العدد 2821 - الخميس 27 مايو 2010م الموافق 13 جمادى الآخرة 1431هـ

نهضة أوروبا بين دنيا الدين ودين الدولة (6)

محمد خاتمي comments [at] alwasatnews.com

يستعمل ماكيافللي في كلا كتابيه السياسيين الكبيرين كلمة «فيرتو» التي ترادفها باليونانية كلمة «آرته». وقد عبر عن هذا المصطلخ في لغة الفلاسفة المسلمين بـ «الفضيلة» لكن الفضيلة عند ماكيافللي تختلف عن الفضيلة عند أفلاطون وأرسطو، وما كان سائدا في العصور الوسطى. وعلى رغم ان المعنى اللغوي للفظتي «آرته» اليونانية «فيرتو»، الانجليزية، ليس غريبا عن مراد ماكيافللي من «فيرتو»، فمن المستحسن لتحاشي أي اشتباه أو سوء فهم ان نستعمل اصطلاح «فيرتو». نفسه لم يكن للفضيلة عند القدماء معناها المتداول اليوم - أي العلو الاخلاقي - وانما كان معناها شاملا لكل أوجه العلو. وبناء عليه فلم يكن بالمستهجن ان يوصف عاشق أثيني موله بـ «الفاضل» وأن يوصف الضابط القاسي القلب المتصف باللياقة بـ «الجندي الفاضل». وأما الاصلاح الشائع (Virtue) في ترجمة (Arete) فهو مأخوذ من لفظة (Virtues) اللاتينية التي تفيد الرجولة بمعنى المروءة. وقد أضفى سقراط، ثم افلاطون وأرسطو من بعده، على هذه الكلمة معنى اخلاقيا وسياسيا خاصا.

فكانت الفضيلة برأي هؤلاء اليونانيين تعني لخير الاعلى، والشرط الكافي للاخلاق الذي ليس مشروطا بشرط آخر. لكن الفضيلة وجدت في مجال الفكر والايمان المسيحي صبغة ومفهوما خاصين آخرين فيما بعد.

فلقد سعى العلماء المسيحيون في العصور الوسطى إلى ربط «الخير» بالمبدأ الاعلى للمجد والشرف وعدوا الفضيلة، من هذا القبيل، صفة تنطوي على المجد والشرف. فالانسان الصالح يعد جميلا وشريفا برأي المسيحيين لانه صاحب «فضيلة»، وأما «الفضيلة» فهي شريفة بذاتها لانها دليل الانسان إلى الله.

في «فيرتو» ماكيافللي معنى الرجولية أيضا، لانه يعتقد انها صفة يمكن بها خطب ود الحظ الذي هو ملكة أنثى، لا تلين إلا امام من يملك الرجولة. فإذا بنينا على القياس فإن «فيرتو» ماكيافللي أقرب إلى معنى «آرته» اليوناني السابق على عهد سقراط.

فالـ «فيرتو» برأي ماكيافللي غير ذات قيمة ذاتية، وهو بذا يشارك مفكري العصور الوسطى في اعتبارهم الفضيلة وسيلة لا غاية بنفسها. ولكن ما يميزه عن الفلاسفة القدماء ومتكلمي العصور الوسطى هو الهدف الذي توظف الـ «فيرتو» وسيلة في سبيل الوصول إليه.

إن الفرق بين «الخير» الافلاطوني والارسطي، بل والرواقي ايضا، وكذا «الخير» في العصور الوسطى، وبين «الحسن» المقصود من ماكيافللي، كالفرق بين تعريف الانسان في العالم قبل ماكيافللي وبعده.

فـ «السلطة»، والمراد بها القدرة والابهة في هذا العالم قطعا، «خير» برأي ماكيافللي، وهي هدف الانسان الأول. والـ «فيرتو» باعتقاده هي كل تلك الصفات والملكات التي توصل الانسان إلى هذا الهدف، وتمكنه من المحافظة عليه، فيجب ان يكون ملاك تقييم هذه الصفات والملكات منوطا بالنجاح الذي يناله صاحبها، في بلوغه الهدف المنشود والمحافظة عليه.

إقرأ أيضا لـ "محمد خاتمي "

العدد 2821 - الخميس 27 مايو 2010م الموافق 13 جمادى الآخرة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 4:13 ص

      دعك من ....و حافظ على استقلاليتك

      صحيح أختلفت الحضارات القديمة في تعريف مفهوم الفضيلة بل و أعتبرت استعمار الشعوب الضعيفة و استعبادهم من سمو الفضيلة عندهم. دعك ياسيد من ذلك و أبحث في قول اللة سبحانه وتعالى" ليخرجهم من الظلمات الى النور" و ماهي الظلمات و ماهو النور لتعرف ماهي الفضيلة و ماهو الخير

    • زائر 1 | 1:38 ص

      إبراهيم الجنوساني

      هذا المقال هو محاضرة للسيد خانمي وليس للمرجع السيد فضل الله , واعتقد هناك لبس فني من قبل الموقع

اقرأ ايضاً