع دول تعتبر صديقة تقليدياً للدولة العبرية.
هذه العقلية تتطلب فعلاً قراءة خاصة للتعرف على خصائصها الخفية التي لا تظهر على المشهد السياسي إلا في حالات الانفعال والشعور بالفشل والعجز في الدفاع عن منطقها أمام العالم. فالتصرف المتهور الذي قررته حكومة تل أبيب وضع كل الاحتمالات وردود الفعل في حساباته قبل أن يقدم على هذه الخطوة الإجرامية، وانتهى بعد المراجعة الشاملة إلى الدخول في هذه المغامرة بغض النظر عن كلفتها السياسية والدبلوماسية والإعلامية والإنسانية والقضائية.
خيار الأمن أولاً لا يصدر إلا عن جهة خسرت كل الخيارات ولم يعد أمامها من ملاذ سوى الدخول في مغامرة لا تعرف نهاياتها ولكنها تمثل خشبة خلاص لعقلية تعيش في حالات عزلة أخذت تشتد وتضيق في محيط دولة تعودت تقليدياً أن تلعب دور الطفل المدلل والمشاغب الذي يحق له أن يعارض القانون ويخالف المجتمع بصفته الولد الجاهل الذي لم يبلغ سن الرشد حتى يحاسب كغيره من الناس.
هذا المنطق اللاعقلاني يتحكم دائماً بتصرفات دولة تأسست شرعيتها على القوة والاستيطان والاحتيال على الجغرافيا والتاريخ في لحظة زمنية كان خلالها العالم في حال غياب عن رؤية المشهد الفلسطيني من كل زواياه. وبسبب عقلية المستوطن تأسست قراءة إسرائيلية لا ترى على المسرح السياسي سوى مصالحها الخاصة ولا تتصور أن هناك حقوقاً أخرى ينازعها عليها الشعب الفلسطيني أو يتقاسمها معها.
عقلية المستوطن تختلف عن عقل الدولة. فالأخير يقرأ السياسة منطقياً ويحاول التكيف مع المتغيرات والمستجدات حتى يضمن مصالح الجماعة بعيداً عن المغامرات العسكرية والتهور الأمني. عقل الدولة يختلف عن عقلية المستوطن في أمور كثيرة أهمها عدم إحساسه بأنه لص استولى على أراضي الغير وصادر ممتلكات ومنازل الآخر وأخذها عنوة من دون وجه حق. فاللص عادة لا يشعر بالأمان النفسي مهما أعطيت له ضمانات سياسية أو اعترف العالم كله بنصيبه من السرقات لذلك يتصرف دائماً عكس التوقعات ويخالف كل التحليلات والخيارات والاحتمالات.
هذا ما حصل بالضبط للهيئة المشرفة على كسر الحصار عن غزة، فهي راهنت على أن الحكومة الإسرائيلية لا يمكن لها بأي حال من الأحوال أن تقدم على عمل أرعن وتطلق النار على المجموعات المتضامنة غير آبهة للكاميرات والفضائيات وردود الفعل الدولية والإنسانية والسياسية والدبلوماسية والقضائية.
مراهنة الهيئة المشرفة فشل لأن المستوطن لا يأخذ في حساباته كل تلك الاحتمالات والخيارات حتى لو أدى الأمر إلى إثارة ردود فعل معاتبة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وغيرها من مؤسسات دولية وإعلامية وقانونية. فالأمن عند المستوطن له الأولوية حتى لو أدى إلى حال من التوتر أو الانقطاع مع تلك الجهات التي تزوده بالمال والسلاح للمحافظة على وجوده السياسي في محيط قلق يعاني من السلوك الإسرائيلي وتشاوفه وعدم استعداد المستوطن النفسي لتلبية نداءات الموادعة والتساكن والسلام.
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2826 - الثلثاء 01 يونيو 2010م الموافق 18 جمادى الآخرة 1431هـ
ـذكرني بوضعنا الحالي
"خيار الأمن أولاً لا يصدر إلا عن جهة خسرت كل الخيارات ولم يعد أمامها من ملاذ سوى الدخول في مغامرة لا تعرف نهاياتها" وليد نويهض
عبد علي عباس ا لبصري
كل هذا بسبب غياب التوازن السياسي ، وليس العسكري ولا الاقتصادي .ولا حتى التوعوي . المشكله في حامل الرايه وليس في رأس الحربه .
ثانيا المستوطنين اصلا ليس لهم اي فكره عن الاحتلال هم همج راعات ، يأكلون وينعمون من الاموال الاسلاميه المودعه في الخزانات البريطانيه والامريكيه ،
الدفاع فى غير محله
ربط الحزام فى السياره لا تضمن ابداً النجاة من الموت عند الحادث .الويل لمن لا يريد ان يسوق و هو السائق ..