العدد 2816 - السبت 22 مايو 2010م الموافق 08 جمادى الآخرة 1431هـ

قبل أن تكون أداة للحكم هي نمط حياة وثقافة

حين يذهب الباحث في علم الاجتماع والأستاذ الأكاديمي بجامعة البحرين باقر النجار إلى الحفر في مفهوم الديمقراطية العصية عبر كتابه الفائز بجائزة زايد للكتاب فإنه يستثيرنا لنطرح عليه مجموعة من الاستفهامات، بعد أن عاد من رحلته في البحث بشأن تعصّي الديمقراطية، فهل تتعصى الديمقراطية علينا حتى نعذر أنفسنا أم نحن المتعصون عليها فنوجّه اللوم لأنفسنا، ولماذا كلما أتتنا موضة جديدة من التحديث روضناها حتى لم تعد شيئاً، وهجّنّاها حتى أصبحت كائنا «مثلها مثلنا تماما»، ما مدى استجابة الأنظمة العربية للديمقراطية، هل يستطيع مفهوم «المجتمع المدني» اسيعاب تفاصيل العرب، وهل للعرب خصوصية اجتماعية تمنعهم من التحديث المجتمعي، وما دور المفاهيم القبلة بأشكالها المختلفة في منع الديمقراطية عربياً، ما سر تعصي المجتمع العربي على الديمقرطية، هل لأن المجتمع العربي عصي على التحديث، هل مازالت طبائع الاستبداد متأصلة في المجتمع العربي، ما طبيعة بنية المجتمع العربي بحيث تمنعه من الديمقراطية، إلى أي مدى استطاع المجتمع العربي في تحولاته المختلفة القرب من الديمقراطية، هل من فصيل سياسي أو اجتماعي أو ثقافي عربي كان قريباً من الديمقراطية، وهل يمكن فرض الديمقراطية عبر القادم من الخارج المحتل، المثقف، الآخر، أياً كان، وهل ما زالت البيئة العربية تعد بالفارس الحامل لواء الديمقراطية، هل للتجارب السياسية المحيطة بالمجتمع العربي دور في تعصي الديمقراطية على الخليج، ما مصدر التعصي على الديمقراطية، السلطة، الناس، الجينات، الثقافة، الدين، المكان الآخر. هكذا ذهبت بنا الأسئلة للباحث باقر النجار فكانت هذه المقابلة.

ما مدى استجابة الأنظمة العربية والخليجية لمسألة الديمقراطية؟

- مسألة الديمقراطية لم تعد خاصة بإقليم بل أصبحت سمة عالمية، وذات صبغة كوكبية والاستجابة إليها بدرجات، ولا نستطيع التعميم بذات القدر، والاستجابة العربية مقارنة بالأقاليم الأخرى على مستوى العالم هي أدناها إذا ما استثنينا بعض الحالات، وتحديداً الحالات التي اعتبرها محدودة من حيث تبنيها لمسألة الديمقراطية، ولا محوريتها على المستوى العربي تجعل من تعميم التجربة على مستوى المنطقة العربية ذات حدود وأفق لا يبدو أنه متسع، وخصوصاً إذا تجاوزنا الثمان سنوات الماضية مع مجيء حكومة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأميركية وطرح مسألة دمقرطة المجتمعات العربية، فقبل ذلك كانت الطروحات تأخذ بمدى إمكانية أن تكون المنطقة العربية مشابهة لأوروبا الشرقية في التسعينيات من القرن الماضي، كل هذه الطروحات لم تساهم في أن تكون الديمقراطية كعملية سياسية أداة للحكم في المنطقة العربية على مستوى واسع، وإذا ما نظرنا إلى الحالة العربية وفق التقارير الدولية سنجد أن المنطقة العربية لم تساهم في إعادة إنتاج مفهوم الديمقرطية فحسب بل حتى مفهوم المجتمع المدني ودوره في التحول السياسي ومفهوم حقوق الإنسان، ومفهوم الشفافية هي الأخرى تم تفريغها من محتواها الحقيقي في بعض حالات المنطقة العربية وسنجد أن دول المركز العربي قد استطاعت إنتاج هذه المقولات بالصورة التي لا تجلب لها أي شكل من أشكال الضرر كجماعات سياسية.

وفق ما ذهبتَ إليه من أن العرب يعيدون إنتاج المفاهيم السياسية، هل يبحث العرب عن نموذج خاص بهم في الديمقراطية، وإلى أي مدى استطاع العرب بناء نموذج، وهل ما نعيشه عربياً من حالة تلفيق الديمقراطية هو مسألة مزمنة أم مرحلة عابرة؟

- على رغم أن الديمقراطية كما يقولون ليست الحل السحري لمشكلات الحكم في العالم إلا أن التجارب أثبتت التجارب أنها أفضل الحلول في تجاوز معضلات العلاقة بين الحكم والمجتمع. إذ يستطيع المجتمع من خلالها تجاوز المعضلات الاقتصادية والتحول السياسي والاجتماعي والثقافي، وان الكثير من الأوروبيين كانوا يتوقعون أن حالة تتابعية من سقوط الأنظمة الأوروبية ستكون لها ما يشابهها في الحالة العربية وأثبت الإقليم العربي أنه عصي على التحول الديمقراطي، ليس لأن أنظمة الحكم العربية ممانعة، بل لأن قوى التغيير في العالم العربي لم تتجذر فيها بعد وبدرجة كبيرة ثقافة الديمقراطية والتي قبل أن تكون أداة للحكم والإدارة، نمط حياة وثقافة، وأنا أشك أنها متأصلة في المجتمع العربي بل هي ليست متأصلة بشكل متجذر في القوى الداعية لعملية التغيير والدمقرطة، ومسألة تداول السلطة وهي مفصل أساسي ليست متجذرة حتى عند الماسكين بزمام السلطة ولا متمفصلة عند الداعين للتحول الديمقراطي، فأوروبا الشرقية يُسر لها أن تتحول لأن الديمقراطية كثقافة حامية للفرد والمجتمع ومتغلغلة في المجتمعات الأوروبية، وحتى المجتمعات التي خضعت لأشكال من الحكم أثبتت إلى حد كبير أن لها قدرة على التكيف مع مسألة الديمقراطية وتداول السلطة.

بل أقول إن التجربة التركية وهي واحدة من أهم التجارب الإسلامية في مسألة تداول السلطة قد يُسر لها أن تأخذ هذا الدور والمكانة عربيا وإقليميا، بفعل تجذر مسألة الديمقراطية عند ممارسي ومتعاطي السياسة داخل المجتمع التركي، بما فيهم القوى الإسلامية الحاكمة، والتي أثبتت قدرة على القبول بفكرة الديمقراطية في الحكم، وعلى القبول بنتائج صناديق الاقتراع وتداول السلطة وهذا ما حمى الديمقراطية التركية من السقوط كفريسة من قبل جماعات العسكر ومن قبل كذلك الجماعات اليسارية والإسلاموية المتطرفة.

هل تستطيع مفاهيم المجتمع المدني ومؤسساته المتعددة استيعاب تفاصيل المنطقة العربية والخليجية بالتحديد؟

- صحيح أن لدينا تجربة في العمل الأهلي منذ قرن من الزمان وتحديداً في مجتمعات مثل الكويت والبحرين إلا أن مطابقة المجتمع الأهلي بالمجتمع المدني لا تبدو في الحالة الخليجية متطابقة، فنحن لدينا مجتمع مدني في طور التشكل والنمو وتحديداً في الكويت والبحرين، وإنه ذو قدرة على إحداث التغير، وفي حالات قليلة فرض إرادته على السلطة ولو أن تأتي إجابة السلطة متأخرة بعض الشيء إلا أننا لا نستطيع أن نماثل الحالة الخليجية العربية بالحالة القائمة في المجتمعات الديمقراطية والتي تكتسب فيها السلطة شرعيتها من خلال المجتمع المدني، والتي بفعل ذلك يتمتع المجتمع المدني فيها بقدرات تأثيرية كبيرة على صناعة القرار.

ألا تعتقد أن مفهوم المجتمع المدني عربيا هو أقرب للعمل التطوعي الأهلي منه إلى مؤسسات مجتمع مدني تمارس نوعا من المشاركة والرقابة على السلطة؟

- نتيجة للحالة الجنينية التي عليها المجتمع المدني الذي هو في طور التشكل الثقافي وفي طور تأسيس ممارساته على أرض الواقع، فإن مقارنته ليس فحسب بالحالة الغربية وإنما مقارنته كذلك بالحالة الآسيوية في كوريا والهند هي مقارنة تفتقر للمصداقية المنهجية.

ولننظر لمسألة مهمة هنا وهي أن شعار هذه المنظمات وطبيعة عمل هذه المنظمات تضعها السلطة، وعادة ما تضع السلطة القوانين المنظمة لعمل هذه المنظمات وهي قوانين تعكس حالة عدم الثقة بين الدولة والمجتمع أي بين هذه المنظمات والدولة وهي حالة تعكس كذلك قوة تضخم السلطة وضعف المجتمع المدني كقوة مؤثرة في سلوك الدولة وخطابها، ثم إن الدولة في مجتمعاتنا لا تكتسب شرعيتها من المجتمع المدني بل تقوم شرعيتها إما على الأسس التقليدية أو على الأسس القائمة على الانقلابات العسكرية والثورية.

المنطقة العربية مهجوسة بمسألة الشرعية تلتمسها تارة من الحالة الدينية وتارة من الحالة القبلية وأخرى من الديمقراطية، فهل هذا التزلزل في التماس الشرعية سبب في عدم الوصول لحالة مشاركة حقيقية؟

- مسألة أساسية أن هناك مآزق شرعية وأن المجتمعات العربية لم تستطع بعد أن تطوّر شكلا من أشكال الشرعية المقبول لمن هم داخل السلطة، أو من هم خارجها، وتعكس هذه الحالة «الصراع على السلطة» ومأزق الشرعية لربما يكمن هنا في حقيقة أن الصراع السياسي في المجتمع هو صراع بين قوى المعارضة والسلطة على تغيير الدولة وليس صراع لإحداث التغيير في الدولة، وتأتي مسألة «النط» وتبني منظومات مختلفة من الشرعية وأحيانا نأخذ بمسألة التقليدية وأحياناً أخرى نأخذ بمسألة الشرعية الثورية والشرعية الدينية، وكل هذه الشرعيات لا تأتي من صناديق الاقتراع وهي شرعيات تحمل في داخلها تناقضات جوهرية بين جزئيات شرعيتها المركبة من الشرعيات الدينية والثورية والتقليدية. وتتماثل في إطار هذه الشرعيات المختلفة قوى الإسلام السياسي والقوى القومية واليسار العربي والقوى المذهبية والقبلية وهي كلها قوى باعتقادي لم تتأصل فيها بعد بدرجة كبيرة فكرة الشرعية القائمة على صناديق الاقتراع، وينشئ هذا المأزق حالة من عدم الاستقرار سياسي داخل المنطقة العربية والتي تعكس الصراع على الدولة، وما يحدث في الدول الديمقراطية إن هو إلا صراع على إحداث التغيير في الدولة وهذا غير قائم في المنطقة العربية.

هل للعرب خصوصية اجتماعية تمنعهم من التحديث المجتمعي؟

- هذه مقولات تّتداول كثيراً وللأسف يؤكدها بعض الساسة العرب، وتؤكدها بعض الكتابات العربية، وما تلكؤ قيام أنظمة ديمقراطية في المنطقة العربية إلا إنعكاس لهذه الحساسية المفرطة من الديمقراطية، وحقوق الإنسان والشفافية، وقيام مجتمع المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات.وتأتي عى تأكيدها الكثير من الكتابات والتي تؤكد حقيقة أن الكثير من دول ومجتمعات العالم قد حسنت من حالة حقوق الإنسان فيها إلا المنطقة العربية، وهؤلاء يستندون إلى تقارير منظمات حقوق الإنسان في العالم والتقارير السنوية التي يصدرها بيت الحريات وتقارير منظمة «مراسلون بلاحدود» في الولايات المتحدة الأميركية وغيرها، والتي تشير تقاريرها للسنوات الخمس الماضية أن المنطقة العربية تتضمن أكبر مجموعة من الدول القمعية الدكتاتورية، والتي تنتفي فيها أشكال الحريات المدنية، وأعتقد إن ربط العروبة والإسلام بحالة التلكؤ في النهوض الديمقراطي هو ربط خاطئ، حيث أثبتت التجربة التركية و

العدد 2816 - السبت 22 مايو 2010م الموافق 08 جمادى الآخرة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً