تطرق الكاتب عبيدلي العبيدلي في يومي 14 - 15 مايو/ أيار2010 الى الخصخصة ومتطلباتها بعد اقرار مجلس الأمة الكويتي قانون الخصخصة واعتراض اتحاد عمال الكويت على هذا القانون، معتبرا اقراره بمثابة بيع مقدرات البلاد الاقتصادية والاجتماعية وثروتها الوطنية الى القطاع الخاص.
ولعل من المصادفة أن يأتي هذا الاقرار في شهر مايو/ أيار الذي تشرّفنا فيه بحضور الكويت قبل خمس سنوات لحضور برنامج عن الخصخصة نظمه الاتحاد الكويتي بالتعاون مع مركز التضامن العمالي وحضره خبراء من تشيكوسلوفاكيا واميركا بالاضافة الى نقابيين من الكويت والبحرين وعمان واليمن.
ومن خلال المداولات اطلعنا على مشروع القانون الكويتي بشأن ضوابط الخصخصة الذي كان يتداول منذ ذلك التاريخ اي قبل اكثر من خمس سنوات وكانت هناك تحفظات من الجانب العمالي على رغم من انه يعد متقدما بالنسبة الى دول أخرى كالبحرين التي صدر فيها القانون بشكل منفرد من قبل السلطة التنفيذية وتم تطبيقه عمليا بعيدا عن رأي السلطة التشريعية والشركاء الاجتماعيين كالاتحاد العام لنقابات عمال البحرين وغرفة تجارة وصناعة البحرين.
ولكي نوضح رأينا في عمليات التخصيص التي تجري من دون أن يكون لنا فيها كممثلين للعمال (ناقة ولا جمل) ولم يكن للسلطة التشريعية فيها رأي، فاننا نبدأ بالمزايا التي تضمنها مشروع بقانون بشأن الخصخصة الذي تم تداوله في الكويت والتي منها:
- عدم جواز تخصيص مشروع قطاع عام عن طريق التعاقد المباشر.
- ضمان حقوق العمالة الوطنية في المشروع المراد تخصيصه.
- توسعة قاعدة مشاركة المواطنين في ملكية المشروعات العامة.
- تشكيل مجلس أعلى للتخصيص برئاسة رئيس مجلس الوزراء.
- أن يكون للدولة سهم ذهبي في ملكية الشركات التي تأسست نتيجة لتخصيص أحد المشروعات العامة لإعطاء الدولة قدرة تصويتية تمكنها من الاعتراض على قرارات مجلس الإدارة حماية للمصلحة العامة.
- أن تضمن الدولة للعامل الذي يرغب في الانتقال الى الجهة التي آل إليها المشروع الذي تم تخصيصه: ألا تقل مدة عقده عن خمس سنوات، الحصول على المزايا المالية والمرتب السابق، المشاركة في ملكية المشروع بالحصول على أسهم الشركة.
واذا سلّمنا بأن الخصخصة أضحت ظاهرة عالمية وقد تزايدت وتيرة الأخذ بها باعتبارها عنصرًا حاسمًا في عملية التحول الاقتصادي في جميع الدول المتقدمة والنامية على حد سواء فان التسرّع في عملية التخصيص ومن دون ضوابط له آثار سلبية كبيرة على الاقتصاد الوطني حيث يقول أحد الباحثين في دراسة أكاديمية إن التدرج في إتمام عملية الخصخصة يفضي إلى نتائج إيجابية، وفي المقابل التسرع يؤدي إلى كثير من الفشل في تحقيق الهدف المعلن من الخصخصة؛ لذلك نجد أن بريطانيا التي يضرب بها المثل في تجربة الخصخصة كانت انتقائية ومتدرجة، ولم تتعدَّ عمليات الخصخصة أصابع اليد خلال حكومة المحافظين التي تبنّت هذه السياسة في عهد رئيسة الوزراء مارغريت ثاتشر، في الوقت الذي بيعت فيه كل المؤسسات العامة بلا حدود وفي أي وقت في دول الاتحاد السوفياتي السابق، وحسب تعبير أحد السياسيين في هذه البلاد فإن عمليات البيع والخصخصة كانت تتم كل ثلاث أو أربع ساعات، بينما نجد أن التجربة الصينية في الخصخصة كانت متدرجة وانتقائية في آن واحد.
لذلك كنا ومازلنا ننادي بأن لا تطال الخصخصة مراحل التشغيل للمنشآت لأن دول الخليج تفتقر الى القدرة التصنيعية التي تجعلها قادرة على الاستقلالية وتخفيف الأعباء الاقتصادية وخصوصا فيما يتعلق بتشغيل محطات الانتاج المهمة كتحلية المياه، فدول الخليج مجتمعة تمتلك أعلى طاقة تحلية في العالم، إذ تتجاوز الطاقة الإنتاجية لمحطات التحلية أكثر من 50 في المئة من طاقة التحلية العالمية حسب دراسة قدمها الباحث الأكاديمي في جامعة الخليج وليد زباري، وتعتبر كلفة إنتاج المياه المحلاة عالية نسبيا بالمقارنة مع الدول الأخرى نتيجة لاعتماد الدول الخليجية على استيراد التقنية من الخارج.
والمراحل التي يمر بها إنتاج المياه المحلاة هي مرحلة التصنيع وامتلاك التقنية، ومرحلة البناء لمحطات الإنتاج والمرحلة الأخيرة هي مرحلة التشغيل.
ومن المفترض بدلا من تخصيص محطات الانتاج أن تمتلك دول الخليج تقنيات تحلية المياه لتقوم بتصديرها للعالم بدلا من استيرادها بأسعار باهظة الثمن، كذلك من المفترض أن تكون الخبرات وطنية في مرحلة التصنيع والبناء بدلا من الاعتماد على العمالة الأجنبية حتى في المرحلة الأخيرة وهي مرحلة التشغيل المتبقية لهذه الدول، ليبقى المواطن الخليجي الذي يستهلك أعلى نسبة مياه محلاة في العالم، يعتمد على ما ينتجه الآخرون له في بلده وهو من أكبر الأخطاء الاستراتيجية التي ستظهر آثارها السلبية مستقبلا وخصوصا مع اشتعال حروب مستقبلية بسبب المياه وهو ما أكده الباحث المتخصص في شئون تقنية المياه على صفحات صحيفة «الوسط».
ولو حاولنا التعرف على خطة البحرين الاستراتيجية للخصخصة فإننا لن نجد غير قانون الخصخصة الذي صدر بمرسوم بقانون رقم 41 لسنة 2002 م بشأن سياسات وضوابط الخصخصة، ولم يمرر عبر البرلمان ويغفل الطرف العمالي كما أنه يعطي مجلس الوزراء ووزير المالية والاقتصاد الوطني حرية وضع السياسات والضوابط الخاصة بعد أخذ رأي مجلس التنمية الاقتصادية، ويحوي القانون بنودا عامة ليس فيها ذكر لحق العامل سوى المادة السابعة البند رقم 3 الذي يقول عن العائد المالي عن عمليات الخصخصة (تمويل إعادة تأهيل العاملين في المشروعات التي تمت خصخصتها، وتسوية حقوقهم المالية) وهو الأمر الذي يتم تجاهله عند تخصيص أي منشأة.
أما نظام الخدمة المدنية رقم 202 لسنة 2002م الخاص بالتقاعد الإلزامي المبكر بسبب إلغاء الوظيفة فهو يجبر الموظف الذي قضى عشر سنوات في المنشأة المراد خصخصتها على التقاعد الإلزامي ويعطى عشر سنوات خدمة إضافية خمس من وزارته وخمس تضاف من صندوق التقاعد، كما يعطى راتبا عن كل سنة، وقد تم تعديل هذا النظام مؤخرا، حيث تم الغاء خمس سنوات التي يضيفها صندوق التقاعد وبقيت الخمس المضافة من المنشأة فقط.
وقد التحقت البحرين بركب الدول التي أخذت بأسلوب الخصخصة حين قررت الحكومة في شهر أبريل/ نيسان 2005 تحويل إدارة محطة الحد لانتاج الكهرباء والماء للقطاع الخاص. وبالفعل تم إرساء عقد التشغيل في شهر يناير/ كانون الثاني 2006 على (كونسرتيوم) أو مجموعة تضم ثلاث شركات أجنبية، وهي «انترناشونال باور» من بريطانيا، إذ تمتلك 40 في المئة وبالتالي تقود المجموعة فضلا عن «سوميتومو» من اليابان و»سويز تركتيبل» من بلجيكا، واللتين تمتلكان باقي الحصص بالتساوي (30 في المئة لكل شركة).
وقد قامت كل من شركة الخليج للاستثمار الكويتية وشركة تراكيبل البلجيكية بإنشاء محطة طاقة خاصة لإنتاج 950 ميغاوات بكلفة 189 مليون دينار.
كما قامت السلطات بإرساء عقد تشغيل ميناء سلمان في المنامة وميناء خليفة بن سلمان على شركة «مولر» عضو مجموعة «مولر ميرسك الدنماركية».
وينص العقد على حصول «مولر» على حق امتياز لتشغيل الميناءين لمدة 25 عاما واحتكار لمدة 15 سنة.
وللأسف فان الدولة لم تضمن مساهمة رأس المال الوطني ولا بقاء العاملين في الشركات التي ترسو عليها المناقصة لخلو العقد الموقع من أي إلزام للشركة بتوظيف المواطنين البحرينيين وبالتالي تركت المجال واسعا لاختيار الشركة لموظفيها سواء من الداخل أو الخارج.
كما أن الدولة تهدف إلى تخفيف الأعباء عن كاهلها من خلال الخصخصة، لكنها قد تثقل كاهل المواطن من خلال تسريح عدد كبير من المؤهلين الفنيين والمهندسين وإحالتهم إلى التقاعد المبكر، الأمر الذي سيرفد سوق العمل بالمزيد من العاطلين، وخصوصا أن القطاعات التي تمت خصخصتها تستوعب خيرة أبناء البلد المتخصصين في مجال الهندسة والادارة بمختلف فروعها.
ان من أهم آثار الخصخصة هو ما يتعرض له العمال والموظفون من فقدان وظائفهم أو وضع شروط مجحفة من قبل الإدارة الجديدة، لذلك من المفترض أن تشتري الدولة أسهما لهم كما فعلت بريطانيا عندما باعت مؤسسة فريت الوطنيـة 82 % من أسهمها إلى العمال السابقين والجدد.
وإن من أهم أهداف الخصخصة تشجيع الاستثمار وتخفيف الأعباء على الجانب الحكومي، وزيادة كفاءة العاملين وتحسين مستواهم، وتحسين الإنتاج وزيادته بما يضمن الربحية للمستثمر.
ومع إيماننا بان المستثمر لا يقدم على شراء مؤسسة إلا بعد دراسة مستفيضة لمسألتي الربح والخسارة، وبالتالي ضمان الربحية فإن مسألة زيادة كفاءة العاملين وتحسين مستواهم قد تتراجع في ظل وجود تنافس شديد بين العمالة الأجنبية الرخيصة والعمالة المواطنة التي لا تستطيع أن تنافس الأجنبية في الأجر، وبالتالي فإن الأولوية دائما تكون إلى الأجنبي على حساب المواطن وتنتقل الخبرات إلى الأجانب كما تنتقل أموال الدولة كلها إلى الخارج.
من هذا المنطلق فاننا نرى بأنه من الخطورة بمكان عدم وضع ضوابط للحفاظ على المنشآت الحيوية؛ لأن مصيرها سيكون بيد شركات تتعرض لحسابات الربح والخسارة وبالتالي فانه من الممكن أن تتوقف خدمات مهمة في لحظات مصيرية وحاسمة ويحرم المواطنون من خدمات كالصحة والتعليم والكهرباء والماء في حالة تخلي الدولة عن إدارتها.
إقرأ أيضا لـ "هاشم سلمان الموسوي"العدد 2817 - الأحد 23 مايو 2010م الموافق 09 جمادى الآخرة 1431هـ