قلتُ في مقال سابق، إن علاقة «الخلاف» بين المجلس الأعلى الإسلامي العراقي والتيار الصّدري في الفترة التي أعقبت اغتيال السيد محمد محمد صادق الصدر اتّسمت بالضّمور. لكنها عادت إلى العَلَن بعد سقوط بغداد في 9 أبريل/ نيسان 2003 على يد الجيشيْن الأميركي والبريطاني، وكأنه «استذكار» للتاريخ، والبدء في جردة الحساب والمحاسبة.
وبالرغم من الاصطفاف الطائفي الذي جرى حينها وتمثّل «الأحزاب الشيعية» في الائتلاف العراقي الموحّد الذي سيطر على أغلبية مقاعد البرلمان، إلاّ أن التنافس (والاقتتال) المكتوم كان حاكِماً للعديد من القضايا بين الطرفين، حتى في أتون الحرب الطائفية المُفجِعة التي تبطّل فيها التيار الصدري والحركات المتطرفة لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين طيلة عامين كاملين.
وبالرجوع إلى الأدبيات الإعلامية لدى الطرفين سنرى أن العلاقة أصبحت أكثر من سيئة وبشكل حدّي غير مسبوق. فعندما كانت الأحزاب الشيعية في المنفى (وبالتحديد المجلس الأعلى) كان الصراع والخلاف بينها وين أتباع الصدر، يُدار عبر وسطاء وعن بُعد. أما بعد سقوط بغداد ومجيء تلك الأحزاب، فقد أصبح الصراع صدراً بصدر. وقريباً من أنوية الطرفين، وخصوصاً في الفترة الممتدة من العام 2004 وحتى نهاية العام 2008. وهو ما شكّل منعطفاً جديداً وخطيراً في نفس الوقت.
نأخذ عيّنات من خطاب الطرفين المتناكفَيْن. بملاحظة أدبيات بعض إعلام المؤسسات القريبة من المجلس الأعلى (وليس المجلس نفسه)، وبالتحديد تلك المؤسسات الإعلامية التي تتبع عضو المجلس الشيخ جلال الدين الصّغير، حيث سنرى أنها الأكثر ضراوة وعنفاً ضد سياسات وبرامج التيار الصّدري، وخصوصاً أن الشيخ الصغير والسيد صدر الدين القبّانجي هما من صقور المجلس الأعلى منذ أن كان خارج العراق.
هذه العناوين الإخبارية (لبعض المؤسسات القريبة من المجلس) وردت قبل العام 2009 «قوات الأمن في الديوانية تقتل «ابن البغدادية (المدعو طارق عذاب من التيار الصدري) المسئول عن قتل العشرات في أحداث زيارة النصف من شعبان». «مقتدى الصدر وأم الهزائم في الانتخابات المقبلة». «هدية عيد رأس السنة الميلادية إلقاء القبض على قائد جيش المهدي في مدينة الصدر». «القوات الأمنية تعتقل إرهابياً ينتمي إلى جيش المهدي قام بقتل ضابط ومفرزته حرقاً في الكوت». «يا مكثر البعثيين في التيار الصدري». «صورة حديثة للمجرم أبو درع». انتهى.
في الجهة المقابلة، قاد التّيار الصّدري حملة إعلامية مشابهة ضد المجلس الأعلى (للثورة الإسلامية في العراق سابقاً). الفرق في ذلك أن بعضها كان مباشراً ومن قِبَل قيادات في التيار كالشيخ صلاح العبيدي، وبعضها في المواقع الإعلامية للتيار كتلك التي كان يستخدمها المجلس الأعلى في حمتله ضد الصدريين. لكنها في المحصّلة كانت تستخدم ذات الحدّة والقسوة في الخطاب.
هذه العناوين، وجزء من معنونها الخبري والتعليقي وردت في فترات مختلفة في أدبيات الصدريين. «حملة يشنّها الاحتلال على المجلس الأعلى؟! لماذا وكيف وهم أصدقاؤه». «لميليشيا بدر الحصّة الأكبر في قتل واغتيال واعتقال أفراد جيش المهدي وكل من ينتمي لجماهير التيار الصدري». «الصغير (قيلت لتوهين الشيخ جلال الدين الصغير) هو المحرض الأول على استهداف التيار الصدري وجيش المهدي (عج) وشن الحملة التسقيطية ضده». «تصريحات الحكيم بالمصالحة مع الصدريين هي للاستهلاك المحلي». انتهى.
وبالرجوع إلى متون تلك الأخبار والتعلقيات سنرى حجم التحريض والشّحن الذي قاد أتباع الفريقين إلى الاصطدام في أكثر من موقع. حيث إن تلك الأخبار (في سياقها العام وليس الحصري) أخذت طابع التوجيه المباشر، والتسييس بشكل لا يمتّ إلى المهنيّة بأية صلة. فنعوت «الإرهابي» «المجرم» «العميل» «الخائن» كانت السّمات التي اصطبغت بها الحملات المضادة.
الأكثر من ذلك، فقد وصلت الاتهامات إلى حدّ القول بأن هناك تصفيات جسدية متبادلة بين الطرفين. فخلال فترة حكم إبراهيم الجعفري (وبداية حكم نوري المالكي) الذي استقوى بها الصدريون، قام جيش المهدي (هكذا كان المجلس الأعلى يقول) بارتكاب عمليات قتل ضد أفراد منتسبين إليه، وإحراق مقارّه الحزبية، واختطاف عدد كبير من أتباعه، وخصوصاً إبّان الحرب الطائفية التي جرت بين عامي 2006 - 2007 بعد تفجيرات سامراء.
وخلال الفترة التي تلت حكم الجعفري والسنة الأولى من حكم المالكي، قام المجلسيون (هكذا كان التيار الصدري يقول) بارتكاب عمليات اغتيال ضد الصدريين في كربلاء المقدسة والبصرة والديوانية والنجف، وإبّان أحداث الزركة التي جرت على مشارف مدينة النجف الأشرف في مطلع العام 2007 ضد حركة جند السماء بقيادة ضياء عبدالله الكرعاوي. كما اتّهم الصدريون المجلس الأعلى ومنظمة بدر باعتقال ألفي منتسب للتيار مستغلّين سيطرتهم على الأجهزة الأمنية.
لقد وصل الخلاف بين الفريقين إلى تحميل كلّ طرف للآخر بمسئوليته عن «الدم المُرَاق». وهو ما يعني تحوّل الصراع إلى ثارات مُؤجّلة، في مجتمع عشائري مُضطّرب. وبالتالي لم تعد تنفع في هذا الفتق أيّ من المعالجات السياسية التي حاول القيام بها السيد عبدالعزيز الحكيم، ولا أطراف أخرى كإبراهيم الجعفري (حركة الإصلاح) أو عبدالكريم العنزي (حزب الدعوة - تنظيم العراق).
بل حتى التسويات التي جرت عبر «التفكير السياسي الجمعي للبيت الشيعي» طائفياً لم تُفلِح سوى في تسكين الخلاف لفترات متقطّعة. سواء إبّان الائتلاف العراقي الموحّد سابقاً، أو الآن بعد تحوّله إلى الائتلاف الوطني العراقي. وهو ما يُفسّر عملية التفاوض العرجاء التي تجري مرة باسم الائتلاف ومرة باسم مكوّناته كلما توافقت أو اختلفت المصالح الخاصة داخل هذا المُكوّن، سواء مع قائمة المالكي أو قائمة علاوي.
لقد أدى ذلك الخلاف إلى مطبّات متلاحقة، انسلّت من الخلاف الأصلي. فقد عارض المجلس الأعلى العديد من سياسات التيار الصدري داخل الائتلاف. في الترشيحات الأخيرة، بدا أن المجلس يعارض ترشيح الصدريين إبراهيم الجعفري لرئاسة مجلس الوزراء، والسبب هو تسليم الجعفري للصدريين مقاليد الأمن خلال فترة رئاسته للوزراء (7 أبريل 2005 - 20 مايو/ أيار 2006) الأمر الذي مكّنهم من التعرض للمجلس الأعلى ومنتسبيه قتلاً واختطافاً كما يُقال.
وهم ضمن هذه المفاضلة يتساومون بشكل مستقل وكأنهما فريقان مختلفان، رغم أنهما من ائتلاف واحد. فالصدريون يقبلون بالمالكي رئيساً للوزراء إذا حيّد الملف الأمني ضدهم، ومَنَحَ مُدُنهم وأحياءهم امتيازات خاصة من موزانة الدولة وعمليات الإعمار. والمجلس الأعلى قد لا يُمانع أن يتقلّد المالكي الرئاسة، إذا ما تحسّنت ظروف الجعفري (مرشح الصدريين) للظفر بهذا المنصب. فهم يرون في المالكي الأقرب لتوجّهاتهم رغم أن الجعفري هو حليف لهم داخل الائتلاف.
في المحصّلة لا يُمكنك مصافحة يد مقبوضة كما تقول أنديرا غاندي. وهو حال الفريقين اليوم. ومادام الأمر قد تطوّر إلى استهداف بالاعتقال والخطف والقتل والتفجير، فهذا يعني أن مسيرة التسوية ممتدة. وحلحلتها يجب أن تكون بحجم مصابها التاريخي والميداني والسياسي. وهو ما يتطلّب تنازلات من العيار الثقيل من الطرفين. وهذا المنسوب من التنازلات بعيد المنال في هذه المرحلة على أقلّ تقدير.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2824 - الأحد 30 مايو 2010م الموافق 16 جمادى الآخرة 1431هـ
الحكيم والصدر
زعيما التيارين السيد محمد باقر الحكيم والسيد محمد صادق الصدر انتقلا الى الرفيق الأعلى فلماذا يرث الأبناء ما تركه الآباء
التاريخ هو المشكلة
الارتهان للتاريخ هو المشكلة . انظروا للخلاف الشيعي السني وكيف انه لا يزال ينام على التاريخ ومعارك الاسلام الأولى والخلافة . فلينسى المجلس والتيار الصدري التاريخ وسيجدون انفسهم بالاحضان
المعارضة والحكومة
يعني لا في المعارضة متفقين ولا في الحكومة؟؟؟؟ شنو الحل بالضبط ويا هالجماعة
موجز الكلام
من يوم كنت صغير كان والدي يقول لي في السياسة لا صداقة دائمة و لا عداوة دائمة و هذا هو موجز الكلام . . .