في السابع عشر من الشهر الجاري كانت طهران ساهِرَة على نخب السياسة. طاقم الدولة الإيرانية بمجموعه، ورَهْطٌ من نُدَمَائها في الدبلوماسية، أحدهما برازيلي والآخر تركي كانوا جميعاً ساهرين لذات الأمر. فبعد الساعة الرابعة فجراً وبعد مفاوضات مُضنِيَة قادها الرئيس البرازيلي لويس ايناسيو لولا دا سيلفا وافق الإيرانيون على ما طُلِبَ منهم في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لكنهم عضّوا على عَصَب الحلّ ليبقى مرهوناً بحلحلة ثانية وثالثة.
قَبِلَ الإيرانيون بأن يتنازلوا عن «تزمين» تسليمهم فرنسا اليورانيوم المُخصّب بنسبة 3.5 في المئة، واستلامهم اليورانيوم المُخصّب بنسبة 20 في المئة. وتنازلوا عن عقدة «المكان» فلم يعودوا يطلبون أن يتمّ التسليم على أرضهم، وإنما القبول بتسليمه على أرض أخرى. الثمن في ذلك كان الفصل بين هذا الاتفاق وبين قيامهم بالتخصيب بنسبة 20 في المئة، والمُضي في تشييد عشر محطات جديدة تضمّ معامل أجهزة للطرد المركزي.
فظروف الاتفاق «اليوم» غير ظروف الاتفاق في «أكتوبر الماضي» بفينا. ففي اتفاق اليوم يمتلك الإيرانيون مخزوناً من اليورانيوم المُخصّب بنسبة 3.5 يزيد عن 2400 كيلوغرام. وفي اتفاق أكتوبر كانوا يملكون منه 1700 كيلوغرام، وكان عليهم حينها تسليم 75 في المئة من ذلك المخزون أي 1275 كيلوغراماً. وإذا ما طُبِّقَت النسبة على مخزون اليوم فإن الإيرانيين سيُوفّرون 25 في المئة من المخزون (425 كيلوغراماً) حسب الاتفاق السابق، و40 في المئة من المخزون الحالي (700 كيلوغرام) حسب الاتفاق الجديد.
أيضاً، في اتفاق اليوم شغّل الإيرانيون ستة آلاف من أجهزة الطرد المركزي وفق منظومة المضاعفة الثلاثية التي أجروها على الأجهزة، الأمر مكّنهم من إنتاج خمسة كيلوغرامات من اليورانيوم المُخصّب بنسبة 20 في المئة لحدّ اليوم. وخلال اتفاق أكتوبر لم يكن الإيرانيون يطرحون موضوع التخصيب بتلك النسبة داخل منشآتهم، الأمر الذي فَصَلَ اتفاق فيينا عن إشكالية التخصيب بتلك النسبة لانتفائها الفعلي، وهو ما أزاح الإشكال القانوني حينها، ثم ذيّلوا الاتفاق الجديد بهذا المُعطَى دون التزامات سابقة تتعلّق بالاتفاق الأول، وهو ما يعني الحاجة إلى مفاوضات جديدة.
في اتفاق اليوم ظهرت دولتَان مقبولَتان دولياً راعِيَتَان للاتفاق هما البرازيل وتركيا، ومسؤولتان عنه قانونياً وسياسياً ودبلوماسياً. وفي اتفاق أكتوبر كانت الأطراف المقابِلَة لطهران هي الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين وألمانيا، أو ما تُعرَف بـ 5 + 1. والمعروف أن البرازيل وتركيا ليستا مقبولَتَيْن دولياً فقط، وإنما أوزانهما استثنائية على مستوى السياسات العالمية، وفي زوايا إقليمية حسّاسّة جداً.
فالبرازيل أكبر دول القارة الأميركية الجنوبية من حيث المساحة والسّكان. وخامس دولة في العالم من حيث المساحة. واقتصادها من أفضل عشرين اقتصاداً في العالم. وهي عضو أساسي في منظومة الـ BRIC التي يعتبر أعضاؤها (البرازيل، روسيا، الهند والصين) صاحبة أسرع نمو اقتصادي في العالم. ومساحتها (أي منظومة الـ BRIC) ربع مساحة العالم، وسكّانها 40 في المئة من سكّان العالم، وناتجها المحلّي يساوي 15.435 تريليون دولار.
والبرازيل هي عضو في مجموعة العشرين التي بدأت في مزاحمة تكتّل الدول الثماني الكبرى. وصاحبة مشروع كسر ائتلاف النافتا الرأسمالي الإمبريالي في الشمال الأميركي بعد قضم المكسيك عن الولايات المتحدة وكندا وضمّها لكارتيل خاص بدول الأميركتين سيبدأ نشاطه بعد عام. وهي أيضاً عرّاب الائتلاف المركوسوري (البرازيل، الأرجنتين، الأورغواي وباراغواي) الخاص بمنطقة التجارة الحرّة في القارة الأميركية.
أما تركيا التي عنقها في أوروبا، وظهرها في آسيا فإنها دولة أكثر من وازِنة. تطال يدها البوسفور والدردنيل وبحر مرمرة الذين يصِلون بحر إيجه بالبحر الأسود. وهي عضو في منظمة التعاون الاقتصادي لهذا البحر. وهي عضو أيضاً في حلف الناتو. ومنذ 12 ديسمبر/ كانون الأول 1999 اعتُرِفَ بها كمُرشّح للعضوية الكاملة في الاتحاد الأوربي. وإذا ما تمّ ذلك فإنها ستصبح البلد الثاني بعد ألمانيا من حيث عدد السكّان، الأمر سيزيد ممثليها في البرلمان الأوربي.
وربما ظهَر الدور التركي جلياً إبّان الحرب الروسية الجورجية، وأثناء العدوان الصهيوني على غزّة. وقد بدا أن تركيا أصبحت بوابة جديدة وديناميكية في نفس الوقت بالنسبة للعالم الإسلامي وقضاياه. بل وأضحت تتفاوض باسمه ومن أجله، وفضاءً رحباً للدبلوماسيات الضيّقة لبعض الدول العربية والإسلامية، كما هو الحال بالنسبة لسورية وإيران.
بعد اتفاق اليوم يُدرك الإيرانيون أن لهم شركاء قانونيين وسياسيين جُددا في موضوعهم النووي. وإذا ما صَدَّر مجلس الأمن قراره الخامس ضد طهران فإن المادة رقم 25 من المسودّة الحالية والتي تقول «يأسف (مجلس الأمن) لخرق الحظر المذكور في الفقرة 5 من القرار 1747 والذي أفيد عنه إلى اللجنة منذ اعتماد القرار 1747 ويثني على الدول التي تحرّكت للردّ على هذه الخروق وإبلاغ اللجنة» ستتوسّع أكثر من ذي قَبْل.
فروسيا أعلنت (مسبقاً ولاحقاً) أن القرار لن يُؤثّر على عقودها المبرمة مع إيران. فرئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس الأعلى بالبرلمان الروسي قال بعد يوم من توزيع مسودّة القرار «إن المشروع لن يؤثر على العقود الحالية بين روسيا وإيران. يجب التذكير بأن روسيا بائعة مسئولة لكل منتوجاتها في الأسواق الخارجية».
أما بالنسبة للصين، فإن كافّة المفاوضات التي سبقت توزيع مسودّة القرار طيلة شهرين كانت من أجل تنعيم بنوده لكي لا يتضرّر ميزانها التجاري مع طهران. والمعلوم أن استثمارات الصين على الأراضي الإيرانية هي بمئات المليارات من الدولارات، بينها 100 مليار دولار مع شركة نيكو الصينية وحدها والمتعلقة بتطوير حقل آزادكان النفطي.
بالنسبة لتركيا والبرازيل، فلا يُعلَم هل ستتلزمان بهذا القرار أم لا بعد معارضتهما الصريحة له؛ لأن عدم الالتزام سيعني بقاء نافذتين مهمّتين لإيران صوب الجي 20 وتكتّل المركوسور. والقدرة على التعامل مع ناتج محلّي لدول يساوي 15.435 تريليون دولار. في كلّ الأحوال يبقى مصير الأطراف مرهوناً بأحداث السياسة، التي قد تقلب كلّ شيء لصالح المصالح فقط لا غير.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 2817 - الأحد 23 مايو 2010م الموافق 09 جمادى الآخرة 1431هـ
عن ايران احسن
اكتب عن ايران والاحداث التي سوف تمر بها لان الظاهر اشياءكثيره سوف تحدث وتؤثر فينا ايضا
14 نور:: تابع :: ما جرى بعد الساعه الرابعه هو توضيح بنود الإتفاق
الإمبراطوري القديم وهي تعد قوى صديقة لإيران وقوى حليفة تجمعها علاقات إحترام أولاً وإقتصاد ثانياً وهم من سيشكلون الإقتصاد الجديد في المستقبل على أنقاض إقتصاد الدول العظمى الإحتكارية التي إحتكرت السياسية الإقتصادية.
14 نور:: ما جرى بعد الساعه الرابعه هو توضيح بنود الإتفاق
ما جرى بعد الساعه الرابعه هو توضيح بنود الإتفاق والعمل على شرح وجهات النظر ولو لم يكن الإجتماع ذا طابع مهم جداً بحيث قرروا إتمامه في نفس الوقت الممتد من ساعة الإجتماع إلى نهايته ولم يقرروا إتمامه في اليوم التالي وذلك لحجم ايران ومصداقيتها لدى الدول التي كفلت الإتفاق وتوقيعه, أما من الجانب الآخر فكما قال الكاتب المحترم ايران إختارة خليط يحظى بالمصداقية الكبيرة + الثقل الذي تمثله هذه الدول من قوة إقتصادية وموقع سياسي وعلاقات وطيدة بعصب الإقتصاد العالمي الجديد الذي من الواضح إنه يخرج على أنقاض
وأخيراً بدأت سلسلة مقالات إيران..
كنا نتشوق لهذه السلسلة، ولا أدري لم انقطعت سلسلة العراق قبل تكوين الحكومة العراقية الجديدة حيث لا زالت التداعيات على أشدها..
ولكن لك الحق في البدء مع إيران في ظل التطورات المتلاحقة..
شكراً جزيلاً للكاتب، وللوسط..
اضافة 2
فالروس الذين اغراهم بناؤهم لمفاعل بوشهر لم يعودوا لاعبين في هذا الاتفاق ولا شهود على دبلوماسيته . لقد باتت تركيا والبرازيل في أقصى الغرب الأقدر على لعب دور محوري في قضية شائكة كالملف النووي الإيراني
دور موسكو
ما يمكن النظر اليه في الاتفاق التي تم بين ايران وتركيا والبرازيل هو انه جاء في الوقت الذي كانت تعتقد فيه موسكو بانها بوابة الغرب الى الجمهورية الاسلامية لكن الان تبين ان ذلك غير صحيح وان هناك دول تستطيع ان تلعب ادوار مماثلة
نعم للموضوعية والتخصص
الكاتب العزيز
تحليلك أكثر من منطقي، شكرا للموضوعية البحته، وشكرا لوجود مثل ممن يتخصصون في الملفات الحساسة والشائكة.
نتمنى تحليل ماذا لو فرضت عقوبات على طهران؟
ما لم يقله مالك في الخمر
ان الاتفاق المذكور يسحب الذريعة من الدول الغربية في ان يقولون في إيران ما لم يقله مالك في الخمر
تعليق
شكرا للكاتب على هذا التحليل . كما انك ومنذ فترة لم نرى كتاباتك في الشأن الإيراني اتمنى الاهتمام بهذا الملف لحساسيته وتطوره المستمر
Salman
At 4 usually is Azan AlFajr in Tahran
which coincides with closing time of our night clubs and bars