اليوم ندخل أول أيام الانقلاب الربيعي، ففصل الربيع وصل رسميا، ليحمل معه هدية خاصة بأسلوبه، للأمهات بمناسبة «عيد الأم».
لعل الكثيرين منا اليوم سارعوا منذ الصبح للبحث عن أمهاتهم ما بين غرف المنزل، ليحملوا لها هدية، أو باقة ورد، أو ربما بعض الكلمات البسيطة. فيما لم يحالف الحظ الجميع بلقاء والداتهم لبعدٍ أو سفر أو مشاغل، فكان الملجأ مكالمة هاتفية تذكرهم قبل أن تذكر الأم، بأنه يوم لا يقبل التخاذل تجاه الأحضان الدافئة التي حملتنا صغارا، ولثمت خدودنا وأيدينا الصغيرة بأجمل القبلات وأرقها، وبعيون غنت لنا بكلمات لم تنطق بها الشفاه قبل النوم. بأرجوحة هي يديها تلاعبنا وتحملنا وتدور بنا، بغية الحصول على ابتسامة صغيرة منا، تزين حياتها وترسم أجمل ما فيها.
عيد الأم الذي رسمته الأساطير قبل آلاف السنين مع قصة الآلهة التي حركت الشمس، وصنعت تلألؤ النجوم. سطر الحب الصافي الذي لن نبالغ إن قلنا إنه لن يكون بإمكان أحد في يوم من الأيام أن يجد له تفسيرا دقيقا أو معنى سهل الفهم، تفاصيل احتفال الشعوب به في كل بقاع الأرض من مختلف الثقافات والأديان والأعراق والانتماءات... يومٌ للاحتفال بالمشاعر الطيبة الرقيقة، بأجمل معاني الإنسانية، يوم لا يمكن القول إنه يتمثل بوجود الأم فقط، إنما أسمى ملامحه هو أنه يحتفل بالحب المطلق غير المشروط الذي تمنحه الأم لأبنائها، ليمنحوه بدورهم لأبنائهم.
عيد الأم الذي يبدأ بأغنية يكاد لا يسمعها أحد إلا وتدمع عينيه، أغنية «ست الحبايب» التي تبث في غالبية محطات الإذاعة العربية، ليكسب الصباح تلك الرائحة الخاصة بعيد الأم، بات يخصص برامج واحتفالات وأغاني، تحاول مجاراة قيمة هذا اليوم لدى الأمهات والأبناء.
فمع تزايد عدد الفنانين الراغبين في أداء أغان لتقدم في هذه المناسبة، بات من السهل إفراد ساعات وساعات من البث الذي يقتصر على أغان تتغنى بالأم، وتذكر روعة حبها، فمن المغنين القدامى: فايزة أحمد، محمد عبدالوهاب، شادية، فيروز، نجاة الصغيرة، ووردة، وصولا إلى جيل المغنى الصاعدين في هذه الأيام، أمثال يارا، صابر الرباعي، عاصي الحلاني، حسين الجسمي، وراغب علامة... وغيرهم الكثير من مشاهير ساحة الغناء هذه الأيام.
وجميعهم من دون استثناء على اختلاف قدراتهم وأماكنهم في الساحة الفنية، قدموا أعمالا تستحق أن تتميز، لا لجودتها وأدائها وتفرد كلماتها، بل لأن أي عمل من هذا النوع يستطيع أن يلمس مشاعر أي شخص، لأنه يتحدث عن أهم وأقرب إنسان إليه.
والساحة الغنائية ليست الوحيدة التي سعت لأن تقدم شيئا للأم، فالدراما العربية زخرت بالأدوار التي تجسد عطاء الأم وتفانيها، ومن أبرز الأسماء التي قدمت أدوار الأم على طول مسيرتها الفنية، منذ شبابها وحتى يومنا هذا، الممثلة المصرية الراحلة أمينة رزق، والنجمة فاتن حمامة، ومنى واصف من سورية، وغيرهن.
وعلى رغم أن هذا اليوم أو العيد، طقس يمارس في كل دول العالم، تتفاوت طرق التعبير عنه وتفاصيل الاحتفال به، إلا تاريخ الاحتفال به يختلف من بلد إلى آخر، فالبعض يحتفل على أساس دخول أول أيام فصل الربيع أي 21 من مارس/ آذار، وهو الغالب في منطقتنا العربية، إلا أن دول أخرى تحتفل في شهر مايو/ أيار، وأخرى في أكتوبر/ تشرين الأول، وفي بعض الدول يكون يوم الأم محددا على أساس نهاية الصوم كما هو الحال عند بعض الطوائف المسيحية.
ولابد من ذكر أن بعض المجتمعات تحتفل بهذا اليوم منذ مئات السنين بشكل منتظم، كل سنة، في حين أن دولا كثيرة ومنها الدول العربية، لم تحدد بشكل رسمي يوما للاحتفال بالأم إلا مع بداية القرن الماضي. كما أن بعض الدول تعتبره يوم عطلة رسمية.
وسواء أكان عيد الأم، عمره ألف عام، أو أقل من هذا بكثير أو أكثر، فإن عيد الأم يُخلق مع كل طفل جديد، يولد ليسحر أمه بإحساس يتملكها ويتفوق على كل ما لديها من معرفة وجهل، ليقدم لها أسمى وأنبل المشاعر البشرية... إحساس الأمومة.
العدد 2388 - الجمعة 20 مارس 2009م الموافق 23 ربيع الاول 1430هـ