من المنطلقات النظرية – المبدئية ننطلق إلى الإجراءات العملية في إعداد الوثيقة التي سوف تتسلسل، كما جاءت في مقابلة العالي، على النحو التالي: «المنبر التقدمي» يضع الصيغة النهائية بعد مناقشتها داخلياً، يجري مناقشة تلك المسودة في صفوف الجمعيتين الأخريين، كل على حدة من أجل إقرارها تنظيمياً، ثم يجري إقرارها على الجمعيات الثلاث قبل عرضها على الصيغة التنظيمية التي سيتشكل منها التيار الوطني الديمقراطي كي يتبناها.
لا يخامرنا الشك في حرص هذه الجمعيات، ومن خلال هذه الآلية على الوصول إلى بناء ذلك التيار، وتنميته، وصيانته، وتوفير جميع الضمانات التي من شأنها حمايته من كل محاولات حرفه عن توجهاته المبدئية، أو تهميش دوره فوق مسرح العمل السياسي البحريني. لكن المشروعات لا تتحقق بالنوايا، وحمايتها لا تضمن بالتمنيات، بل تسيطر على آلياتها جميعاً موازين القوى الفاعلة على ذلك المسرح، ومصالحها المباشرة وغير المباشرة، سياسية كانت أم اقتصادية.
تأسيساً على ذلك يمكن القول إن ذلك المدخل الذي اختارته الجمعيات الثلاث يعاني، على المستوى التنفيذي، من الثغرات الرئيسة التالية:
1. تهميش من هم خارج عضوية تلك الجمعيات، من مؤسسات أو منظمات مجتمع مدني، بل وحتى الأفراد، من خلال دعوتهم للمشاركة في المرحلة الثانية، بدلاً من إشراكهم في المراحل المبكرة منه. قد ترفض الجمعيات هذه المقولة، على أساس أن دور هؤلاء محفوظ في المرحلة الثانية لكنها ستكتشف، ونرجو أن تكون تقديراتنا خاطئة، ذلك عند مناقشة الوثيقة المتبناة من قبل الجمعيات. عندها سينشطر المشاركون في اللقاء الذي ستدعو له تلك الجمعيات إلى شطرين عموديين، يقف على الضفة الأولى منهما الجمعيات التي ستجد نفسها، مرغمة، وبوعي أو بدون وعي، مضطرة للدفاع عن الوثيقة قيد النقاش.
مقابل ذلك وعلى الضفة المواجهة، سيقف كل أولئك المدعوين بمختلف اتجاهاتهم واجتهاداتهم، مقيدين بمشاركات شكلية أو محدودة، شاؤوا ذلك أم أبوا. وفي حال خروج أي منهما عن هذا الإطار، فقد يؤدي ذلك إلى انفجار المؤتمر من الداخل، وهو نهاية لا يتمناها للمؤتمر أي من الجمعيات الثلاث.
2. إهدار الوقت وضياع الفرص، فدورة إقرار الوثيقة النهائي، أدركت الجمعيات أم غاب عن ذهنها ذلك، طويلة جدا، ومقسمة إلى عدة مراحل، تنطلق أولها من قواعد «المنبر التقدمي»، بل أن تصل إلى الجمعيات الأخرى، كي تحط رحالها في قاعات مؤتمر أو ورشة عمل تأسيس التيار الوطني الديمقراطي.
من يراقب ساحة العمل السياسي البحرينية، ويرصد الحيوية التي تتمتع بها، والوتيرة السريعة التي تتطور بها آليات أحداثها، بوسعه أن يقيس كمية الوقت الضائع المطلوب لاجتياز متطلبات كل مرحلة من تلك المراحل، والفرص السياسية التي ستضيع من أمام التيار الوطني الديمقراطي، لعل أقربها زمنياً، وليس بالضرورة أهمها سياسياً، انتخابات مجلس 2010.
3. زرع بذرة الإحباط ونشر أشرعة اليأس، في صفوف هذا التيار، حيث سيؤدي بطء تقدم مشروع تأسيس التيار الوطني الديمقراطي إلى إحداث حالة إحباط شديدة متنامية في صفوفه وصفوف مناصريه من أفراد ومؤسسات. فمنذ تدشين المشروع الإصلاحي، تعددت دعوات بناء التيار وطال أمد بنائه، وبالتالي فالنتيجة المنطقية لهذا البطء والتأخير هو فقدان الثقة في إمكانية تحقيقه.
قد يبدو في هذا الطرح شيء من المبالغة، لكن على الجمعيات الثلاث، وهي تمارس دوراً لا واعياً في التأخير والبطء، أن ندرك الإحباطات التي تعاني منها الكتلة الرئيسية التي يتشكل منها هذا التيار، وعلى وجه الخصوص الفئة المتقدمة، من خارج إطار تلك الجمعيات منه.
4. فقدان زمام المبادرة لصالح القوى الأخرى من خارج التيار الوطني الديمقراطي، حتى في إطاره الواسع. ففيما تنهمك الجمعيات الثلاث في إنجاز تلك المراحل، ونحن نفترض هنا أن إنجاز هذه المهمة تتصدر سلم أولوياتها، ستعمل تلك القوى الأخرى على تكثيف نشاطاتها في الشارع السياسي البحريني لتحقيق أهداف أخرى ذات علاقة بتعزيز حضورها الجماهيري، الأمر الذي سيؤهلها - أي تلك القوى - لأن تسبق القوى الديمقراطية بمسافات طويلة تمكنها من جني ثمار تلك المسافة.
تأسيساً على كل ذلك، ندعو الجمعيات الثلاث، وانطلاقاً من مسئوليتها التاريخية في التأسيس لهذا التيار أن تقف وقفة شجاعة تراجع فيها قراراتها قبل فوات الأوان، مدركين، وبصدق، الأعباء المناطة بها، ويقل حمل المهمات الملقاة على عاتقها.
ليس القصد هنا تخطئة قرار تلك الجمعيات، ولا توجيه سهام النقد غير الموضوعي نحوها، بقدر ما هدفنا إلى لفت نظرها فليس هناك ما لا يمكن إصلاحه، طالما خلصت النوايا، واتضحت الرؤية.
قد يبدو التراجع خطوة نحو الوراء مهمة صعبة، لكنها ليست مستحيلة، كما قد تتصور الجمعيات الثلاث أن إعادة النظر في قرارها قد يفقدها ثقة جماهيرها، لكن ما نتوقعه هو خلاف ذلك تماما، فكما يقول المثل «الاعتراف بالحق فضيلة».
كما تعلمنا دروس السياسة، أنه في المنعطفات الحادة، التنظيمات الأكثر نضجا وحدها، والأكثر ثقة في نفسها دون غيرها، هي التي لا تتردد في أن تخطو خطوة نحو الوراء من أجل خطوات أخرى نحو الأمام.
والمواطن البحريني يتطلع اليوم، نحو جمعياته الثلاث، تملؤه الثقة في رجاحة عقل قياداتها، ونضج كوادرها، كي تعيد النظر من أجل تحديد أفضل الطرق وأقصرها، وأقلها كلفة، وأكثرها سلامة من أجل الوصول إلى هذا الهدف الاستراتيجي والذي هو بناء التيار الوطني الديمقراطي الذي لم تتوقف تضحيات شعب البحرين من أجل رؤيته حقيقة ملموسة لها مكانتها المرموقة المميزة في ساحة العمل السياسي البحرينية.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2825 - الإثنين 31 مايو 2010م الموافق 17 جمادى الآخرة 1431هـ
مافهمنا شيء
الزائر رقم1 شنو تريد بالضبط ردك كأنه فقرة مترجمة حرفياً من مذكرة لاتمت للمقال بشيء رجاء في المرات القادمة حاول ربط الفقرات والجمل مع بعضها صراحة قرأت الرد عدة مرات حيرتني أنت وردك وخل صدرك وسيع وتقبل نصيحتي وإذا ما أعجبتك إعتبرها كأن لم تكن.
ثقافة العمل المهني والمسائلة والمحاسبة
شكرا للأستاذ عبيدلي على المقال الرائع .. لا شك إن الدراسات الميدانية هي خير معين على ربط تلك المفاهيم لتصحيح مسار معين ولقد كان لشح مستوى معين من الثقافة وأمور اخرى غير ملموسة وإن هناك أجندات خاصة لذوي الإحتياجات الخاصة أو ممن خرج على التقاعد المبكر بسبب الفساد ولم تتم مسائلته من أين لك هذا ..ولقد عقدت بالإمس ورشت عمل عن القانون الدولي الإنساني فإذا كانت الدولة مرتبطة بتلك الإتفاقيات لماذا لم تتم محاسبة بعض من صغار الموظفين الذين أساؤوا للعمل المهني .. مع تحيات Nadaly Ahmed