العدد 2387 - الخميس 19 مارس 2009م الموافق 22 ربيع الاول 1430هـ

المعادلة الديمقراطية في التجربة الكويتية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في خطوة كانت شبه متوقعة، أعلن أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح في كلمة متلفزة وجهها إلى الأمة حل مجلس الأمة والدعوة إلى انتخابات تشريعية مبكرة، أي خلال شهرين من تاريخ الحل.

وأرجع الأمير هذه الخطوة، التي وصفها بأنها لم تكن يسيرة على قلبه، إلى حرصه على الحفاظ «على المصلحة الوطنية»، معتمدا على المادة 107 من الدستور الكويتي، غامزا بشكل غير مباشر من قناة بعض النواب، الذين أدت ممارساتهم، حسب أقوال الأمير - إلى تشويه «وجه الحرية والديمقراطية الكويتية... وأفسدت التعاون المأمول بين السلطتين التشريعية والتنفيذية وأشاعت أجواء التوتر والتناحر والفوضى».

ولابد من الإشارة هنا إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها حل مجلس الأمة منذ بدء الحياة الديمقراطية في الكويت، فكانت الأولى في العام 1976 واستمرت خمس سنوات والثانية في العام 1986 واستغرقت ست سنوات، قبل عودة الحياة النيابية إلى مجراها الطبيعي.

يضاف إليهما مرتين أخريين منذ تولي رئيس الوزراء المستقيل الشيخ ناصر الصباح رئاسة الوزراء كانت آخرها في العام 2008. كما أن حل البرلمان ليس ظاهرة محصورة في الكويت، فهو حق تبيحه دساتير العالم في الدول الديمقراطية، ويتم إما بشكل رئاسي أو ملكي.

كثيرة هي الأسباب التي دعت إلى توتر العلاقة بين السلطتين: التشريعية والتنفيذية في الكويت، وأوصلت الأمور إلى استجوابات حادة طالت رموزا كبيرة في السلطة، ومن أفراد العائلة الحاكمة، والتي من جرائها اضطرت حكومة الكويت إلى إلغاء مشروعين ضخمين الأول عقد شراكة قيمته 7.5 مليار دولار مع شركة داو كيميكال الأميركية، والثاني مشروع بناء مصفاة جديدة للبترول بقيمة 15 مليار دولار.

لكنا باعتقادنا ليست هذه الأسباب، على رغم أهميتها، هي التي تدعو إلى الإقدام على خطوة حل المجلس، بقدر ما يكمن السبب الحقيقي وراء الآلية التي تحكم سلوك، وتدير الحوار بين طرفي السلطة - التنفيذية والتشريعية - في المجلس، إن جاز لنا القول.

فبالنسبة للأولى، تدرك الأسرة الحاكمة الكويتية، وهي الممسكة بمفاصل السلطة التنفيذية، أنه وبحكم مواد الدستور، مهما بلغ مستوى النقد الموجه لها أو لأحد أفرادها ممن يشغلون مناصب مركزية مهمة في السلطة التشريعية، لا يمكن أن يتجاوز ذلك النقد سقف الحكومة، ولا يمكن أن يطال بالتالي، حق الأسرة في الاستمرار في التمتع بالحكم. أي أن هناك غيابا تداول السلطة موضوع مسلم به الأمر الذي يفقد السلطة التشريعية سلاحا يعتبر أقوى سلاح تمتلكه بين يديها.

فالسلطة، وفقا لمواد الدستور، محصورة في أسرة آل صباح الحاكمة، ويتم تداول الحكم بشكل وراثي في صفوف الأسرة وبين أفرادها، وفقا لآلية معينة تم الاتفاق عليها بين أفراد الأسرة ذاتها.

هذا على مستوى السلطة، أما على مستوى المعارضة، فهي الأخرى محكومة بسقف آخر، هو أنها، رغم أنها جاءت إلى كراسي البرلمان على فرس انتخابات شعبية، لكن معيشة ذلك الفرس، وكلفته تأتي من السلطة التنفيذية، أو بالأحرى من الأسرة الحاكمة، وعلى وجه التحديد من الأمير ذاته. فأعضاء مجلس الأمة يتلقون مرتباتهم، والحوافز المترتبة عليها، ومعاشات التقاعد، في مراحل لاحقة، من صناديق السلطة التنفيذية، ووفق بنود محددة في موازناتها السنوية. باختصار يتحول نواب الشعب هنا إلى موظفي دولة تم تعيينهم من خلال صناديق الاقتراع بدلا من دواوين الدولة، أو مؤسساتها.

بالتالي ليس هناك خلاف في الجوهر بين الوزير والنائب من حيث مصادر الدخل، سوى بعض الشكليات، التي أوصلت كلاهما إلى الكرسي الذي يتبوأه. كلاهما يقف في نهاية كل شهر بين صفوف موظفي الدولة كي يتلقى راتبه دون أي استثناء.

هذه المعادلة المغلوطة هي التي تميز التجارب الديمقراطية العريقة عن تلك المعمول بها في بعض دول العالم الثالث، ومن بينها دول خليجية مثل الكويت. في تلك الديمقراطيات العريقة، الوزير، قبل النائب، يتلقى مرتباته من الضرائب التي يدفعها الناس جميعا من دخولهم التي استحقوها بفضل أعمال قاموا بها. هناك، فبتلك الديمقراطيات، يعتبر الوزير ذاته، موظف مدني يتعيش مما يجري تحصيله من ضرائب، ليست من جيوب الأسر المالكة في الأنظمة الملكية، ولا من مداخيل حكومية خاصة في الأنظمة الرئاسية. بالتالي، فالوزير نفسه، شأنه شأن عضو البرلمان الذي اختاره الشعب، مسئول بشكل مباشر أمام الشعب الذي يدفع راتبه في نهاية كل شهر. لذلك من حق أي مواطن، طالما أنه دفع مستحقات النظام الضريبي، أن يساءل الوزير، مباشرة عبر القنوات الإعلامية، أو بشكل غير مباشر من خلال المؤسسات التي تمثله، ومن بينها البرلمان.

ليس المقصود هنا أن تقودنا هذه المعادلة المقلوبة إلى رفض العمل عبر القنوات التشريعية القائمة في بلدان خليجية مثل الكويت وغيرها، بقدر ما قصدنا أن نبرز لب المشكلة، ونسلط الأضواء على السبب الحقيقي الذي يؤدي في حالات كثيرة إلى إصابة مثل هذه المؤسسات التشريعية بما يشبه الشلل، أو أن يدفع الأمير إلى حل البرلمان والدعوة لانتخابات جديدة، تحت مبررات شتى كتلك التي سمعناها في خطاب أمير الكويت.

علينا أن نتوقع مرور فترة زمنية، نتمنى إلا يطول زمنها، قبل أن يعاد قلب المعادلة كي تأخذ وضعها الصحيح، وحينها فقط ستستقيم الأمور. وإلى أن يحين ذلك على المواطن أن يتوقع حل البرلمان في أي وقت بقرار عشوائي أو مقصود، وتحت وقع هذا المبرر أو ذاك السبب.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2387 - الخميس 19 مارس 2009م الموافق 22 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً