في إعلانه عن إطلاق أول استراتيجية في التغذية على الصعيد الوطني، تهدف إلى تحسين الوضع التغذوي للفئات العمرية لسكان دولة الإمارات العربية المتحدة، أكد المدير التنفيذي لشئون السياسات الصحية بوزارة الصحة في دولة الإمارات محمود فكري، «أن حجم ونسب معدلات الأمراض المرتبطة بسوء التغذية بالدولة في تزايد، حيث بلغت نسبة الإصابة بالسمنة بين الاطفال 13 في المئة، وبين السيدات 15 في المئة، فيما بلغت نسب الإصابة بمرض السكري بين المواطنين 24 في المئة، وبين مختلف أفراد المجتمع في الدولة 6.19 في المئة، بخلاف ارتفاع ضغط الدم الذي بلغت نسبة الإصابة به 6.31 في المئة.
في السياق ذاته، وعلى نحو متصل، نوه مدير عام وزارة الصحة الإماراتية بالإنابة سالم الدرمكي إلى «أن إطلاق استراتيجية وطنية للتغذية، يمثل تجسيداً واقعياً لواحدة من المبادرات الحديثة لوزارة الصحة، التي تنطلق في إطار الاستراتيجية الجديدة، والتوجه المدروس نحو تحقيق التميز والجودة والارتقاء بالخدمات الصحية في الدولة»، موضحا إلى أن وزارة الصحة عملت وبمساعدة منظمة الصحة العالمية على وضع الاستراتيجية الوطنية للتغذية للأعوام 2010-،2015 بهدف العمل على تحسين الوضع التغذوي لفئات المجتمع كافة، وخاصة فئة الأطفال والنساء، مع وضع برامج تغذية تهدف إلى الحد من مشكلة السمنة والأمراض غير المعدية». وغالباً ما تظهر أعراض سوء التغذية جراء قلة الوعي الغذائي لدى المجتمع، او نظراً لسيادة بعض التقاليد والعادات، مثل إدمان الوجبات السريعة، وعدم تعرض الأطفال للشمس مدة كافية، او نظراً لعدم توافر المساكن الصحية.
أول ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن أمراض سوء التغذية، هو الربط بينها وبين ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وهذا ما حصل فعلاً على الصعيد العربي، حيث ازداد الرقم القياسي لأسعار الغذاء، وفقاً لأرقام منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، وكما يقول الأستاذ في قسم الاقتصاد الزراعي بكلية علوم الأغذية والزراعة في جامعة الملك سعود، خالد بن نهار الرويس، «بمعدل 8 في المئة بين العامين 2005، 2006 ، وبمعدل 24 في المئة بين العامين 2006، 2007، وخلال الشهور الثلاثة الأولى من العام 2008 بمعدل 53 في المئة مقارنة بالشهور الثلاثة الأولى من العام 2007».
وكما يؤكد الرويس أن «الإنفاق على الطعام يشكل النصيب الأكبر من دخول الأسر وخاصة الأسر الريفية، حيث إن أكثر من ثلثي دخل الأسر ينفق على الغذاء، الأمر الذي سوف يؤدي إلى الضغط على حجم الإنفاق على الاحتياجات الأخرى للأسرة، مما سيؤدي إلى عجزها عن الوفاء باحتياجاتها الغذائية والاحتياجات الأخرى وانتقالها إلى فئة الفقراء. وتصبح المشكلة اكبر عندما تصل بعض الأسر إلى مستوى عدم القدرة على الوفاء بمتطلبات التعليم ومتطلبات التنمية الاجتماعية ومستلزمات الحياة لأفرادها مما يهدد السلام الاجتماعي وتزداد الآفات والأمراض الاجتماعية بين الفقراء».
لكن بعيداً عن الاقتصاد هناك أمر مستجد يلفت النظر في مسألة «سوء التغذية» ، هو ما توصلت إليه بعض الدراسات الحديثة التي تربط بين «سوء التغذية» و»التغيرات المناخية». هذا ما أشارت له أستاذ صحة البيئة والطب الوقائي بالمركز القومي للبحوث في القاهرة أمل سعد الدين، حين قالت «إن ظاهرة التغيرات المناخية والاحتباس الحراري تؤدي إلى زيادة أمراض سوء التغذية في الدول النامية والفئات العمرية الحساسة سريعة التأثير ممثلة في الأطفال والحوامل وكبار السن، إلى جانب أن التغيرات المناخية يصاحبها أيضا ارتفاع معدلات الأمراض خاصة المنقولة بالحشرات ومن بينها الملاريا والفلاريا وحمى الوادي المتصدع وذلك بسبب زيادة أماكن تكاثر البعوض الناقل للمرض في المياه الراكدة الناتجة عن هطول الأمطار بكميات كبيرة أو الفيضانات أو خزانات المياه غير المطابقة للمواصفات الصحية في مناطق الجفاف».
على المستوى العالمي، وكما يقول تقرير مروة مصطفى، على موقع «الإخوان المسلمون»، المعنون « التعاون من أجل بناء عالم متحرر من الجوع»، ووفقاً لإحصاءات منظمة الصحة العالمية ومنظمة التغذية والزراعة للأمم المتحدة «يعاني واحد من كل خمسة أشخاص، من سكان بلدان العالم النامي من سوء التغذية المزمن، بما مجموعه 777 مليون شخص لعام 1997 وحده». ما هو خطير بالنسبة لسوء التغذية، هو ما حذر منه ذلك التقرير، حيث «كشف باحثون أميركيون أن سوء التغذية في السنوات الأولى من العمر يؤدي إلى انحدار معدلات الذكاء لدى الأطفال، وتكوين نزعة عدوانية تستمر معهم إلى فترة المراهقة».
ورغم كون الإمارات هي الدولة العربية الأولى التي تطلق مثل هذه الخطة، لكن ذلك لا يعني أنها الدولة العربية الوحيدة التي تعاني من سلبيات سوء التغذية، فحسب أرقام نشرها موقع إسلام اونلاين، لمراسلته ولاء حنفي «يعاني 13 في المئة من سكان العالم العربي من سوء التغذية؛ أي ما يعادل 39 مليون شخص وفقاً لإحصاءات منظمة الفاو العالمية 2002 – 2004 ، ويمثل هذا الرقم نسبة 4.5 في المئة من عدد الأشخاص الذين يعانون من سوء التغذية بالعالم، ووفقاً للمؤشر العالمي للجوع 2006 ، فإن 8 دول عربية وإسلامية من 20 دولة رصدها المؤشر ما زالت تعاني من مشكلات حقيقية في القضاء على الجوع وسوء التغذية؛ حيث حصلت تلك الثماني على قيم أعلى من 20 نقطة في المؤشر، وهو ما يعبر عن إنذار بالخطر لانتشار ظاهرة الجوع وسوء التغذية بتلك الدول». إذا ما أضفنا إلى كل ذلك محدودية الموارد الطبيعية والأراضي الزراعية، و تزايد حدة الملوحة في كثير من الأراضي العربية، يمكننا فهم السبب وراء معاناة المنطقة العربية «من سوء التغذية للأطفال دون الخامسة حيث تبلغ نسبتها من 13 إلى 17 في المئة».
أذاً هناك تحدٍ مستقبلي جديد تبرز طلائعه اليوم في أشكال متعددة من بين أهمها سوء التغذية، الذي ما لم يستعد له العرب من الآن فسوف يفاجأون بأن الوقت قد أصبح متأخراً، بغض النظر عن السيولة النقدية التي قد تكون متوافرة بين أيديهم . فمواجهة الأمن الغذائي، ومعه سوء التغذية، لا يمكن أن يتم بمجرد اتخاذ قرار آني، بل يحتاج إلى ما هو أطول زمناً من ذلك، وأوسع أفقاً منه.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2820 - الأربعاء 26 مايو 2010م الموافق 12 جمادى الآخرة 1431هـ
سوء تغذية من نوع جديد
شكرا للأستاذ عبيدلي على المقال الرائع ونحن إذ نعقب بأن العقل السليم في الجسم السليم فإنعدام مستوى لائق من الثقافة والحوار المنمدن تنمو الخصال المقيته من جشع وحب الشهوات وتصبح المضاربة في البورصة هي أهم من البحوث الميدانية واللهاث حول تجميع المال وعبادته دون أن تكون هناك دورة للإنتاج الثقافي المعرفي والذي من خلاله تنمو المجتمعات وإن الصبر على الجوع أهون من التخلف والشح المعرقي ... مع تحيات Nadaly Ahmed