أصدرت منظمة العفو الدولية أمس تقريرها للعام 2010 «حالة حقوق الإنسان في العالم»، يغطي الفترة من يناير/ كانون الثاني إلى ديسمبر/ كانون الأول 2009. وقالت المنظمة في تقريرها إن الفجوة القائمة في نظام العدالة الدولية تزداد اتساعاً بسبب سياسات القوة والنفوذ، رغم أن العام الماضي شهد أحداثاً بارزة في مجال العدالة الدولية.
ولدى صدور تقرير منظمة العفو الدولية للعام 2010، والذي يوثِّق الانتهاكات في 159 بلداً، قالت المنظمة إن بعض الحكومات القوية ذات النفوذ تعوق التقدم في مجال العدالة الدولية، بإصرارها على البقاء فوق القانون فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وبدأبها على حماية حلفائها من الانتقادات، وبإحجامها عن التحرك إلا في الحالات التي تراها ملائمةً لها من الناحية السياسية.
وقال القائم بأعمال الأمين العام لمنظمة العفو الدولية، كلوديو كوردوني إن «الفجوة في نظام العدالة الدولية تؤدي إلى تفشي القمع والظلم، ما يدفع بملايين البشر إلى هوة الانتهاكات والاضطهاد والفقر».
وأضاف كوردوني: «ينبغي على الحكومات أن تضمن ألا يكون هناك أحد فوق القانون، وأن تكفل لكل إنسان سبل اللجوء إلى العدالة للانتصاف من جميع انتهاكات حقوق الإنسان. وإذا لم تكفّ الحكومات عن إخضاع العدالة لمصالحها السياسية الذاتية، فسيظل معظم البشر بمنأى عن التحرر من الخوف والتحرر من الحاجة».
وأهابت منظمة العفو الدولية بحكومات العالم أن تضمن خضوعها للمحاسبة على أفعالها، وأن تبادر جميعها بالتوقيع على «نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية»، وأن تكفل محاكمة الجرائم المؤثمة بموجب القانون الدولي في أي مكان في العالم. وقالت المنظمة إن الدول الطامحة إلى مكانة قيادية في العالم، بما في ذلك دول «مجموعة العشرين»، تتحمل مسئولية خاصة في أن تكون نموذجاً يُحتذى بالنسبة لغيرها من الدول.
وأشارت المنظمة إلى أن الأمر الذي أصدرته «المحكمة الجنائية الدولية» في العام 2009 بالقبض على الرئيس السوداني، عمر البشير لاتهامه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، كان حدثاً بارزاً يبرهن على أنه لا أحد فوق القانون، حتى رؤساء الدول الذين يباشرون مهام منصبهم. إلا إن موقف الاتحاد الإفريقي المتمثل في عدم التعاون مع المحكمة، على الرغم من كابوس العنف الذي يعانيه مئات الآلاف من سكان دارفور، كان نموذجاً صارخاً على تقاعس الحكومات عن إعطاء الأولوية للعدالة على مقتضيات السياسة.
كما اعتبرت المنظمة أن تقاعس «مجلس حقوق الإنسان» التابع للأمم المتحدة عن اتخاذ إجراء بخصوص سريلانكا، على الرغم من الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها القوات الحكومية وحركة «نمور تحرير تاميل إيلام» وبعضها قد يُعد جرائم حرب، كان بمثابة دليل آخر على تقاعس المجتمع الدولي عن التحرك عندما تدعو الحاجة إلى ذلك. وفي الوقت نفسه، لم تستجب إسرائيل وحركة «حماس» بعد للتوصيات الواردة في «تقرير غولدستون»، الصادر عن «مجلس حقوق الإنسان»، والتي تدعو إلى المحاسبة عن الانتهاكات التي ارتُكبت خلال النزاع في قطاع غزة.
ورأت منظمة العفو الدولية أن الفجوة في نظام العدالة قد أدت إلى حلقة مقيتة من القمع في مختلف أنحاء العالم، إذ سجلت البحوث التي أجرتها المنظمة وقوع حالات التعذيب وغيره من صنوف المعاملة السيئة فيما لا يقل عن 111 بلداً، وحدوث محاكمات جائرة فيما لا يقل عن 55 بلداً، وفرض قيود على حرية التعبير فيما لا يقل عن 96 بلداً، بالإضافة إلى احتجاز سجناء رأي فيما لا يقل عن 48 بلداً.
وتعرضت المنظمات المعنية بحقوق الإنسان، كما تعرض المدافعون عن حقوق الإنسان، لاعتداءات في بلدان كثيرة، حيث أقدمت الحكومات على منع أنشطة تلك المنظمات وأولئك المدافعين أو أحجمت عن توفير الحماية لها ولهم.
وفي الشرق والأوسط وشمال إفريقيا، «شهد العام الماضي أنماطاً من عدم تسامح الحكومات مع الانتقادات، في بلدان مثل تونس والسعودية وسورية، ومن القمع المتصاعد، كما هو الحال في إيران. وفي آسيا، صعَّدت الحكومة الصينية من ضغوطها على من يتحدون سلطتها، وأقدمت على اعتقال ومضايقة المدافعين عن حقوق الإنسان، بينما فرَّ الآلاف من ديارهم للنجاة من القمع الشديد ومن الضائقة الاقتصادية في كوريا الشمالية وميانمار».
وقالت منظمة العفو الدولية إن الحيز المتاح للأصوات المستقلة ولمنظمات المجتمع المدني قد تقلص في بعض مناطق أوروبا ووسط آسيا، ووقعت مئات من أعمال القتل غير المشروع على أيدي قوات الأمن في عدة دول في الأميركتين، بينما ظلت الولايات المتحدة تنعم بحصانة تجعلها بمنأى عن المحاسبة على ما ارتكبته من انتهاكات في سياق مكافحة الإرهاب.
وخلصت منظمة العفو الدولية إلى أن النزاعات المسلحة في العالم اتسمت باستخفاف صارخ بأرواح المدنيين. كما قُتل عدد من المدنيين بشكل غير مشروع، وأُصيب آخرون، على أيدي القوات الإسرائيلية والجماعات الفلسطينية المسلحة في سياق النزاع في غزة وجنوب إسرائيل.
وعانى آلاف المدنيين من انتهاكات من جراء العنف المتصاعد على أيدي حركة «طالبان» في أفغانستان وباكستان، بينما تحمَّل المدنيون القسط الأعظم من تبعات النزاع في الصومال والعراق. وفي معظم النزاعات، عانت النساء والفتيات من الاغتصاب وغيره من أشكال العنف على أيدي القوات الحكومية والجماعات المسلحة.
ومن بين الوقائع الأخرى التي أظهرها تقرير منظمة العفو الدولية:
تزايد الهجمات التي شنتها جماعات مسلحة، على ارتباط بتنظيم «القاعدة» فيما يبدو، في بعض بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومنها العراق واليمن، ما سلَّط الضوء على انعدام الأمن في تلك البلدان.
ورأت منظمة العفو الدولية أن الأحداث على مستوى العالم، حيث ينحدر الملايين إلى هوة الفقر من جراء أزمة الغذاء وأزمة الطاقة والأزمة المالية، تبين الحاجة الماسة إلى التصدي للانتهاكات التي تؤجج الفقر. وقال كلوديو كوردوني إنه «يجب أن تخضع الحكومات للمحاسبة عن انتهاكات حقوق الإنسان التي تسبب الفقر وتعمِّقه. ويُعد الاجتماع الذي تعقده الأمم المتحدة في نيويورك بالولايات المتحدة، في سبتمبر/ أيلول من العام الجاري، لمراجعة «أهداف التنمية للألفية» فرصةً لزعماء العالم للانتقال من الوعود إلى الالتزامات القابلة للتنفيذ قانوناً».
ولاحظت منظمة العفو الدولية أن النساء، ولاسيما الفقيرات منهن، يتحملن القسط الأعظم من تبعات التقاعس عن تحقيق تلك الأهداف.
ومضى كلوديو كوردوني قائلاً إنه «يجب على الحكومات تعزيز المساواة بين الرجل والمرأة والتصدي للتمييز ضد المرأة إذا ما أرادت المضي قدماً في تحقيق أهداف التنمية للألفية».
كما أهابت منظمة العفو الدولية بدول «مجموعة العشرين» التي لم توقِّع بعد على «نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية»، وهي الولايات المتحدة والصين وروسيا وتركيا والهند وإندونيسيا والسعودية، إلى الإسراع بالتوقيع. وقالت المنظمة إن اجتماع المراجعة العالمية لأعمال المحكمة، والذي يبدأ في العاصمة الأوغندية كمبالا في 31 مايو/ أيار 2010، هو فرصة سانحة للحكومات لكي تبرهن على التزامها بالمحكمة.
ونوَّهت منظمة العفو الدولية بما تحقق من تقدم أظهرته أحداث كثيرة، بالرغم من المثالب الجسيمة في ضمان العدالة على مدار العام الماضي.
واختتم كلوديو كوردوني تصريحه قائلاً إن «الحاجة إلى عدالة دولية فعالة تُعد من الدروس الأساسية للعام الماضي. فإقرار العدالة يوفر الإنصاف والحقيقة لمن عانوا من الانتهاكات، ويمثِّل رادعاً يحول دون وقوع مزيد من انتهاكات حقوق الإنسان، ويؤدي في نهاية المطاف إلى عالم أكثر أمناً واستقراراً».
العدد 2821 - الخميس 27 مايو 2010م الموافق 13 جمادى الآخرة 1431هـ
كأن هذا قريب من الواقع الذي نعيشه نحن
قالت المنظمة إن بعض الحكومات القوية ذات النفوذ تعوق التقدم في مجال العدالة الدولية، بإصرارها على البقاء فوق القانون فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وبدأبها على حماية حلفائها من الانتقادات، وبإحجامها عن التحرك إلا في الحالات التي تراها ملائمةً لها من الناحية السياسية.
وقال القائم بأعمال الأمين العام لمنظمة العفو الدولية، كلوديو كوردوني: «ينبغي على الحكومات أن تضمن ألا يكون هناك أحد فوق القانون، وأن تكفل لكل إنسان سبل اللجوء إلى العدالة للانتصاف من جميع انتهاكات حقوق الإنسان».