العدد 2820 - الأربعاء 26 مايو 2010م الموافق 12 جمادى الآخرة 1431هـ

«زهور كرام» تألق في أركولوجيا النقد والإبداع

في كتابها «السرد النسائي العربي - مقاربة في المفهوم والخطاب»

حينما فكرت في التسجيل لأطروحة الدكتوراه كانت موضوعة المرأة هي الهاجس المسيطر عليّ، وبخاصة قلة الدراسات عن المرأة في دول الخليج العربية شعرًا وسردًا ونقدًا، لذا رحت أجمع ما يخدم مدونتي التي سأشتغل عليها وهي الرواية التي كتبتها المرأة الخليجية، ومن المصادر والمراجع التي ضممتها إلى مكتبتي وهي خاصة بالموضوع نفسه كتاب زهور كرام المعنون بـ «السرد النسائي العربي - مقاربة في المفهوم والخطاب» هذا الكتاب الذي أوصلني بالكاتبة معرفة ثقافية وأدبية.

وللكاتبة تجربة إبداعية تمظهرت في روايتين نالتا تحليلاً ونقدًا من قبل كتاب لهم مكانتهم الأدبية والنقدية، والروايتان هما: قلادة قرنفل، وجسد ومدينة, وتجربة صحفية استطاعت أن تنشر مقالاتها ودراساتها عبر الصحافة الورقية والإلكترونية التي تعالج من خلالها الكثير من قضايا الإنسان العربي وهمومه الثقافية والأدبية، بالإضافة إلى العمل الرئيسي وهو النقد وتحليل الكتب، هي من الكتب المهمة في الثقافة المغاربية أولا، وفي الثقافة العربية ثانيًا، فها هي زهور تطلع علينا بكتاب أو أكثر كلما دعت الحاجة العلمية والثقافية والنقدية، مثل: كتاب السرد النسائي العربي - مقاربة في المفهوم الخطاب، وكتاب في ضيافة الرقابة من خلال تجربة الكاتبة الكويتية ليلى العثمان الإبداعية وما جرى لها من محاكمات في المحاكم الكويتية، وكتاب خطاب ربات الخدور - مقاربة قي القول النسائي العربي والمغربي، وكتاب الأدب الرقمي - أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية، فضلاً عن تلك الأوراق البحثية في الملتقيات والندوات والمؤتمرات وغيرها، فضلاً عن المتابعة الأكاديمية لطلبة الجامعة.

وقد جاءت كتبها النقدية والتحليلية محفورة في أرض حرثتها بمعرفة نقدية وإبداعية، وروتها بقراءة تأملية تفكيكية، وبذرتها بفكر واع وتطلع مستنير، وكتابها السرد النسائي العربي - مقاربة في المفهوم الخطاب لهو دليل على هذه التجربة الغنية التي أسهمت بها كرام في حقل النقد العربي الحديث عامة، والكتابة النسائية على وجه الخصوص، فمن مقدمة كتاب السرد النسائي كانت تطرح هواجسها الرئيسية والتي تمثلت في العمود الصحافي الذي كانت تكتبه كرام بجريدة أنوال المغربية سنة 1992م بعنوان «مقاربات في السرد النسائي العربي» الذي كشف لها عن تراكم ملحوظ في النتاج النسائي العربي الروائي من مشرقه إلى مغربه، وتمحور هاجسها الثاني في تلك المفاهيم والمصطلحات التي يتداولها الكتاب تجاه قضايا المرأة.

ويصاب، نحن، وغيرنا بالحيرة حينًا، وبمحاولة إيجاد خيط يربط هذا المفهوم أو المصطلح بما هو مدون ومكتوب، فبرز الأدب النسائي - الأدب النسوي - الكتابة النسائية أو النسوية، بالإضافة إلى مظاهر تجسيد الإبداع النسائي التي أوضحته كرام بأن هناك دراسات وأبحاثًا ومقاربات عن المرأة في عالم الكتابة، ولكن المصطلح نفسه شابه نوع من التباين والاختلاف بناءً على الرؤية عند كل من الكاتب أو الكاتبة العربيين، فهناك من فهم المصطلح على أنه جمع أعمال النساء، وترتيبها، وتوثيقها، بهدف التشجيع، والبعض الآخر فهم هذا المصطلح على أنه كتابة الذات أو السيرة الذاتية، وآخر فهم المصطلح على أنه كتابة الداخل أي داخل الجسد، وداخل البيت، وآخر أيضًا يرى أن المصطلح يعني الإضافة الجديدة، برؤية جديدة، أي أن يتوازى المصطلح مع وعي المرأة بذاتها واستقلالية تجربتها وإخلاصها في التعبير عن هذه التجربة.

وقد فرض هذا المصطلح على المشتغلين بالتنظير والبحث في دلالة المفاهيم والمصطلحات أن يقوموا بعملية تفكيك وتأويل وتحليل لمجمل القضايا المرتبطة بالمرأة أدبًا وغير أدب، وهذا ما جعل كرام تقوم بقراءة الكتابة التي تكتبها المرأة عنها أو عن سواها في ضوء الكتابة عن الذات وذوات الأخريات، ودلالة الكتابة التي يدونها الرجل عن المرأة، وبخاصة أن عالمنا العربي تنقصه العديد من الدراسات المعنية بالأدب النسائي قياسًا بما كتب في الغرب، كما نعرف أن الدراسات التي كتبت في هذا الحقل كثيرة منذ القرن الثامن عشر الميلادي، حيث يشير ريان فوت في كتابه النسوية والمواطنة إلى أن أول مرة ظهر مصطلح النسوية كان في القرن التاسع عشر الميلادي، وتحديداً في سنة 1882م حينما استخدمته هوبرتين أوكليرت Hubrtine Auclert في جريدة المواطنة، أما سارة جامل في كتابها النسوية وما بعد النسوية فتشير إلى أن ستيفاني هودجسون Steve Hudson التي كتبت دراسة بعنوان بواكير النسوية ترى أن مصطلح النسوية كانت له دلالة مع بداية القرن السادس عشر والثامن عشر(1500 - 1700)، وكانت تعني هذه الدلالة تلك المحاولة التي تقوم بها المرأة متحدية النظام الأبوي الذي يقوم به الأب أو السلطة الأبوية من علاقات مبنية على القوة والسيطرة والفرض، وكأن مصالح المرأة تكون خاضعة إلى مصالح الرجل، كما يعني أن المرأة قادرة على أن تغير وضعها في النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.

وبهذه النظرة التحليلية التي قام عليها الكتاب كشفت عن رغبة حقيقية لدى زهور كرام بمساهمات نقدية وتحديدًا في السرد العربي وتجلياته من خلال الذاكرة الثقافية المنجزة تجاه المرأة، فضلاً عن التعامل مع الثقافة الراهنة في ضوء سؤال المرأة الملح في طرح فكرة المرأة بوصفها ذاتاً منجزاً للخطاب الرمزي بوصفه الهاجس الثالث والذي أشارت له بصورة واضحة حين كتابتها كتابها خطاب ربات الخدور صفحة 30 التي تؤكد فيه أن الفكر النسائي لم يكن فكرًا مستهلكًا للحضارة الدخيلة، وإنما كان قارئًا لها، ومستوعبًا لحيثياتها، وهذا ما نلمسه في كثير من الكتابات.

وفي الوقت الذي تبرز دور المرأة العربية ثقافيًا وأدبيًا وسرديًا في مجمل كتاباتها فإنها لا تسهم في علو شأن المرأة على حساب الرجل، فلم تظهر في كتاباتها هذه النزعة التي غالبت بعض الكاتبات تحديًا أو إثبات وجود في عالم الكتابة ولتكون موجودة في مقابل وجود الرجل، وهذا ما بينته في كتاب السرد النسائي بأن كل متن الكتاب لا يقف مع المرأة ضد الرجل، ولم يكن هناك تمييز بين الاثنين إلا من منطلق العمل الإجرائي النقدي المعروف لدى المشتغلين بالبحث العلمي عامة والأدبي خاصة، ونشير هنا إلى تلك الكتب التي كتبت عن مكون الزمن أو المكان أو الشخصية في الرواية، فهل يمكننا الفصل بين هذه المكونات السردية أو حتى تقنيات الكتابة الروائية إلا من باب البحث أو الدرس الأكاديمي، هكذا فعلت كرام في كتاباتها النقدية التي لا تضع الجنسوية للتفريق أو التقويض.

والكاتبة لا تنكر أبدًا أن هناك بعض التصورات التي صاغتها الثقافة العربية وأصلتها ذاكرتنا الاجتماعية حول المرأة ودورها الذي بات مهمشًا، بل ومدانًا بعض الأحيان وبخاصة حينما يتعلق الأمر بالشرف واسم العائلة أو القبيلة، مما أفرز لنا علاقات بين الجنسين ليست سوية لأنها غير عادلة، وأنشأت قيمًا وكونت ثقافة تقوم على تميز الرجل عن المرأة، كالخطابات الحسية والجسدية والرغبات الجنسية الأحادية تجاه المرأة، هذا ليس مغالطة عندما تناقشها الكاتبة العربية؛ لأن تاريخنا الأدبي عامة والشعري على وجه الخصوص كان ينظر إلى المرأة باعتبارها جسداً يغري الرجل ويمتعه، ألم يقل الشاعر العربي: «إن النساء رياحين خلقن لنا ----- وكلنا نشتهي شم الرياحين»، وليس في هذا الموروث الثقافي من استغراب طالما هناك العديد من الفلاسفة والمفكرين الذين أسهموا في بناء الحضارة الإنسانية ينظرون إلى المرأة نظرة لا تقترب من نظرتهم إلى الرجل، وعليك أن تتصفح كتاب سيد صديق عبدالفتاح المعنون بروائع من أقوال الفلاسفة والعظماء في المرأة، لترى كيف كانت نظرة أرسطو الذي يرى أن المرأة كائن ناقص، أو أفلاطون الذي يراها مرتبطة بالأعمال الوضيعة، أو شوبنهاور الذي يعتبرها صالحة لحفظ النسل وتدوير الساعة وغسل الصحون فقط، وغيرهم.

وناقشت كرام موضوعة المرأة وكتاباتها السردية في كتاب خطاب ربات الخدور لتقول للعالم العربي لم يعد ممكنًا أن يستقيم التفكير في ظل الإقصاء والتهميش لصوت المرأة، هذه المرأة التي هي سارة نوفل وهدى شعراوي وزينب فواز ومليكة الفاسي التي نادت وناقشت وضع المرأة المغربية ضمن مجموعة من الظواهر الاجتماعية التي كانت مهيمنة على السلوك الذكوري والأنثوي على حد سواء تجاه المرأة، وكذلك فاطمة المرنيسي وليلى العثمان تلك الكاتبة التي حوكمت نظير أفكارها وجرأتها في طرح القضايا المعنية مباشرة بالمرأة، مما حدا بكرام إلى كتابة كتاب خاص عن ليلى العثمان بعنوان في ضيافة الرقابة لتناقش فيه أهمية الأفكار وحرية التعبير في المجتمع الذي يدعي التقدم والتطور والانحياز إلى المرأة، لذلك لم تترك كرام محيط المرأة من قضايا إلا وناقشتها ولكن بالطريقة التي لا تثير السخرية من الطرف الآخر، فناقشت ما يشكل وعي المرأة الاجتماعي، وما يشكله من وعي سياسي تمثل بالحركات التحررية والنضالية في العالم العربي، وصولاً إلى الدور الثقافي والأدبي الذي تمحور في مشاركة المرأة العربية الرجل في تشكيل الكيانات الثقافية بدءًا من خمسينيات القرن العشرين، هذه الكيانات التي أسهمت المرأة فيها بمنجزها الإبداعي عامة والروائي على وجه الخصوص، وهنا ترى زهور كرام أن الرواية هي الفضاء المتسع الذي يستوعب ما لم يقله التاريخ، ويحمل ما لم يكشف عنه الخطاب السلطوي الحاكم، ويتسع إلى كشف المخفي والمطمور في ذاكرة المرأة العربية من جهة، والمسكوت عنه في تراثنا من جهة ثانية.

من هنا مدت الكاتبة جسرًا متينًا بين عملها في السرد النسائي الذي أوضحت فيه أن المرأة العربية كانت مبدعة منذ القديم، ولكن عوامل وأسباباً عديدة أسهمت في عدم توثيق أعمالها الإبداعية، وهذا حال الكثير من تراثنا العربي وخاصة تراث المهمشين والبعيدين عن البلاط والسلاطين، أو الذين كانت لهم أدوار تناهض متخذي القرار في تلك الفترة، وكشفت عن تلك القدرات النسائية في كتابها خطاب ربات الخدور وأهمية النص النسائي الذي هو كتابة تسعى إلى إدراك العالم، وإسهام لموقف يترجم رؤى وقناعة العمل الإبداعي والكتابي الذي لن يأخذ دوره الحقيقي إذا كان أحادي الجانب، بل ينبغي أن النص سواء كتبه رجل أو كتبته امرأة فاعلاً في حركة التطور داخل النص الذي قد يكون نصًا لغويًا أو نصًا اجتماعيًا، فحركة المجتمع تنمو وتتطور كلما كانت المرأة جزءًا منه، وتحديدًا إذا كانت الأسئلة نابعة لدى النساء العربيات من اختلاف المرجعية الثقافية والفكرية وسياقاتها، ووفق حركة الزمان والمكان اللذين يؤديان إلى تنوع في الرؤية والطرح والسؤال تجاه الكتابات النسوية.

وهذا ما أكدته مساهمات العديد من الأقلام النسائية العربية بعد حركة التعليم والمطالبة بتعديل الأوضاع الاجتماعية وتغيير ما هو ليس بصالح لها في ضوء اتصالها مع الآخر، وإيمانها بدورها في مناقشة العديد من القضايا، مثل: مفهومها للحرية والتحرر، والوطن، والمرأة ومفهوم الذات والجسد انطلاقًا من الازدواجية التي تتحكم في سلطة القيم السائدة في ظل المفهوم الثقافي للرجل وذاكرته الاجتماعية تجاه علاقته بالمرأة من خلال الثقافة السائدة التي تعطي الرجل حق التحكم والفرض والقرار في مختلف أنواع الحياة حتى قرار الممارسة الجنسية، ولهذا أوضحت كرام أن هناك الكثير من الأعمال السردية والروائية على وجه الخصوص من الارتقاء - فنياً - بصورة المرأة إلى الفكرة المحفزة للعمل، مؤمنة كما طرحت في كتابها الأدب الرقمي ما تنبأ به باختين عبر نصوص دوسويفسكي بأن الرواية ستظل أكثر الأشكال التعبيرية انفتاحًا على المحتمل والممكن وعلى اللغات والأصوات والأساليب والأوعية والأبنية، حتى غدت المبدعة العربية عبر علاقتها بالكتابة اسمًا موازيًا لاسم الكاتب.

وهكذا فإن زهور كرام في كتاباتها المتعددة من نقد إلى إبداع روائي إلى الدخول في العالم الرقمي تكشف لك أن الكتابة والقلم والفكرة أصدقاء لها منذ زمن بعيد وكأن بينها وبين فعل الكتابة والأدب والثقافة عشقًا تكون عبر تراكم معرفي وتربوي وتثقيفي وصقل بالمران والتجربة، فلم يحصرها النقد ويبعدها عن الكتابة الإبداعية بل كانت وأعتقد لاتزال تؤدي دورها ناقدة وكاتبة ومبدعة فأسلوبها يتميز بالمحافظة على مكونات العمل الكتابي الثقافي الرصين المنبعث من تجربة ثقافية وأكاديمية معمقة تستطيع أن تربط القوانين والشروط بحسب مكانها وتعالجها بالقدر الذي تراه وتنظر إليه مما جعلها تتحمل مشروعاً عن الرواية المغاربية معاونة نخبة من أساتذة النقد والكتابة في المغرب، لذلك فالكتابة عندها عطاء يتلاقى فيها الفكر والمعرفة والرؤية والتأمل والطرح، والتطلع نحو تحقيق ما تحلم به التجربة النسائية العربية في ظل هذه المتناقضات المجتمعية والحياتية وعنفوان الفحولة.

العدد 2820 - الأربعاء 26 مايو 2010م الموافق 12 جمادى الآخرة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً