انطلاقاً من العلاقات المميزة بين دول المجلس والسمات المشتركة والأنظمة المتشابهة، وإيماناً بأهمية التعاون والتنسيق فيما بينها، تم إنشاء مجلس التعاون في شهر مايو/ أيار العام 1981 في الدورة التأسيسية للمجلس الأعلى التي عقدت بدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تم إقرار النظام الأساسي للمجلس، وفي نفس العام تم التوقيع على الاتفاقية الاقتصادية الموحدة، والتي أصبحت سارية المفعول بحلول شهر مارس/ آذار العام 1982، حيث تم البدء في اتخاذ خطوات تنفيذية لتطبيق ما ورد بها من أحكام ونصوص اعتباراً من الأول من مارس 1983، وكانت الخطوة الأولى هي إنشاء منطقة التجارة الحرة فيما بين دول المجلس والتي تم بموجبها إعفاء كافة المنتجات الوطنية من الرسوم الجمركية والرسوم ذات الأثر المماثل وفق شروط معينة.
وبعد عقدين من العمل الخليجي المشترك جاءت الاتفاقية الاقتصادية الجديدة التي أقرها قادة دول المجلس في قمة مسقط في ديسمبر/ كانون الأول 2001 لتواكب التطور الشامل للعمل الخليجي ولتعكس المتغيرات الاقتصادية المحلية والإقليمية والدولية. وقد تضمنت هذه الاتفاقية نصوصاً جديدة ومطورة للعمل المشترك من أهمها ما يتعلق بالاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة والاتحاد النقدي وغيرها.
ولتحقيق ما نصت عليه الاتفاقية الاقتصادية بين دول المجلس، قرر المجلس الأعلى في دورته الثانية والعشرين في مسقط 2001 البدء بالاتحاد الجمركي اعتباراً من يناير/ كانون الثاني 2003، كما قرر في دورته الثالثة والعشرين في الدوحة 2002 مباركة قيام الاتحاد الجمركي في نفس التاريخ. وقد بدأ العمل فعلياً بالاتحاد الجمركي مع بداية العام 2003.
تلك كانت مقدمة إنشاء «الاتحاد الجمركي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وقد حرصت على نقلها نصاً بشيء من التفصيل الذي قد يعتبره البعض غير ضروري، لأنه قبل يومين، وتحديداً في 26 مايو 2010، أي بعد مرور تسع سنوات على قرار إنشاء «الاتحاد»، عقدت في الكويت «ندوة تقييم الاتحاد الجمركي الخليجي»، افتتحها أمين عام اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي عبدالرحيم نقي قال فيها «ومددت الدول الخليجية المرحلة الانتقالية الثانية حتى 2007، بعد أن انتهت الفترة الأولى بنهاية 2004، ثم تم تمديدها مرة أخرى للوقت الحاضر دون استكمال إجراءاته التي كان معظمها نتيجة التحول من العمل الفردي إلى الجماعي وعلى اعتبار أن دول المجلس تغلب عليها صفة الدول المستوردة والمستهلكة... إن بقاء هذه المسألة معلقة لأكثر من خمس سنوات يكشف جانباً مما يعتري مسيرة العمل الخليجي المشترك من تباطؤ... يكبد الاقتصاد الخليجي ورجال الأعمال الكثير من الخسائر ويفوت عليها الكثير من الفرص في وقت يتسم فيه بتسارع التطورات وتعاظم المنافسة العالمية... لقد كنا نأمل الانتهاء من ملف تحصيل ونسب الإيرادات الجمركية والاتفاق عليه قبل نهاية العام الماضي وذلك تنفيذاً لقرار المجلس الأعلى بتسريع الأداء وإزالة العقبات التي تعترض مسيرة العمل المشترك، إلا أننا دخلنا في مرحلة تطبيق السوق الخليجية المشتركة منذ العام 2008 دون استكمال متطلبات الاتحاد الجمركي الموحد مما يثير الإرباك للعمل الخليجي المشترك، ولبرامج التكامل الاقتصادي الخليجية، علاوة على ما يخلقه من عقبات أمام القطاع الخاص الخليجي».
وفي تلك الفقرات اعتراف صريح من قبل نقي، بعدم تحقيق ذلك الاتحاد، رغم قرار التأسيس، ما كان مرسوماً له، ومتوقعاً منه.
في تلك الندوة أيضاً قدم رئيس مكتب التدقيق العام والحفظ بالإدارة العامة للجمارك بدولة الكويت، ورئيس لجنة الاتحاد الجمركي حسام سليمان الصهيل، ورقة بعنوان «القرارات الصادرة بشأن تطبيق الاتحاد الجمركي الخليجي والمعوقات التي تواجه تطبيقها، كانت عبارة عن عرض موسع لمسيرة الاتحاد والمعوقات التي حالت دون قيامه، رصد فيها تلك القرارات البالغ عددها 43 قراراً بدءاً من ذلك الداعي إلى «إلغاء العمل بإجراءات التأهيل للمصانع الوطنية التي كان معمولاً بها قبل قيام الاتحاد الجمركي، مروراً، بـ «معاملة السلع الأجنبية المستوردة من المناطق الحرة داخل دول المجلس نفس معاملة السلع الأجنبية المستوردة من الخارج وتستوفى عليها الرسوم الجمركية حال خروجها من المناطق الحرة، ومعاملة واردات المناطق والأسواق الحرة والمستودعات الجمركية العامة والخاصة بدول المجلس بموجب أحكام النظام (القانون) الجمركي الموحد لدول المجلس»، انتهاءً بـ «السماح للمخلصين الجمركيين بدول المجلس بممارسة مهنة التخليص ف أي من الدول الأعضاء ومعاملتهم نفس معاملة المخلصين الوطنيين، وإقامة مركز معلومات جمركي لدول المجلس في مقر الأمانة العامة بالرياض وربطه آلياً بإدارات بالدول الأعضاء».
وكأن الصهيل، يعزز في تلك الورقة، ما سبقه إليه نقي وبادر إليه، ويذيل ورقته بمجموعة من المعوقات التي اعترضت تلك المسيرة، وحالت كما شخصت تلك الورقة، دون تنفيذها مثل:
«- عدم التزام بعض الدول الأعضاء بتنفيذ بعض القرارات المتعلقة بتنفيذ متطلبات الاتحاد الجمركي.
- عدم التزام بعض المنافذ الجمركية البينية بالعمل على مدار الساعة لفسح الإرساليات سريعة التلف وارتفاع رسوم التحميل والتفريغ (المناولة) في بعض المنافذ الجمركية، وفرض رسوم خدمات عالية على دخول الشاحنات في بعض الدول الأعضاء.
- عدم استيعاب بعض موظفي المنافذ الجمركية لإجراءات وخطوات الاتحاد الجمركي، وعدم إلمام بعض التجار والمستوردين والمصدرين بالتسهيلات والامتيازات التي يوفرها الاتحاد الجمركي لهم».
أي، وكما يجمع الاثنان، وآخرون غيرهم شاركوا في تلك الندوة، أنه اليوم، وبعد ما يقرب من ثماني سنوات على قرار التأسيس لم يستطع الاتحاد الجمركي أن يحقق حتى الحدود الدنيا من الأهداف التي وقفت وراء تأسيسه، والتي ينحصر أهمها في:
1. تعرفة جمركية موحدة تجاه العالم الخارجي.
2. أنظمة وإجراءات جمركية موحدة.
3. نقطة دخول واحدة يتم عندها تحصيل الرسوم الجمركية الموحدة.
4. انتقال السلع بين دول المجلس دون قيود جمركية أو غير جمركية، مع الأخذ في الاعتبار تطبيق أنظمة الحجر البيطري والزراعي، والسلع الممنوعة والمقيدة.
5. معاملة السلع المنتجة في أي من دول المجلس معاملة المنتجات الوطنية.
والسؤال الذي يفرض نفسه، وبإلحاح على من تقع مسئولية ذلك التأخير، ومن هي الجهة التي تضع العصا في دواليب مسيرة الاتحاد الجمركي الخليجي، هل هو القطاع العام أم القطاع الخاص أم كليهما معاً؟ وهل يتم ذلك بوعي من كليهما أم لا؟
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2821 - الخميس 27 مايو 2010م الموافق 13 جمادى الآخرة 1431هـ