أكد المرجع الاسلامي السيّدمحمد حسين فضل الله أهمية أن يتوحد العرب في قضاياهم وعلاقاتهم السياسية، وشدد على أن العروبة هي قوة للإسلام، وأن الإسلام هو قوة للعرب والعروبة. وأشار إلى أن الحديث عن «هلال شيعي» بالطريقة الاستعراضية إنما هو لخدمة أجهزة مخابرات ومحاور عالمية، تعمل للنيل من الإسلام بجناحيه السني والشيعي. وأشار إلى أن الشيعة الذين يفتخرون ويعتزون بعروبتهم لا يحملون مشروعاً خاصاً كدولة، بل يعملون لعراق موحد ويعيشون الوحدة الإسلامية مع إخوانهم في المذاهب الأخرى.
جاء ذلك في إجابته على سؤال خلال ندوته الأسبوعية، عن الأسباب الكامنة وراء الحديث عن «هلال شيعي»، فأجاب متسائلاً: «لماذا تُثار مسألة الشيعة أو ما يطلق عليه البعض (القضية الشيعية) بين وقت وآخر سواء في ما هي المسألة السياسية، أو على المستوى الثقافي بالطريقة التي لا يخضع فيها الطرح لأية معطيات موضوعية وعلمية، ولا تُثار فيها الأمور على أساس الحوار الشرعي والعلمي والواقعي. إننا نلاحظ وجود جهات رسمية وغير رسمية في العالم الإسلامي تعمل على العبث بالمسألة الإسلامية وإخضاعها لحساباتها السياسية، كما نلاحظ وجود شخصيات وفئات تحاول أن تلاحق المسلمين الشيعة لترميهم باتهامات، وتنسب إليهم الكثير من الانحرافات، وقد لا يتورع هؤلاء عن إشهار سلاح التكفير بوجوههم بعيداً عن طريق الحوار المباشر، انطلاقاً من القاعدة التي تلزمنا جميعاً بالعودة إلى الله ورسوله في كل حالات التنازع والاختلاف».
وأضاف: «في هذه الأجواء العاصفة والاستنفارات الإعلامية التي تغذيها أجهزة مخابرات عالمية وتستفيد منها محاور دولية تعمل للنيل من الإسلام بجناحيه السني والشيعي أثير الحديث أخيراً عن «الهلال الشيعي» بالطريقة الاستعراضية التي لا يُقدم فيها صاحب الاتهام أي دليل على هذه المقولة، بل أية معطيات أولية بشأن هذه الأمور التي قد لا تتعدى الهواجس في ذهن البعض، ولكنها تتناغم مع أكثر من مشروع معادٍ للأمة في أذهان الآخرين. من هنا تدخل المسألة في نطاق الإثارة والتخويف ومن خلال الهجمة الأميركية التي تحاول استهداف بعض المواقع الإسلامية الشيعية في إيران وسورية ولبنان، والتي قد تملك رؤية سياسية في القضايا الاستراتيجية العربية والإسلامية تختلف عن أولئك الذين ينخرطون في المشروع الأميركي ويريدون للعنوان المذهبي أن يكون المساعد والداعم لهم للعبث بوحدة الأمة ولمحاولة الإيقاع بين السُنة والشيعة، بما قد يوفر لهم أجواء إضافية للبقاء في مواقعهم على أساس خدماتهم الإضافية التي يقدمونها للمشروع المعادي للأمة وقضاياها. إننا نسأل هؤلاء: من أين انطلق الخوف عندهم على عروبة العراق؟ هل انطلق من خلال وعيهم لخطورة الاحتلال الأميركي وما يوفره من فرص سياسية وأمنية وحتى اقتصادية لـ «إسرائيل»؟ وهل انطلقت الخشية هذه من أن يحصل المسلمون الشيعة على الأكثرية في الانتخابات مع معرفتهم بأن العراق ليس كلبنان ولا ينطلق نظامه من المحاصصة الطائفية، بل من خلال المواطنة التي يؤكد الشيعة العراقيون انسجامهم الكامل معها لتكون المواطنة هي الأساس في كل ما يحكم حركة النظام مع شعبه بكل فئاته وأعراقه؟ ثم إذا كانت مسألة الأكثرية هنا تثير الخطر على العروبة فلماذا لم تكن السيطرة التي أخذت العنوان الذي حركه النظام السابق تثير أحداً ليتحدث عن حرصه على العروبة؟ وأية عروبة؟ تلك التي أسقطها هؤلاء في العراق نفسه من خلال دعمهم للنظام الطاغي الذي استباح الكويت ليستبيح معها كل مواقع الأمة لحساب المشروع الاستكباري الغربي، وأية عروبة هذه التي يهرق هؤلاء دمها في فلسطين من خلال خذلانهم للفلسطينيين وإعلانهم الخضوع المسبق لشارون واستعدادهم المسبق لتغطية ممارساته وجرائمه بمد اليد له لتسير حركة التطبيع العلني والسري مع العدو على حساب جهاد الشعب الفلسطيني ومعاناته وعذاباته طوال السنين الماضية؟! إن على هؤلاء أن يطمئنوا إلى أن العراق الشيعي هو عراق العشائر العربية الممتدة في مدى التاريخ والتي لم يحدث في أي حال أن أصبح الشيعة هناك إيرانيين أو أتراكاً. بل بقي الشيعة هناك متمسكين بعروبتهم وإسلامهم وإخلاصهم لوطنهم وهويتهم العربية الإسلامية».
وأردف: «كذلك فإن على هؤلاء ألا ينساقوا في جهلهم السياسي وسطحيتهم التي يراد لها أن تحرك الكثير من الهواجس بعيداً عن الواقعية، لأن الجميع يعرف التعقيدات الكبرى التي تحيط بالمناطق العربية في العراق وسورية ولبنان وغيرها بما لا يصل بالأمر إلى حد الوهم في أن إيران يمكن أن تمتد من خلال هلال شيعي في هذه المناطق، فضلاً عن أن إيران لا تفكر بذلك. ثم إن الشيعة الذين يفتخرون ويعتزون بعروبتهم لم يشعروا في أي وقت بأن هناك أية مشكلة بين احتضانهم للعروبة والتزامهم بالإسلام في خط أهل البيت (ع)، كما لا يشعر المسلمون الآخرون بأن العروبة تمثل عبئاً على التزامهم بالإسلام في خطوطهم المذهبية الأخرى، وإذا كان اللقاء بين الشيعة الإيرانيين والعرب ينطلق من خلال طبيعة الخطوط الثقافية، فإن الشيعة لم يفكروا أن تكون إيران هذا الحاكم عليهم في هذا البلد أو ذاك».
وخلص إلى القول: «إن الشيعة لا يحملون مشروعاً خاصاً كدولة أو ما إلى ذلك، ولذلك رفضوا تقسيم العراق على أساس مذهبي، بل أرادوا عراقاً موحداً يتساوى فيه العراقيون في الحقوق والواجبات، وإذا كانوا قد اضطهدوا في السابق فهم لا يفكّرون في اضطهاد غيرهم، بل يتطلعون إلى العيش الكريم مع إخوانهم السنة ومع بقية الأعراق والمذاهب. لقد استطاع الشيعة أن يؤكدوا الإخلاص الكبير لعروبتهم عندما انطلقوا من خلال المقاومة الإسلامية في لبنان لتحرير أرضٍ عربية من «إسرائيل»، وعندما مدوا يد العون لإخوانهم في فلسطين وأيدوهم وساندوهم بشكل حاسم عندما تراجع الآخرون عن دعمهم. إن الشيعة مسلمون يعيشون الوحدة الإسلامية مع إخوانهم في المذاهب الأخرى، وإذا كانت لدى بعضهم التباسات وانحرافات كما في بعض المجتمعات الشيعية، فإن ثمة مجتمعات إسلامية أخرى تحمل التباسات وتعقيدات وانحرافات أيضاً ولا نستطيع إسقاط هذا أو ذاك على الجميع، بل علينا جميعاً السعي إلى الحوار الصريح والواضح بين الشيعة كفريق عربي ومسلم وبين كل الآخرين على أساس دراسة الاتهامات السياسية والدينية من خلال روحية الحوار المنفتح، والسعي إلى حماية قضايانا الكبرى من فتنة تحيق بها ويدق لها النافخون في طبول الطائفية والمذهبية والاستكبار وهواجس الوهم سعياً إلى الفرقة وحرق البقية الباقية من قضايانا».
وختم إجابته بالقول: «إننا ندعو العرب جميعاً إلى أن يتوحدوا في طروحاتهم والتزاماتهم وعلاقاتهم السياسية بالواقع الدولي والتيارات العالمية لخدمة القضايا العربية ومواجهة الاحتلال الأميركي والبريطاني والإسرائيلي، ويؤكدوا استعادة القوة التي يملكون الكثير من عناصرها ومواقعها في خط المواجهة للتحديات الكبرى وينفتحوا على المسلمين جميعاً من موقع الحماية للقضايا الإسلامية العربية الموحدة، لأن الإسلام قوة للعروبة وللعرب، كما أن العروبة قوة للإسلام وللعروبة بعيداً عن الطائفية والعنصرية على أساس الحوار الموضوعي الذي يستهدف التركيز على اللقاء المشترك من دون استغلال للتعقيدات السلبية الطارئة»
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 847 - الخميس 30 ديسمبر 2004م الموافق 18 ذي القعدة 1425هـ