العدد 847 - الخميس 30 ديسمبر 2004م الموافق 18 ذي القعدة 1425هـ

«المنار» التجربة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الأمكنة والأشخاص، غالباً ما يكون لديك انطباع معين عنهم قبل أن تزورهم، أما بعد الزيارة فتتغير معالم الصورة، لتصبح أكثر واقعية ودقة ووضوحاً. وهذا ما كان بالنسبة إلى «المنار»، فقد كنت أتخيّلها مبنى ضخماً على الشارع الرئيسي الممتد من بيروت إلى الجنوب، في موازاة ساحل البحر المتوسط، وكان من بين الأسئلة التي وددت أن أحصل على إجابة عليها من مسئولي القناة: ما هي استعداداتكم في حال استهدفت محطتكم «اسرائيل»؟ لكن بعد أن ضاع سائق السيارة في الدرب، ووصل إلى المبنى المختفي بين مبانٍ سكنية رفيعة في شوارع مزدحمة بالمرور، ألغيت السؤال من ذاكرتي، فلم يعد للسؤال حاجة بعد أن رأيت الواقع على الأرض.

وهكذا كنت أتصوّر أن الدور الخارجي في «المنار» واضح المعالم ظاهر الوجود، لكن بعد جولةٍ على الأقسام المختلفة اكتشفت أن لا وجود لأي عامل «أجنبي»، حتى عاملات التنظيف، مسنات وشابات، كلهن لبنانيات عن أب وجد!

«المنار»، وغيرها من المؤسسات والأجهزة ذات التجارب الناجحة، تترك في نفس المرء ذلك الانطباع القوي، مثلها مثل «الجزيرة»، التي زارها الرئيس المصري حسني مبارك قبل سنوات، ورآها على الواقع على خلاف ما تصوّرها في ذهنه، فلما خرج أبدى استغرابه من كون كل هذه الضجة تخرج من علبة الكبريت هذه! لكن «علب الكبريت» ليست بالضرورة تمتلك المباني ورؤوس الأموال الضخمة، أو التجهيزات الفخمة، أو الديكورات التي تصرف عليها الملايين من أموال الشعوب، ولكنها تمتلك القوة من الأثر والتأثير الذي تتركه على الرأي العام، فتصبح ليس مجرد ناقل خبر وانما مؤثرة في صنع الحدث، في زمن باتت فيه الصورة والكلمة والموقف الحر مستهدفة من قبل أكثر من طرف.

تتعجب وأنت تتجول في ذلك المبنى المندسّ بين العمارات المرتفعة، كيف تخرج من هنا رسالةٌ تعبّر عن الحق المضيّع في فلسطين، بعد أن أصبح العرب يتحاشون ذكر هذا الاسم وكأنه عارٌ على القبيلة؟

«المنار» تجربة أيضاً، تدلنا على أن الشعوب العربية عندما تتاح الفرصة أمامها لتفجر طاقاتها، تأتي بالكثير، ما يعيد بعض التوازن النفسي في الصراع الطويل مع العدو الشرس في فلسطين. وهي تجربة تدلّ أيضاً على أن الملايين التي نصرفها على برامج لا يشاهدها أحد، يمكن إنفاق عشرها على برامج تقض مضجع الأعداء، فيستنفرون سفاراتهم في القارة الأوروبية والأميركية، ويعلن وزير الخارجية الاسرائيلي تبنيه رسمياً قضية منع بثها لئلا تصل إلى الجمهور. وهي تجربةٌ تدلّ أيضاً على أن هؤلاء الشباب المخلصين لأمتهم العربية والاسلامية، يجهدون في تقديم كل جديد ومفيد إلى الناس والمجتمع، في وقتٍ عقمت الأجهزة العربية عن إنتاج شيء غير برامج «أغاني وتهاني»، و«برجك ايه»، و«ما يطلبه المشاهدون» «المتثائبون»! ولما أفلست أجهزتنا الإعلامية، مالت إلى الأفلام العربية القديمة لتصنع منها برامج باسم «أغنيات زمان»، و«أغنيات الأفلام القديمة»، في إعلان رسمي عن موت هذه الثقافة الاستهلاكية المفلسة.

«المنار» أخيراً، تدل على أن العمل المؤسسي المدروس القائم على أسس منهجية سليمة تتلمس طريق التطور، وتضع الفلس في المكان المناسب، يؤتي ثماره الناضجة ويحقق النجاح المرجو

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 847 - الخميس 30 ديسمبر 2004م الموافق 18 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً