«حُرمت الصحافة المكتوبة من أن تعطي نموذجاً عالياً من الحرية كان من الممكن أن تنعكس على التلفزيون؛ لذلك الآن فإن كل الأنظار متوجهة نحو الإعلام الإلكتروني، فالناس بدأت تحصل فيه معلومات أوفى وعلى ما تريد ولاسيما الجيل الجديد الذي بات مصدره الوحيد الانترنت...». هذا ما ذهب إليه الإعلامي عبدالوهاب بدرخان في محاضرته عن «تحولات الإعلام وحدود دوره» وذلك في «بيت عبدالله الزايد لتراث البحرين الصحفي» بحضور مجموعة من المثقفين والإعلاميين ورواد مركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة للدراسات والبحوث.
وفي محاضرته شدد بدرخان على مسألة باللغة، مؤكداً أن الاتجاه نحو التلفزيون أضعف من الاهتمام باللغة وأضعف كذلك من التعاطي مع الأسماء والمسميات وخصوصاً في ترجمة بعض المصطلحات التي من الممكن ترجمتها واستعمالها بشكل دائم بما يثقف القارئ ويعطي مصداقية للمكتوب عبر التعريف بالمصطلح ولو مرة واحدة في المقال لأن لكل مصطلح مفهوماً لا بد أن يصل للقارئ، وخصوصاً في ظل الأزمات المالية الدولية التي تجر وراءها الكثير من الأسماء والمصطلحات، فالاقتصادات أصبحت متشابكة ومترابطة وما عاد لأحد أن يعتبر نفسه بمعزل عن الساحة الدولية.
وعن تجربته في صحيفة «الحياة» ومسألة اللغة أكد بدرخان أن «اللغة في الصحافة تحمل أهمية كبيرة، وقد تعرضت لكثير من الإضعاف في العقود الأخيرة، وفي تجربتنا في «الحياة» اهتممنا بهذا الموضوع بشكل كبير»، وتابع «ولكوننا مجموعة من الصحافيين القادمين من مشارب مختلفة لم يكن هناك من شكل موحد ولكل منا صيغته في الكتابة، وقد حاولنا قدر الإمكان إعطاء نصوص نظيفة جديرة بأن تقرأ بشكل جيد وسلس، ومن حق القارئ أن يحصل على النص بلغة مفهومة من غير تعقيدات أو لغة مقعرة».
وحول مسألة الحرية في الإعلام أضاف بدرخان «في هذا المشهد الذي نمر فيه نستطيع الحكم على الإعلام بمدى الحرية ومدى المهنية وقد تحدثنا عن الحرية في العالم العربي وكيف أن هناك إشكالية حول الحرية فكل بلد لديه نسبة معينة من الحرية ونسبة كبيرة من الإشكالية حول حرية الإعلام نظراً إلى مشاكل المجتمع نفسه، ومشاكل الدولة السياسية وغيرها، وبالتالي فإن مسألة الحرية إشكالية ماثلة وموجودة، ونفهم من كل هذا الانفلاش في الإعلام أن مسألة الحرية لا تزال مطروحة وأن الصحافة المكتوبة أمضت كل هذه العقود من دون أن تدرك حريتها والتي بسببها فوتت الكثير من الفرص لتطور العمل الإعلامي ليغدو الإعلام أكثر قدرة على عكس مشاكل البلد، والمساهمة في التقدم من ناحية سياسية وإصلاحية ومهنية وتعزيز الانفتاح وبالتالي عدم الحرية انعكس على عدم المهنية».
وحول الجيل الجديد من الإعلاميين ومسألة الحرية أشار بدرخان إلى أنه «على مدى عقود فإن هذا الإعلام المكتوب ربى أجيالاً من الصحافيين الذين يعتبرون أنه ليس مطلوباً منهم أن يناضلوا أو يعرضوا أنفسهم أو عائلاتهم لمشاكل، وكأن تراث الخوف انتهى وما عاد أحد يخاف، ولكننا حالياً مدجّنين أو متأقلمين مع وضع مدجن، وأصبح واضحاً الحدود التي وصل إليها الإعلام، فلا يمكن فيه التطرق لكثير من القضايا في العالم العربي والتي هي في العالم الغربي مثلها مثل أي موضوع آخر فيكمن التطرق إلى موازنة الدفاع أو موازنة التربية وأي موازنة أخرى وهذا الحديث فقط على الموازنات فضلاً عن السياسات».
وتابع «هذه الفرصة التي فقدتها الصحافة المكتوبة منعتها من أن تؤسس أيضاً لدرجة من الحرية من الممكن أن نلقاها في الإعلام المرئي التلفزيوني الذي عانى من قيود أكثر فكل شيء في الإعلام التلفزيوني مرتبط بالقيود بالتراخيص والأذونات والسماح من الدولة حتى على مستوى الآلات والأدوات الإلكترونية وهناك الكثير من الأمثلة على تلفزيونات تعرضت للضغط إما لأزمات مالية وحجبت عنها ضمانات القروض أو هددت بإيقاف البث عبر الأقمار أحياناً لأسباب سياسية وأحياناً لأسباب تتعلق بلعبة النفوذ أو لعبة الصراعات بين أطراف متعددة».
وحول انعكاس الصحافة المكتوبة على الإعلام المرئي أضاف بدرخان «ولما حُرمت الصحافة المكتوبة من أن تعطي نموذجاً عالياً من الحرية كان من الممكن أن تنعكس على التلفزيون؛ لذلك الآن فإن كل الأنظار متوجهة نحو الإعلام الإلكتروني فالناس بدأت تحصل فيه معلومات أوفى وعلى ما تريد ولاسيما الجيل الجديد الذي بات مصدره الوحيد الانترنت، فالشباب تقريباً بدأ يقفد علاقته بالصحافة المكتوبة نهائياً وقليلاً ما ترى شاباً بالجامعة يهتم بأن يشتري صحيفة، وإذا كان الصحافيون قديماً هم الذين يدخلون السجن فإن المدونين الآن هم الذين تلاحقهم السلطات، ولو دققنا لوجدنا أن المسألة بسبب سطر يستطيع أن يقوله المدون لأنه متفلت وربما يكون في بعض الأحيان ليس له من معنى فلا يقدم ولا يؤخر أو قد يكون كذباً أو إشاعة تم سماعه وبدون أي هاجس مهني تمت الكتابة، صحيح أن المدونات تعطي بعداً للخبر وحرية التعبير ولكن في الوقت نفسه تكمن خطورتها في تفلتها وعدم مسئوليتها وهذا التفلّت لا يساهم لا في حرية الإعلام ولا بفتح آفاق جديدة للإعلام».
الإعلام الإلكتروني هروب
وبالنسبة إلى بعض الظواهر في الإعلام العربي الإلكتروني أضاف بدرخان «أنا أعتبر أن هذه محاولات هروب وحتى دارسي الإعلام يعتبرون المدونات مسألة هروب، بينما هي بالعكس في أميركا هناك مدونات بدأت وأصبحت مرجعاً إعلامياً يركن إليها لدقة أخبارها ولأنها تعطي معلومة موثقة ويستشهد بها لأن هذه المدونات وراءها خبراء يقولون ما يعرفون وهذا المشهد صار أمامنا موجوداً وماثلاً أمام التحولات التي يشهدها العالم العربي ولا نزال بحاجة إلى تشريعات متطورة وسلطة لا تخاف من الإعلام لأن الإعلام من الممكن أن يكون مفيداًَ لها ويعطيها بعداً جدياً في تعاملها مع الشعب وربما هذا الشيء يساعد التشريعات المتطورة على توسيع الحريات وعلى إمكانية رصد الشفافية بتمويلات الصحافة ووسائل الإعلام لأنه أكبر سر في العالم العربي هو أن تعرف موازنة جهة ما أو ما يدخل في موازنتها من الإعلام أو بالنسبة إلى الصحافة ما هي أرقام التوزيع، هذه أسرار في حين أن هذه الأمور لا بد أن تكون متاحة، بينما من الممكن أن تعرف موازنة أي صحيفة من السجلات الرسمية ومن الأرشيف الوطني من الممكن الاطلاع على الأوراق المتعلقة بحسابات صحيفة «التايمز» أو «الغارديان» أو «الإندبندنت»، وأساساً هم ينشرون سنوياً عن وضعهم المالي، هذا أيضاً شكل نوعاً من الهرب من المسئولية، لأن التمويل حينما يكون مخفياً فمعنى هذا أنه إما أن تكون الدولة مساهمة وداعمة وتدفع للصحيفة أو أن يكون القطاع الخاص يدفع بشكل مقنّع، وكل من تعاطى مع الصحف يعلم بذلك النمط وعلى المستوى الخليجي هنا شَرَاكَات مقنعة بين الدولة وأشخاص في الدولة وأشخاص في القطاع الخاص».
العدد 2820 - الأربعاء 26 مايو 2010م الموافق 12 جمادى الآخرة 1431هـ