العدد 2820 - الأربعاء 26 مايو 2010م الموافق 12 جمادى الآخرة 1431هـ

يرصد ثوابت ومتغيرات المجتمع العربي

الباحث السوري حسن حميد في كتابه «الذهنية العربية»

صدر عن دار نينوى للدراسات والنشر كتاب «الذهنية العربية الثوابت والمتغيرات مقاربة معرفية» للباحث الأكاديمي حسن حميد، ضم الكتاب بين دفتيه 520 صفحة من الحجم المتوسط، وقد احتوى على عشرة فصول.

وفي مقدمته رأى المؤلف أنه ليس هناك مما هو أصعب وأشق على الدارس من النظر في سلوكية الفرد لتحديد ماهيته، وكنه شخصيته، ونمط تفكيره، وتأثير ما أنتجه المجتمع من العادات والتقاليد والأعراف والتصورات في حياته، ومدى قبوله للأفكار الأخرى والحوار معها، بل مدى قبوله للآخر أصلا والتحاور معه بوصفه ضفة أخرى للحياة والجولان الاجتماعي، وأشكال التعامل (القبول والرفض والحياد) مع الصيغ الاجتماعية بكل رتبها ومقاماتها وأنماطها البسيطة والمركبة، وأحوال النفس وتشوفاتها فيما تبديه وما تضمره في آن واحد، والصفات الأكثر لصوقاً بالفرد وشيوعاً والتي تغدو محددا أساسياً من محددات الشخصية وهويتها المميزة، وتأثير الأقاليم الجغرافية في إيقاع حياة الفرد، واندفاع الذات وانطفائها حسب إقدام الأمزجة أو إحجامها، أو قل حسب برودها وحرورها في آن معاً.

وصعوبة معرفة أنماط سلوكية الفرد الاجتماعية وثقافته وتطلعاته، ترتب صعوبة أكثر وعورة واشتباكا وانغلاقا ألا وهي صعوبة معرفة سوسيولوجيا المجتمع، وتحديد هويته وأنماط علاقاته، وثقافته وتوجهاته، والمشتركات بين أفراده وخصوصياتهم وسط عالم تداخلت فيه الثقافات، والرؤى، والتوجهات، وتماهت فيه أنماط السلوك بدءا من عتباتها الأولى (التقليد) وانتهاء بتبنيها بوصفها غدت مظهراً أساسياً من مظاهر الشخصية، وعلامة من العلامات المميزة لها.

لذلك وبسبب من هذه الصعوبة المركبة صعوبة معرفة سيسيولوجيا الأفراد وسيسيولوجيا المجتمع، عزم الأفراد والمجتمعات معا على التعارف والتحاور وحيازة ما يسمى بفكر التمذهب عن الآخر أفرادا ومجتمعات، أي استباق المعرفة الجادة أو قل التجريبية بمعارف أخرى أولية عامة عن الأفراد والمجتمعات.

وتابع شجع على هذه الدراسات السيسيولوجية للمجتمعات العربية في العقود الأخيرة ما سمي بمقولات (التقدم) و(التأخر) و(التطور) و(الحضارة) واشتقاق الأسئلة الفلسفية من جهة والأسئلة الاجتماعية من جهة أخرى مثل لماذا (هم) يتقدمون و(نحن) نتأخر؟ ولماذا تقدمنا في الماضي؟ ولماذا تأخروا هم؟ وما السبيل إلى التقدم والتطور وارتقاء سلالم الحضارة مرة أخرى؟ وهل الحضارة كرة متدحرجة تتدحرج من أمة إلى أخرى، ومن شعب إلى شعب ومن مجتمع إلى مجتمع؟ وما الآليات التي تجعل هذه الكرة تتدحرج باتجاه ما دون آخر؟ وهل التخلف والتأخر سمة من سمات الشعوب والمجتمعات أو أنهما سمة من سمات الأفراد أصلا؟ وهل للمجتمعات والأفراد قدرات وطاقات يتعذر تجاوزها في حين أن هناك طاقات وقدرات أكثر أهمية وتطاولا لدى مجتمعات بعينها؟ وهل توزيع المجتمعات والشعوب والدول في أقاليم جغرافية ذات مناخات موصفة ومحددة هو السبيل الذي يقود إلى التأخر والتقدم أو إلى الثبات والتغير، أو أن طباع الأفراد وقابليتهم هو الذي يرتب عليهم سلوكيات وآليات تفكير تقود إلى التأخر والتقدم؟ وهل العامل الديني سبب رئيسي من أسباب نشوء مثل هذه المعادلة، أو أن لعامل القوميات والأعراق تأثيراً مباشراً في النزوع نحو (التأخر) و(التقدم)؟... ثم ما المعوقات التي تؤدي إلى التأخر وتحافظ عليه، وما موجبات التقدم والآليات الاجتماعية والفكرية التي تقود إليه؟

أسئلة كاوية، وموجعة... مطروحة علينا صباح مساء، لهذا رأيت أن تفكيك مفهوم (الذهنية) العربية والبحث عن مكوناتها، ورصد تجلياتها... هو أمر شديد الأهمية بوصفه أطروحة اجتماعية تتطلب معرفة ثلاثية الأبعاد: معرفة بالراهن، ومعرفة بالماضي، ومعرفة بالتجليات الأولى للمستقبل. والوقوف عند الحقل التاريخي لا يعني معرفة الأحداث الماضية وتوصيفها، وتتبع سلاسلها الاجتماعية وإعادتها إلى أحيازها المكانية والزمانية والفكرية وحسب... وإنما يعني، في جل ما يعنيه، وعي الحياة وفق مرآتين، الأولى: هي الماضي بوصفه تجربة نافدة، ولكنها لاتزال تجربة حية في واقعنا، والثانية: هي الحاضر المتحول بوصفه تحدياً لابد من أن يعاش بعيداً عن معطيات الماضي السلبية، ونفياً لضبابية المستقبل وحالات العماء الضاغطة على الفرد والمجتمع في آن معاً... وأهمية موضوع الذهنية تتجلى في بيان المعطيات الاجتماعية لهذه الذهنية من حيث رصد (ثوابتها) القارة الواسعة لها، و(متغيراتها) بوصفها (محواً) لبعض المعطيات من جهة و(مضايفة) لبعض المعطيات الجديدة التي تأثرت بها فقبلتها من جهة ثانية.

وقد كشفت هذه الأسئلة عن إجابات من أهمها أنه ما من سبيل لتقدم المجتمعات العربية إلا بالعقل، فالعقل هو المحرك الوحيد الأوحد القادر على محو التخلف والخلاص منه من جهة، وإلحاق هذه المجمعات بركب التقدم والتطور والحضارة من جهة ثانية. ومادامت القراءة السوسيولوجية انصبت على العقل، ورأت فيه المنقذ، فإن أسئلة أخرى تولدت عن هذه القراءة، تدور حول ماهية العقل في هذه المجتمعات العربية ونزوعه، وهل هناك آفاق للعقل، أو هل هناك محدودية لهذا العقل، ثم ما الذي يقف بوجه ما يبلوره العقل ويسعى إليه، وهل هذه المعوقات موجودة في مجتمعات دون مجتمعات أخرى، وما السبيل إلى الخلاص منها، ثم كيف نفحص إنجازات العقل في مجتمع من المجتمعات لتحديد أنماط السلوك وآليات التفكير، وما هي فاعلية هذه الإنجازات العقلية في المجتمع؟ وهل التقدم نعمة مكتوبة على مجتمعات بعينها، مثلما هو التخلف لعنة مكتوبة على مجتمعات بعينها أيضاً؟ وهل السيرورة التاريخية للمجتمعات (الزمن التتابعي) تؤدي الدور الحاسم في التأخر والتقدم؟! إن صعوبة هذه الأسئلة نابعة من البحث الجاد عن إجابات لها، ولهذا فإن النظرة السوسيولوجية للمجتمع لابد أن تأخذنا إلى حقول معرفية عدة لعل في طالعها الحقل التاريخي بكل أبعاده، والذي يشمل بين حناياه وتضاعيفه حقولا معرفية كثيرة: اقتصادية، وسياسية، واجتماعية ودينية، وعسكرية، وفكرية... ولابد من أن تتصدى هذه الحقول وتتحاور فيما بينها، تقاطعا ووصلا في ديالكتيكية بادية.

إن قراءة الماضي سوسيولوجيا، ومعرفة أسباب نهوضنا آنذاك لا تعني التبريرية لهذه الحال الراهنة، وإكسابها مشروعية الوجود والظهور بسبب انتفاء الأسباب الماضوية، وإنما تعني أن يدرك الفرد الاجتماعي (في دائرته الصغرى) والمجتمع (في دائرته الكبرى) في آن معا أنه لابد من تثمير العمل على أمرين أساسيين في الحياة، الأمر الأول: إعمال العقل والكف عن إعمال النقل، فالنقل لم يورثنا سوى الببغاوية، والجهل، والغموض، والدوران المحموم حول النفس، والتبعية، والرضا بالاتباعية، وإعمال العقل على نحو باهت ومرضٍ أوجدنا في هذا الحيز الحضاري بين أمم الأرض وشعوبها. والأمر الثاني: إعلاء شأن الإنسان، وتقديمه على كل مقدم، وربط العمل، والحراك الاجتماعي، والأهداف بغاياته التي ينشدها ومصالحه التي يساهرها. وإني لا أرى حضارة قامت وعلا شأنها إلا عندما اهتمت بهذين الأمرين: العقل، والإنسان، صحيح أن هذا الاستنتاج تلخص بكلمتي (العقل) و(الإنسان) ولكن لنا أن ننتبه إلى أهميتهما ومدى اتساعهما، فالإنسان يعني المجتمع، والعقل يعني العمل، وما من حضارة نهضت من دون تأييد الإنسان وتوجيه العقل في آن واحد.

وقد وضع الكاتب عشرة فصول بدأها بالفصل الأول الذي عني بالمحددات الأولانية لمفهوم الذهنية العربية، فوقف على العوامل المكونة لها (البيئة الطبيعية) و(البيئة الاجتماعية) و(قابلية الاستهواء - الاستعداد/ الميل) والآراء العربية والأجنبية التي قيلت في الذهنية العربية وناقشتها مجادلاً.

وفي الفصل الثاني، تناول المؤلف مفهوم سوسيولوجيا المجتمع العربي من حيث الوقوف على (الذهنية البدوية) وصفاتها، و(الذهنية الحضرية) وصفاتها، و(الذهنية الجمعية - البدوية/ الحضرية) وصفاتها، وذلك وفق معادلة (المحور) و(المضايفة).

والفصل الثالث، عالج المؤلف فيه سوسيولوجيا المجتمع العربي من حيث النظر في منظومة القيم (أفقياً وعمودياً) التي تشكل (الشخصية التقليدية) و(الشخصية المتجددة)، و(الشخصية الجمعية - التقليدية/ المتجددة)، وبين صفات كل شخصية وأنماط سلوكها، والأدوار التي تؤديها في المجتمع.

وفي الفصل الرابع، تناول سوسيولوجيا المجتمع العربي (الأطوار) من حيث الأبعاد التاريخية بوصفها سوسيولوجيا من جهة، وبوصفها ثقافة وفكراً من جهة أخرى، ووقف عند البنى الاجتماعية وتأثيرات الفكر الديني فيها.

وفي الفصل الخامس، عقد حديثا حول العلامات الاجتماعية الأبرز في المجتمع وأشكال التحالفات فيما بينها، فخصص هذا الفصل للعلامة الاجتماعية الأولى والمتمثلة في السلطان/ الحاكم، وتأثير هذه العلامة في المجتمع، وتأثرها بالمجتمع، وأبرز تجليات هذه العلامة من حيث الغلبة، الاستحواذ، الاستبداد، التحالف.

الفصل السادس، خص به العلامة الاجتماعية الثانية: رجل الدين وتعددية الأدوار التي يلعبها من ناحية الإفتاء، القضاء، الوعظ، والدعوة، والإرشاد، والحسبة.

والفصل السابع، بين فيه تأثير العلامة الاجتماعية الثالثة: رجل المال، والمفاعيل التي يقوم بها المال، والمعطيات والقيم التي يستظل بها.

والفصل الثامن، جعله لرجل الجند، وتعددية مهامه، وأفعاله، وأدواره والتطورات الاجتماعية التي لحقت بهذه الأدوار حين نما المجتمع واتسعت رقعته.

الفصل التاسع، جال فيه حول العلامة الاجتماعية التي يمثلها الشاعر، أي أهل العلوم والأدب، والخطابة، والكتابة... (ماضيا) وأهل الإعلام: الإذاعة، التلفزيون، الصحف... (حاضراً)... وما قامت به المساجد والكتاتيب، ومجالس المناظرة، والزوايا، والتكايا، والربط والمكتبات، والمدارس، والترجمة... إلخ.

أما الفصل العاشر، فجعله للعلامة الاجتماعية التي تمثلها المرأة بأدوارها العديدة في مجالات التربية، والاجتماع، والاقتصاد، والأدب، والثقافة، والسياسة، والدين.

العدد 2820 - الأربعاء 26 مايو 2010م الموافق 12 جمادى الآخرة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً