توقف صحيفة عن الصدور، ليس مادة لحديث ناعم ونحن نرتشف أكواب قهوة الكابتشينو، بل هو أمر يتصل في الجوهر بتقييم صناعة الصحافة في البحرين. ترجمة هذا الكلام: «يتعين علينا دراسة تجربة صحيفة (الوقت) لكي نكتشف الرابط بين المهنية والاقتصاد، أي العلاقة بين الجودة والقدرة على البقاء».
خلف عبارات المواساة وإظهار الحسرات، تكمن القصة المملة التي تدور حول سؤال وحيد: ماذا نريد عندما نصدر صحيفة؟ إنها معاناة لا تجعل المشكلة خارج الصحيفة بل داخلها في أحيان كثيرة. ترجمة هذا الكلام حرفياً: «هل نقدم اجتهاداً جديداً أم نقدم للجمهور ما يريد؟». ترجمة ثانية: «هل نقدم بضاعة جديدة أو نقوم بإعادة إنتاج البلاهة؟».
المصاعب المالية والتنافس (غير الشريف أحياناً) في السوق وتالياً تأثيرات الأزمة المالية العالمية من شأنها أن تقضي على أية صحيفة أو مشروع تجاري، لكنني موقن أيضاً أن جزءاً غير قليل من عوامل إخفاق صحيفة «الوقت» كان كامناً داخلها. ترجمة هذا الكلام: «إذا كانت (الوقت) قد عدت تجربة ناجحة مهنياً، فإن المعنيين بها لم يفهموا عناصر هذا التميز، فلم يتمكنوا من المحافظة عليها وتسخيرها لبقاء الصحيفة».
تجربة «الوقت» التي عايشتها بتفاصيلها المعروفة وغير المعروفة منذ البداية، تعنيني في جانب واحد أعتقد أنه مازال غير مطروق. يملك الكثيرون ربما تفسيراتهم الخاصة للأمر، وقد يكونون محقين في بعضها أو كلها، لكنني مازلت أرى أن نتف المعلومات أو الانطباعات تنطوي على شيء من الأوهام أيضاً. ترجمة غير منقحة لهذا الكلام: «ثمة كثيرون ليس بمقدورهم أن يصدقوا للحظة أن بالإمكان تأسيس تجربة ناجحة مهنياً في الصحافة البحرينية، يشمل هذا حتى القائمين على التجربة أنفسهم سواء من المستثمرين أو الصحافيين».
على مستوى التحرير، لم يكن بإمكان القائمين على الصحيفة وحتى غيرهم خارج الصحيفة أن يصدقوا أن بإمكان صحافيين يملكون قدراً من الاجتهاد أن يصنعوا صحيفة «مغايرة» عن السائد في السوق. فالمغايرة خيار بالدرجة الأولى، ولكل خيار متطلباته والأهم إيمان قوي به ورؤية تدعمه. لكن المغايرة تغدو صعبة الفهم طالما أننا لا نرى أكثر من المقارنة مع صحف أخرى يفترض أن نقدم جديداً لم تقدمه هي. فالمقارنة الدائمة والمتكررة مع الصحف الأخرى الأقدم عمراً لا تعني سوى غياب رؤية واضحة لما نريد في هذه الصحيفة. كانت العبارة الأخيرة جوابي في نقاش صاخب بدأ بتلك البداية المملة: انظروا ماذا يفعل الآخرون؟
الجميع يعتقد أن التميز الذي جاءت به الوقت كان مستورداً (كلمة مخففة لوطأة مفردة «محلي الصنع» ودرءاً لشبهة الاتهام بالخيلاء)، كلا، هذا وهم شائع تلبس حتى القائمين على الصحيفة من مستثمريها وصحافييها. التجربة وعناصر التميز فيها كانت ثمرة اجتهادات لصحافيين بحرينيين.
لمعضلة «الوقت»، وجهان أساسيان: الأول هو ذاك المتعلق بالتحرير وتحديداً كيفية الحفاظ على تميز برهنت عليه الصحيفة والثاني هو المتعلق بالقدرة على البقاء، أي النجاح التجاري.
لندع جانباً المنافسة وجذب المعلنين في سوق إعلان صغير أصلاً مكتظ بالصحف والوسائل الإعلامية الأخرى لنتساءل: ألا يفرض هذا الوضع اجتهاداً مغايراً في مجال الإعلان؟ أعني، إذا كانت سوق الإعلان صغيرة وثمة 5 منافسين آخرين، فهل يتعين أن نفكر ونعمل بنفس طريقتهم أو نبتكر طرقنا الخاصة؟ ألا تفرض المنافسة علينا التجديد والابتكار؟ لم يحدث أي شيء من هذا، بل إن مساهمي الصحيفة امتنعوا عن دعم صحيفتهم بالإعلانات في الشهور الثلاثة الأولى على الأقل، وترافق ذلك مع اجتهادات قاصرة تماماً عن إدراك أن المنافسة والبقاء وحتى الاستقلالية تفرض عليك ابتكار وسائلك والعمل باجتهادات ومقاربات جديدة وإلا فإن السوق لن ترحمك. ولكي لا يبدو الكلام مرسلاً، إليكم بهذا: لقد بدأت مشكلة تأخر رواتب العاملين منذ مايو/ أيار 2009، لكن بعد شهور، تم إنفاق آلاف الدنانير على بناء عوازل خشبية لمكاتب قسم الإعلان لأن ثمة من قال إن هذا سيدفع العاملين للإنتاجية. أحتاج لكمية هائلة من حبوب الهلوسة، لكي أقتنع أن ثمة من يفكر في ذروة متاعب مالية للصحيفة وفي ذروة أزمة مالية مخيمة على العالم منذ 2008 أن العوازل الخشبية المزججة يمكن أن تأتي بالإعلانات والأموال.
لقد حكمتنا المفارقات، فقد ظلت الصحيفة توالي الانتشار بناء على سمعة اكتسبتها في بداية صدورها رغم جوانب ضعف بدأت تسري فيها. وظل العاملون من الصحافيين والإداريين يواظبون على أداء عملهم بإحساس عال بالمسئولية. لم يكونوا يتقاضون أية مكافأة أو علاوة طيلة السنوات الأربع منذ صدور الصحيفة. لم تكن تصرف لهم أجور العمل الإضافي، وكانوا يداومون في الأعياد والعطلات ويعملون غالباً ساعات طويلة. لم يعلنوا شكوى ولم يرفعوا صوتاً، لكن عندما جاء من بشرونا بأنه سينقذ الصحيفة أصدر أول قرار له يأمر العاملين بالدوام ثماني ساعات.
الآن، هاتوا كل كتب أصول الذوق وكل مؤلفات أصول التعامل وآخر نظريات التواصل وكتب علم الإدارة من أيام سقراط إلى آخر كتاب يدرس في الجامعات الأميركية والبريطانية لتجيبوني على سؤال: هل يعقل أن يكون أول اتصال بين مسئول جديد وبين عاملين أبدوا كل هذا الإخلاص والتفاني والإحساس العالي بالمسئولية طيلة سنوات وفي ذروة محنة الجريدة هو ورقة تعلق على الحائط تأمر العاملين بأن يداوموا ثماني ساعات؟
تصرف لا ينم عن الكياسة ولا حتى إلمام محدود بعلم الإدارة، وهو كاف لكي تدركوا محنة الصحافة البحرينية مع مستثمرين وعدا جهلهم بالصحافة، لا ينطقون أبداً بكلمة «شكراً» أو «لن ننسى وقفتكم». لكن المعنى هو نفسه مهما تعددت الترجمات. فتلك الحقيقة عن تضحيات العاملين لم يعرفها من أصدر الأمر ولا غيره من الإداريين. ويبدو الأمر مثل الزلة، لكن معناه واضح بكل واقعيته المريرة، لم يقم المستثمرون ولا الإدارة ولا أي شخص بإجراء تقييم شامل لأوضاع الصحيفة طالما أن هناك شريكاً أنعم عليه بلقب شريك استراتيجي قد جاء، فأي نوع من الإدارة هذا، وأي نوع من المستثمرين هذا؟ ترجمة حرفية غير مهذبة: «العتب (الشرهة) ليس عليه... فالعلة كانت كامنة أصلاً وهو ليس سوى آخر الفصول وأكثرها فجاجة». الإنقاذ المنتظر لم يتأخر: تصفية الشركة. ولا أي خيار آخر مثل الصدور إلكترونياً لتخفيف كلفة الطباعة مثلاً، بل إلقاء العاملين على الرصيف.
أما تتمة ما سبق فهو نصف العبارة التالي غير الملطف: «ثمة آخرون خارج الصحيفة لا يريدون النجاح لأحد أبداً». الترجمة غير المنقحة: «عملوا جهدهم على ألا تنجح».
لعل هذا هو القدر الصغير مما سمحت به لنفسي أن أكتب عن تجربة شاركت فيها منذ البداية وحتى الفصل الأخير، متحاشياً مئات التفاصيل مما لا يعرفه حتى العاملون في الصحيفة. أكثر ما يؤلم النفس في تجربة «الوقت» هو أننا كنا نناطح الجدار الذي لطالما اصطدمنا به على مدى عقود: جدار العناد المذهل هذا الذي يحول المكاسب إلى هباء ويحول الذهب إلى تراب.
إقرأ أيضا لـ "محمد فاضل العبيدلي"العدد 2818 - الإثنين 24 مايو 2010م الموافق 10 جمادى الآخرة 1431هـ
توضيح اضافي للزائر رقم 7
اضافة الى تلك المهمات كان المستشار ايضا مشرفا على ملحق "الوقت لوموند ديبلوماتيك" الشهري والذي صدر على مدار عامين من 2007 الى نهاية 2008..
معلومة اضافية لك: الراتب الذي تتحدث عنه كان اقل من رواتب بقية مسؤولي الصحيفة..اذا كنت ترى فيه سببا لانهيار الجريدة..
معلومة اضافية ايضا: كل تلك المهمات كانت تحت مسمى دوام جزئي لكنها كانت تتطلب ما لا يقل عن 10 ساعات من الدوام تمتد احيانا حتى الساعة 5 صباحا دون اجازات ودون اية حقوق اضافية.. بل ان اي اجازة كانت تخصم من المرتب..
توضيح للزائر رقم 7 ورقم 2
لقد قال الكاتب ان هناك مئات التفاصيل مما لا يعرفها حتى العاملون في الوقت.. الحديث والتعليق بطريقة نميمة المجالس والردح ليس هو ما يستحق الرد لكن التوضيح قد يكون مهما لكي نرى فقط ان هناك من يقرأ لكن دون ان يفهم.. وفي ذهنة استعداد مسبق لاصدار الاحكام والردح..
اما الزائر رقم 2: الامر يتعلق باسلوب الكتابة وليس باي شيء آخر.. الكلام له معنى والمقصود هو تقليب اكثر من معنى للكلام وليس ما تبادر الى ذهنك.. الكتابة اسلوب وما قرأته لون من الوان الاسلوب في توصيل الفكرة والمعنى لا اكثر ولا اقل
توضيح للزائر رقم 7
الزائر رقم 7.. المستشار الذي تتحدث عنه كان من مؤسسي الصحيفة وكان يشرف على قسم الديسك (اتمنى ان تعرف معنى قسم ديسك بالمعني الصحيح) وكان يقوم بتحرير التحقيقات والتقارير التي يعدها المحررون.. اضافة الى الاشراف على صفحةبروفايل كما كان يشرف على صفحة الرأي باختيار الكتاب ووضع ضوابط المقالات.. اضف الى ذلك مهمات ادارية عديدة وظل حتى اخر 6 شهور يشرف على صفحة الرأي ثم تم تكليفه بمهمة جديدة هي تطوير موقع الصحيفة الالكتروني.. هذا اضافة الى تقديم الرأي في قضايا عديدة ليست في صميم العمل اليومي
تتمة ضرورية
كان هناك مثلا مستشار تقاضى لثلاث سنوات راتبا ألف دينار كاملة مقابل ولا شيء ولم يكن له في الصحيفة عمل ..
ننتظر تعلقيك على الموضوع ؟
سؤال وجيه
هل تعتقد استاذ محمد ان هناك علاقة بين افلاس الوقت .. وبين الموظفين الكبار الذين ظلوا يتقاضون لسنوات راتبا .. دون ان يقوموا بأي عمل في المقابل ؟!!!
الوقت افلست لان البعض تقاضي رواتب دون ان يعمل وما ان نبدو تصحيح الوقت حتى كان الاوان قد تأخر
«الوقت»... وطأة الإصرار على الإصلاح وليس الفشل 3
أخي محمد الوقت أو لنحدد بعض كتاب الوقت لم يكونوا من المعارضة ولم يكونوا حزبين أو طائفيين بس لأنه انتقدوا المسي لساءته للبلاد والعباد صبحوا منبوذين ولعل وظيفتهم تكون أخر الوظائف فليكون الله في عونهم وبسببهم حصل ما حصل أخي وحبيبي بوفاضل مصيبة الوقت أنها كتبت للناس لا يقرئون واستغاثت بناس لا يسمعون ولا يرون يعني بالعربي الفصيح الوقت مثل لكم جميعا ((( استقيموا أو استقيلوا ولا تتركوا عابث يعبث بضمائر نامت مطمئنه فلماذا تنصحوها او تصلحوها أو وهذا هو المهم مصيركم مصير الوقت ))) وتصبح علي خير يا وطن
«الوقت»... وطأة الإصرار على الإصلاح وليس الفشل 2
أخي محمد خلنا أنقول علي المكشوف الميثاق ظلت علي فراش الموت أكثر بكثير من الوقت وجرائد أخرى لا يحق لي قانونا إن اذكرها واقفة بالجبل رغم هشاشة عظامها وضحالة كتابها وعلي قول المصرين ارف أقلامها ولكن للون تلك الأقلام الزاهية ضلت حيه تناصح الكبار . فترك عنك الحواجز الخشبية و ساعة الدوام القانونية وكتب لنا ما هو مخفي مثل . لماذا لم تتبنى الجريدة كتاب تفتح لهم جميع الأبواب أو ترضع نواب لا زال في فترت الرضاعة الشرعية ,
«الوقت»... وطأة الإصرار على الإصلاح وليس الفشل 1
الفاضل ولد فريحنا محمد فاضل رجوع مبارك لجريدتك الوسط قد تكون لامست شي من الحقيقة ولكن كما تقول الحكمة ((( قد نعترف بخطى صغير من اجل إخفاء أخطاء اكبر )) الوقت وجدة في وقت غير وقتها وعملت بعقل لا يصلح لوقتنا الحالي اليوم الجرائد نسخه واحد كلها صفراء فاقع لونها لا تسر الناظرين وان كانت الوقت لسبت بعيده كثيرا عن هذا الجو ولعل وجود إبراهيم بشمي علي قمة هذا المشروع ساعد قليلا في إنفراد الوقت في نهجها وكذلك اجل موت هذه الجريدة
الدنيا كفاح وليس رومانسية واحلام
اعتقد ان مشكلة الوقت انها كانت تعيش في الاحلام. حتى بعض الشباب العاملين فيها مازالوا يتكلمون بلغة الرومانسية والاوركيدا. الدنيا مو جذي. الصحافة عمل (بزنس) وليس رومانسيات، والصحيفة ليست صندوق خيري او جمعية ثقافية. مع احترامي للوقت إلا انها حتى اليوم الاخير كانت تصر على مناطحة جدار العناد المذهل كما قال الكاتب العزيز.
عوداً حميداً يا محمد فاضل
مربحا بعودتك للقراء من بوابة الوسط. واشكرك على طرحك الموضوعي لانك وضعت اليد على الجرح، فأنت عشت التجربة من الداخل. وتعليقا على الزائر الاول اقول: الكاتب كتب بايجاز متحاشياً مئات التفاصيل التي لا يعرفها حتى العاملون بالوقت كما قال، وأنت تتكلم عن عودتها الكترونياً. يبدو انك لم تقرأ المقال أو انك تعيش في عالم آخر.
العالم ليس متجهاً للصحافة الإلكترونية
ثم أن ليس صحيح ما يقال أن العالم متجه الى الصحافة الإلكترونية.. لا، الصحيح هو أن هناك الكثير من المؤسسات والأفراد بدأوا يؤسسون لهم صحفاً الكترونية لكن لا يعني أنهم فعلوا ذلك فعلى القراء أن يحملوا اجهزتهم منذ الصباح الباكر ليتصفحوا الصحف.. هناك ميزة للصحف الورقية، وللكتاب المطبوع، لن يغطيها الحاسب الآلي واللاب توب.. نعود الى موضوع الوقت، وغيرها من الصحف، هناك رؤساء تحرير يعيشون حالات نفسية غريبة عجيبة، وهذه الحالات تجعلهم ليس كالمد والجزر، بل كالبركان، خمول مع نشاط مدمر لا تدري متى سينفجر،
سوء النوايا
تحياتي أخ محمد.. ليس جميلاً أن نكتب باللغة العربية ثم نستخدم مفردة (ترجمة هذا الكلام) وكأنك الكاتب ذاتها يعتقد في قرارة نفسه أن يكتب كلاماً غير مفهوماً بلغة أخرى ويتوجب عليه أن يترجمه.. بالنسبة لصحيفة الوقت، لا أظن أن المعضلة في الخطة الإستراتيجية ولا في عقلية الإدارة، بل هي في عقلية شخص واحد من جهة، وقبول آخرين كثر بهذه العقلية، فلم تكن الحجة ند الحجة في قراءة مسار الصحيفة واضحاً.. لقد فرح البعض بالرواتب الكبيرة واكتفى بالسكوت وكانوا يدركون أن نفس هذه الرواتب قصير.. لسوء النوايا
ربع تعاونو ما ذلو
و فيت و كفيت يا بو فاضل .اليوم العالم متجة للصحافة الألكترونية لا حبر و لا ورق و نصف التكلفة إذا لم تكن الثلاث ارباع قد انخفضت .و ما يمنعكم من اصدارها الكترونيا فهل هي عنترية أم ماذا .بجهدكم و باقلامكم الحرة ممكن ان تصنعوا المعجزات . صحيفة الوقت علمتنا الحوار الهادف الحر و بدون تدخل مقص الرقابة إلا في النزر القليل .فبدون الوقت الصحافة في البحرين ناقصة .الوقت لم تحددنا بحروف و لم تحجب الرأي الآخر حسب توجه بعض الصحف . اتمنى ان تعود الوقت الكترونية قوية . و ربع تعاونوا ما ذلو .