تشكل «محادثات التقارب» في الشرق الأوسط خطوة إلى الوراء عن سنوات المحادثات المباشرة. ساعدت مجموعات الشتات العرقية في الولايات المتحدة وكذلك أخّرت حل النزاع. يفترض كل طرف، وهو عالق في دائرة من الاستقطاب الذاتي، أن الغريم مضلَّل. ساعد الدعم المتحيّز وغير المشروط للجذور التي اعتبرت مثالية في الواقع البائس في الشرق الأوسط على إدامة السيناريو الذي يقتل فيه الأخ أخيه. هل يمكن عكس هذه الدائرة؟ هل من غير الواقعي تصور العرب واليهود والمسلمين في أميركا ينضمون إلى بعضهم بعضاً دعماً للسلام في الشرق الأوسط؟
حسناً، المعجزات تقع أحياناً. قبل سنوات قام الرئيس المصري السابق أنور السادات بزيارة مذهلة غير متوقعة إلى إسرائيل، بعد أن رأى عدم جدوى الوضع السائد. كانت «المعجزة» معاهدة سلام بين إسرائيل ومصر. ورغم أن الذين انتقدوا السادات اعتبروا ذلك استسلاماً، إلا أن الذين ساندوه شعروا أن رجل السياسة العربي هذا ولّد قوة اندفاع باقية من أجل التسوية.
واليوم، يأمل المرء أن تهديد حرب جديدة إقليمية سوف يعد المسرح لمفاجأة تاريخية قد تكون على شكل حدث مثل حدث السادات، يغير اللعبة. لا يمكن للوضع الراهن أن يستمر. سوف يحمي إنهاء النزاع إسرائيل من مخاطر أخلاقية وماديّة لا مناص منها ناتجة عن الاحتلال، ويحسّن المناخ الإقليمي لعلاقات الولايات المتحدة مع العالم العربي ويحقق التطلعات الوطنية للفلسطينيين.
لو فكّرت مجموعات الشتات المرتبطة بالشرق الأوسط في أميركا خارج الصندوق، فقد تساعد على إنقاذ عملية السلام. تكمن عبقرية أميركا في تنوعها المتكامل. هناك سجل يجري تقديره من المصالحة بين الجاليات. هناك على سبيل المثال جهد لتوأمة خمسين مسجد مع خمسين كنيس عبر الولايات المتحدة وكندا. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي انضمت المساجد والمعابد اليهودية معاً في عطلة نهاية الأسبوع لعقد برامج مصمَّمة لتشجيع الوحدة والتفاهم المتبادل. هناك تنوع واسع من النشاطات التعاونية بين المجموعات اليهودية والمسلمة أو العربية تضم فنانين ورياضيين وعلماء وشباب ورجال دين وسياسيين ونساء في القيادة.
يشهد التاريخ على قدرة المنظمات غير الحكومية ذات العلاقة بالشتات لدعم المصالحة. خلال ثمانينيات القرن الماضي، قادت المنظمات الأميركية غير الحكومية حملة سلام عالمية في الشرق الأوسط، أحضرت منظمات غير حكومية فلسطينية وإسرائيلية للعمل معاً. أما تشكيل فريق العمل الأميركي من أجل السلام، فقد تم بإلهام من تجربة بناء الجسور الذي قامت بها حركة السلام الأميركية.
وفي الفترة الأخيرة، تقوم منظمة جي ستريت (J-Street)، وهي مجموعة تأثير مساندة لإسرائيل تدعو للسلام، بالمبادرة بأشكال جديدة من الحوار الإسرائيلي الفلسطيني.
إلا أنه ما زالت هناك حاجة ماسّة لقفزة نوعية في العمل الاجتماعي في مجتمعات الشتات داخل أميركا للتعامل مع المشاكل الصعبة المتبقية.
يحمل الجمود في قضية تبادل الأسرى الفلسطينيين في طياته، على سبيل المثال، (هي قضية فقدت قوة اندفاعها) نتائج بعيدة المدى لإعادة إحياء عملية السلام. يقضي مروان برغوثي، الذي يُعتبر نيلسون مانديللا الفلسطيني أحكاماً عديدة بالسجن المؤبد في سجن إسرائيلي بعد أن أدانته محكمة إسرائيلية بقتل إسرائيليين أثناء الانتفاضة الثانية. إلا أن البرغوثي كان في يوم من الأيام ناشط سلام قوي، ومازال يؤمن بحكمة حل الدولتين. يملك هذا القائد السجين الشعبية والمؤهلات لإعادة توحيد الفلسطينيين المنقسمين بين فتح وحماس.
من ناحية أخرى، تحتفظ حماس بالجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط سجيناً، وقد أصبح الآن رمزاً عند الإسرائيليين. وصلت المفاوضات على تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس إلى طريق مسدود، حيث وافقت إسرائيل على تبادل مئات الأسرى الفلسطينيين مقابل الجندي شاليط، ولكن ليس البرغوثي.
يمكن للعمل بشكل جماعي في أوساط مجموعات الشتات في أميركا من أجل إطلاق سراح البرغوثي وشاليط أن يكون له أثر هائل على حل هذا النزاع. إذا تسنى للأميركيين العرب واليهود والمسلمين أن يشنوا حملة معاً فسوف يعملون على إيجاد مناخ سياسي جديد. وإذا قامت مجموعات مصالحة كهذه بالتأثير على حماس والسياسيين الإسرائيليين فقد ينفتح باب إستراتيجي في الشرق الأوسط. سوف تساعد زيارة أميركية من الطوائف المختلفة إلى سجن إسرائيلي وإلى معابد يهودية ومساجد وإلى غزة والقدس على تلطيف مواقف كافة الأطراف. كذلك يمكن لحملة إعلامية مشتركة أن تحقق المعجزات.
تتواجد الجاليات الأميركية التي تركز على إسرائيل/ فلسطين في موقف جيد لتجربة أفكار جديدة لصنع السلام في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط. تستطيع الولايات المتحدة، من خلال جهود مشتركة لليهود الأميركيين والعرب والمسلمين أن تفوز بالقدرة على تنظيم السلام. وفي غياب دعمها، لن تذهب الإدارة الأميركية بعيداً في تشجيع السلام.
ليس السحر في الأعجوبة هو أن يكون صانعها معصوماً عن الخطأ وإنما في نبل عمله أو عملها. يتطلب الوضع المزري في الشرق الأوسط توجهات إبداعية أساسية لحل النزاع هنا. ويمكن لمجموعات الشتات أن تثبت أنها قطعة أساسية مفقودة في الأحجية.
العدد 2816 - السبت 22 مايو 2010م الموافق 08 جمادى الآخرة 1431هـ