شفيق الغبرا - أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت، والمقال ينشر بالتعاون مع «مشروع منبر الحرية www.m
27 مايو 2010
إن احتكام الولايات المتحدة الأميركية للمصالح الإسرائيلية أصبح مع الوقت أحد أهم مسببات العنف الإسلامي/ العربي الأميركي. وقد أصبح من الضروري بل من الحتمي أن تناقش هذه المسألة بوضوح من قبل أصدقاء الولايات المتحدة قبل أعدائها ومن قبل حلفائها قبل خصومها.
إن العلاقة الأميركية الإسرائيلية في العشر السنوات الأخيرة أصبحت تهدد بمزيد من التوتر في العلاقة بين العالم الإسلامي والعربي من جهة و الولايات المتحدة من جهة أخرى. والسبب واضح في هذا، فالسلاح الذي يقتل به العرب في الأراضي المحتلة هو سلاح أميركي، والمتفجرات التي تلقى فوق مناطق عربية وفلسطينية هي أميركية، والمستوطنات التي تبنى في المناطق العربية وفي القدس تتم بأموال أميركية تصل لعشرات المليارات، كما أن الولايات المتحدة ساهمت في حماية إسرائيل سياسياً على الصعيد الدولي من خلال حق النقض الفيتو.
إن مجموع الفيتو الذي مارسته الولايات المتحدة منذ السبعينيات حتى اليوم لحماية إسرائيل في مجلس الأمن يساوي مجموع ما استخدم من حق النقض الفيتو من قبل بقية الدول من الأعضاء الدائمين. ويصعب على العالم العربي التظاهر بأن كل هذا لم يقع.
إن هذا الوضع يثير تساؤلات كبرى حول حيادية الدولة الكبرى الأولى في العالم، كما يثير التساؤلات عن مدى مقدرتها اتخاذ خط سير مستقل عن إسرائيل. والمشكلة الأخطر في الموقف أن الولايات المتحدة لا تساعد إسرائيل الآن للدفاع عن وجودها أو حماية أمنها الوطني أو استقلالها بل تساعد إسرائيل أساساً (بوعي أم بغير وعي) في قمع الفلسطينيين وتمكين إسرائيل من البقاء في الضفة وفي القدس والجولان.
حتى الآن يصعب أن نشرح لشاب تحت الاحتلال أو للشعوب العربية التي تشاهد كيف تستباح القدس، انه يوجد فارق كبير بين إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. بينما يعي أفراد مثلي الفارق في أمور كثيرة، إلا أن الصورة العامة للولايات المتحدة بين العرب والمسلمين ترى في الولايات المتحدة منفذاً لرغبات إسرائيل. ألا تذهب الأموال الأميركية بصورة أو بأخرى إلى المستوطنات في القدس والضفة الغربية كما تذهب الأموال العربية والمسلمة إلى المقاتلين في القاعدة؟ وهل هناك فارق حقيقي بين الاثنين. فهذا يقتل المدنيين ويعتدي عليهم وذاك يفعل نفس الشيء بحق الشعب الفلسطيني ومقدسات المسلمين؟.
وبينما توجد قوانين واضحة لمنع وصول الأموال العربية الإسلامية إلى القاعدة وإلى الطالبان، إلا انه لا يوجد جهد دولي قانوني عالمي لمنع وصول أموال الولايات المتحدة إلى المستوطنين في القدس وحولها وفي الضفة الغربية والجولان.
أليس صحيحا أن الكثير من الجمعيات الخيرية الأميركية أكانت مسيحية أم يهودية تقوم بأعمال تبرعات كبرى تنتهي بمستوطنات القدس والخليل ونابلس؟
ثم نتساءل عن إيران والنووي الإيراني ثم النووي الإسرائيلي. أليس صحيحاً أن الرئيس الأميركي جونسون عندما علم العام بالبرنامج الإسرائيلي النووي من رئيس المخابرات المركزية الأميركية قال له «بأن لا يعلم احد أنه يعلم بالأمر وذلك ليتفادى القيام بأي جهد لإيقاف البرنامج».
إن استمرار هذا المنهج اليوم كما في السابق يعود ويؤكد للعالم العربي والإسلامي أن المنطق في النهاية هو للأقوى وليس للأحق. لكن لمنطق القوة حدود.
إن تأسيس عالم إسلامي وعربي اقل عنفا واقل كرها للسياسة الأميركية سيتطلب ابتعادا أميركيا عن تسليح إسرائيل وعسكرتها حتى النهاية، سوف يعني هذا سياسة أميركية جديدة توقف تدفق المليارات من الدولارات العلنية والسرية التي تنتهي في مستوطنات تؤسس لحروب ومواجهات لا نهاية لها بين إسرائيل والعالم الإسلامي.
إن الإدانة اللفظية الأميركية للاستيطان ستؤدي في النهاية إلى جعل الدولة اليهودية خطراً على نفسها وعلى الولايات المتحدة.
من هنا تنبع أهمية الرئيس أوباما وإمكانية أن يكون قادراً على تغير المسار.
لقد تحولت إسرائيل لعبء كبير على الولايات المتحدة، كما أن الالتزام الأميركي بإبقاء إسرائيل متفوقة على مجموع الدول العربية المحيطة بها بينما تقوم إسرائيل بالاعتداء على محيطها لن يساهم في السلام العالمي والإقليمي. هذه سياسات ستقوي القاعدة، كما أنها تقوي إيران أو حماس بل على العكس ستضعف كل الوسطيين العرب.
ويبقى عالمنا حتى الآن عالم غير عادل، ولهذا يصعب أن ينتهي فيه العنف.
إن الولايات المتحدة التي تقاتل في أفغانستان والعراق وأماكن أخرى تزيد العداء لها في العالم الإسلامي والعربي بسبب دفاعها الأعمى عن إسرائيل التي لا تواجه خطراً.
إن انسحاب الولايات المتحدة من الصدام مع العالم العربي والإسلامي لن يكون ممكناً بلا حل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً يتضمن القدس وانسحاب إسرائيل والمستوطنين، وحل عادل لقضية اللاجئين، وقيام دولة فلسطينية مستقلة، كما ويتضمن انسحاباً من الجولان السورية.
إن حلاً كهذا لن يكون ممكناً بلا تحرر أميركي من سطوة اللوبي الداخلي الذي يرهق الولايات المتحدة ويوجهها كما يريد.
إن إسرائيل بوضعها الراهن عبئ على السياسة الأميركية.
العدد 2821 - الخميس 27 مايو 2010م الموافق 13 جمادى الآخرة 1431هـ