اتفق مؤتمر مراجعة معاهدة منع انتشار أسلحة الدمار الشامل الذي انعقد في نيويورك على الدعوة إلى مؤتمر يعقد في العام 2012 يبحث بحضور جميع دول «الشرق الأوسط» بما فيها «إسرائيل» مسألة إنشاء منطقة خالية من جميع أسلحة الدمار الشامل. واتفق المجتمعون على وثيقة ختامية تضمنت وعداً بأن المؤتمر المقبل سيتخذ قرار العام 1995 مرجعاً للنقاش والتداول لحسم موضوع «المنطقة الخالية».
في حال تم التوافق على تنفيذ نص الوثيقة الختامية التي توصلت الدول العربية إليها بعد مفاوضات طويلة مع الدول النووية الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن يكون مؤتمر العام 2012 هو الثالث بعد الأول في 1995 والثاني في العام 2010. وأهمية المؤتمر المقبل أنه يتأسس على وثيقة العام 1995 مضافاً إليها الوثيقة الختامية لمؤتمر 2010 التي تضمن مصالح كل الأطراف المعنية بالمسألة في منطقة الشرق الأوسط.
الجديد في الموضوع أن الدول الكبرى تعاملت مع «إسرائيل» بوصفها دولة تقع تحت القانون الدولي وهي معنية بأمن منطقة الشرق الأوسط كما هي المنطقة معنية بأمنها. وجاء هذا التطور الإيجابي بعد موافقة الولايات المتحدة على تمرير ذكر «إسرائيل» بالاسم في الوثيقة الختامية التي توصلت الدول العربية إلى صوغ بنودها المبدئية بالتوافق مع الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن. والمفاجأة الأميركية التي مهدت للاتفاق الأولي جاءت بعد موافقة إدارة باراك أوباما على قبول طلب الدول العربية الإشارة إلى اسم «إسرائيل» في بنود الوثيقة الجديدة.
الموافقة الأميركية وضعت حداً لمشكلة مزمنة تمثلت دائماً في ممانعة الولايات المتحدة ذكر «إسرائيل» بالاسم كما حصل في قرار العام 1995. وشكل هذا الاعتراض الأميركي ذريعة للدول الأخرى برفض التوقيع على المعاهدة أو مطالبة مجلس الأمن معاملتها بالمثل كما تتعامل مع تل أبيب. وأدى هذا السلوك المزدوج في التعامل مع المعايير الدولية إلى تشطير العالم إلى دول نووية معترف بها، ودول نووية خارج دائرة الاعتراف، ودول غير نووية وقعت على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، ودول نووية ترفض التوقيع على المعاهدة، ودول غير نووية وقعت على المعاهدة ويمنع عنها الدخول في النادي الدولي.
هذا التشطير النووي وغير النووي للدول أدى إلى تعطيل تطبيق معاهدة الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل وشجع الدول الطامحة لدخول النادي في البحث عن ملاذ قانوني يبرر حقها في عدم الالتزام ببنود المعاهدة. وساهم الخلل المذكور والتمييز بين أمن «إسرائيل» وأمن «الشرق الأوسط» في إطلاق موجة جديدة في إطار السباق على التسلح للدفاع أو لكسب ضمانات دولية تحد من انتشار الخطر النووي على أمن المنطقة وشعوبها.
تفاقم الأمر حين لجأت الدول النووية الدائمة العضوية في مجلس الأمن إلى ممارسة سياسة غير شفافة في موضوع ضرورة الالتزام بالمعاهدة. فهي لمحت إلى معاقبة الدول التي وقعت على المعاهدة من دون أن تقدم لها ضمانات خطية وملموسة تعطيها مظلة الحماية من المخاطر التي تهدد أمنها. وفي الآن ترددت في معاقبة الدول التي ترفض التوقيع على المعاهدة بذريعة أنها تمتلك حرية عدم التوقيع في اعتبار أن المعاهدة غير ملزمة لها وتستطيع بموجب الرفض تطوير سلاحها النووي من دون خوف من الملاحقة الدولية.
هذا المنطق المزدوج أعطى فرصة لمعاودة الدخول في سباق البرامج النووية في «الشرق الأوسط» لأنه تأسس على معادلة غير صحيحة في التعامل مع القانون والعقاب. وأدى منطق من وقع لا يحق له الدخول في النادي النووي، ومن رفض التوقيع يستطيع تطوير برنامجه النووي من دون عقاب إلى إعادة بحث المعضلة من مختلف زواياها حتى تستقيم المسألة على قاعدة المساواة بين الدول.
الازدواجية المذكورة شكلت في السنوات الماضية نقطة تجاذب بين دول المنطقة العربية و«إسرائيل» لأن الثغرة القانونية تحولت إلى ملاذ آمن للدول النووية التي تتحرك خارج إطار النادي المعترف به في الأمم المتحدة (الهند وباكستان) أو تلك التي ترفض التوقيع على معاهدة الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل.
الوثيقة الختامية التي توصلت الدول العربية إلى صوغ بنودها المبدئية بالتوافق مع الدول النووية الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن تعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح، فهي من جانب كسبت موافقة أميركية خجولة على ذكر «إسرائيل» بالاسم بوصفها دولة معنية بالمعاهدة وملحقاتها، وهي من جانب آخر نالت موافقة إجماعية على أن انتشار أسلحة الدمار الشامل يهدد المنطقة كلها وليس أمن «إسرائيل» وحدها. وهذا التقدم النوعي في مضمار وقف السباق الإقليمي على تطوير البرامج النووية يشكل خطوة تمهيدية للتوصل في العام 2012 إلى إصدار قرار دولي ينص على اعتبار «الشرق الأوسط» منطقة خالية من جميع أسلحة الدمار الشامل
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 2824 - الأحد 30 مايو 2010م الموافق 16 جمادى الآخرة 1431هـ