العدد 847 - الخميس 30 ديسمبر 2004م الموافق 18 ذي القعدة 1425هـ

هل ذنبنا أننا نعيش في عالم لا يحتضن فئاته الخاصة؟

في رحلة المستحيل... المكفوفون يحلمون بالوظيفة ويسألون:

مدينة عيسى- نبيلة سليمان 

30 ديسمبر 2004

أن يفقدوا نعمة البصر فهذا قضاء الله، وأن يتعايشوا مع هذا الحرمان فهذا هو الإنسان الذي يواجه كل الصعاب حتى تستمر الحياة، ولكن أن يحرموا من حقهم الطبيعي في العمل وفي الحياة الكريمة، هنا لابد أن نقف ونسأل:

لماذا لا تتحقق كل الأحلام الجميلة والوعود الكثيرة التي يطلقها المسئولون دائما؟ أين الحماية التي يتحدثون عنها؟ وأين حقوق هذه الفئة؟

في جمعية الصداقة للمكفوفين، تركناهم يتحدثون عن معاناتهم، ويطرحون عشرات الأسئلة.

لا يقبلوننا

في إحدى غرف الجمعية جلسوا وداخلهم الكثير من الحماس للحديث، ربما تختلف التفاصيل ولكنهم يلتقون جميعا في مشكلة أساسية شائكة، العمل وإيجاد وظيفة مناسبة، وعدم قبولهم لدى المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص إلا في وظائف محدودة غير ثابتة ولا توفر لهم الإحساس بالأمان والاستقرار.

ناصر عبدالله (41 عاما) يقول: «أنا من الفئة التي يطلق عليها ضعاف البصر، ولدت طبيعيا ومرت الأيام، وعملت في وظيفة أمين صندوق، وبعد 4 سنوات بدأت أشعر ان نظري يضعف شيئا فشيئا، وقال لي الأطباء إنني مصاب بدمور في الشبكية، ولا جدوى من علاجي... حصلت على تقاعد للعجز الطبيعي، وحين تطوعت شركة «بتلكو» لتدريب ضعاف النظر والمكفوفين على العمل على البدالات، خضعت للتدريب حتى أتقنت العمل، ثم خرجت لأبحث عن وظيفة ولم أجد من يوظفني، وأنا أطرح سؤالا: لماذا لا يترك العمل على البدالات للمكفوفين في مختلف الوزارات الحكومية، وجزء من القطاع العام؟ فهذا العمل يجيده المكفوف في الوقت الذي يستطيع المبصر أن يعمل في الوظائف الأخرى المختلفة».

وهنا يعلق علوي السيد (31 عاما): «ربما تكون حالتي مشابهة لحال زميلي ناصر، فقد أصبت بضعف النظر في الكبر، تربيت في المملكة العربية السعودية وعشت هناك سنوات طويلة، درست حتى وصلت إلى المرحلة الإعدادية ثم عملت مع والدي في (برادة) كان يملكها، وعدنا إلى البحرين وأنا في الخامسة عشرة من عمري، وأصبت بحالة نفسية نتيجة ابتعادي عن البلد الذي تربيت فيه وأحببته، وبدأ نظري يضعف، فنصحني الأطباء بعدم ممارسة بعض الاعمال، ولذلك فأنا أطالب بوظيفة لا تضر العين، وأستطيع القيام بأعبائها، أليس من حقنا الحلم بحياة كريمة؟»

مَنْ يوظفنا؟

ويمسك محمد حسين (29 عاما) بطرف الحديث ويروي قصته: «منذ طفولتي وأنا مصاب بالمرض المعروف باسم العشى الليلي، وعلى رغم ذلك واصلت دراستي حتى حصلت على الثانوية العامة (القسم الأدبي)، ومنذ 8 سنوات وأنا مسجل ضمن قائمة الباحثين عن عمل في وزارة العمل والشئون الاجتماعية، وطوال هذه السنوات وأنا أطالب الوزارة بتوظيفي من دون جدوى... قدمت أوراقي إلى الوزارات المختلفة، وأرسلت رسائل أخاطب فيها وزيري التجارة والبلديات أطلب وظيفة ولكنني لم أتلق أي رد».

ويضيف: «أوجه سؤالي إلى المسئولين في الحكومة، إذا لم توظفنا المؤسسات الحكومية فمن يمكن أن يوظفنا؟ نحن حالات خاصة ولن يهتم القطاع الخاص بتوظيفنا، وخصوصاً الشركات الصغيرة، ولا باب أمامنا سوى أبواب المؤسسات الحكومية فلماذا لا يوظفونا؟، نطالب الحكومة بأن تمنحنا فرصة لنعيش حياة كريمة بدلا من إحساسنا بأننا عالة على المجتمع وعلى أسرنا، راتب والدي المتقاعد قليل، وهو متحمل مسئولية الانفاق على 4 أفراد، فهل هذا عدل وأنصاف؟، نحن نطالب بحقنا في العمل، فهل هذا يعد تجاوزاً أو مستحيلاً»؟

مأساة أكبر

منصور عيسى (41 عاما) يعيش مأساة أكبر فهو مصاب بضعف النظر منذ أن كان عمره 7 سنوات، وبيت أسرته يحتضن 3 معوقين بين إعاقة بصرية وعقلية، تزوج وعمره 18 عاما عندما كان عاملا في شركة مقاولات يقول: «لأنني ضعيف النظر كثيرا ما تعرضت خلال عملي لحوادث مختلفة، ومنها السقوط على الأرض لعدم رؤيتي للحفر، ولذلك تركت العمل... وأنا اليوم أب لسبعة أبناء وبنات ولا أعمل، قدمت للعمل في وزارة الصحة ولم أحصل على رد، التحقت بجمعية الصداقة للمكفوفين وتعلمت طريقة برايل، وتدربت في شركة بتلكو على العمل على بدالة الهاتف».

ويواصل حديثه: «ربما حرمت من نعمة البصر، ولكن الله سبحانه وتعالى عوضني بقدرة على تعلم أي عمل أمارسه لمدة أسبوع واحد، ولذلك أنا أطالب المؤسسات الحكومية بأن تجربني في أي عمل مناسب وتمنحني أسبوعاً واحداً ثم تحكم على قدراتي، لماذا تصادَر حقوقنا من دون التعرف على قدراتنا الحقيقية؟، تصرف لي وزارة العمل كل شهرين مساعدة لا تتجاوز 46 ديناراً، أي 23 ديناراً في الشهر، فهل هذا المبلغ يمكن أن يعيش فردا حتى تعيش عليه أسرة كبيرة مثل أسرتنا؟! كل المساعدات التي أتلقاها من وزارة العمل والصندوق الخيرى وأهل الخير لا تكفينا، فهل كثير أن أحصل على وظيفة تساعدني على أعباء الحياة؟! أعطتني الحكومة بيتاً، ولكنني لا أملك ما أفرش به هذا البيت، سنوات وأنا أنظر إلى هذا البيت وهو يوشك على الهلاك من عدم الاستخدام، كيف أعيش فيه وأنا لا أملك من يؤهله للسكنى، الحقيقة لا أعرف ماذا أفعل»؟

مشكلة الدمج

وتتحدث فاطمة أحمد الطالبة في جامعة البحرين وشقيقة مهدي المكفوفان، عن مشكلة أخيها والمكفوفين جميعا وتقول: «من أكبر المشكلات التي تواجه المكفوفين عندما قررت الحكومة دمجهم مع الأسوياء في المدارس من دون الإعداد السليم لهذا الدمج، نحن لا نعترض على هدف الدمج نفسه، فمن حق المكفوف أن يمارس حياته بأسلوب طبيعي من دون أن يشعر انه معزول عن هذا العالم، ولكن على أن تتوافر أساسات هذا الدمج. فعلى سبيل المثال، لا تتوافر في المدارس آلات للكتابة للمكفوفين، حتى الكتب الدراسية لا تتناسب مع المكفوفين، فلماذا لا تكون هناك كتب مطبوعة على طريقة برايل، فكيف ينجح هذا الطالب في الوقت الذي لا تتوافر له أسس التعامل مع إعاقته».

ليست فردية

وتسترسل فاطمة في الحديث: «قمت بتسجيل المواد الدراسية بصوتي على أشرطة كاسيت لمساعدة أخي في الدراسة، ولكن هل هذا حل عملي؟، وهل تستطيع كل أسرة القيام بهذا العمل؟، والسؤال الأخر الذي يطرح نفسه: لماذا لا توظف المؤسسات الحكومية المكفوفين؟ ولماذا لا تقدر هذه المؤسسات الفئات الخاصة؟ مشكلة المكفوفين ليست حالة فردية بل هي مشكلة تخص مختلف فئات الإعاقة عموما، كيف توجد عوائل بلا عائل يرعاها ويتكفل بمسئولياتها»؟

ويعلق مهدي: «المفروض ألا يعاني المكفوف من البطالة، وأن تخصص وظائف لهذه الفئات لا يعمل فيها المبصرون، وإذا وجدت هذه البطالة فعلى الحكومة تخصيص راتب شهري ثابت لعائلة المكفوف حتى يحصل على عمل، لقد انتظرت سنة كاملة حتى حصلت على مساعدة من وزارة العمل لا تتجاوز 23 ديناراً شهريا، فهل هذا عدل وإنصاف».

ويقول: «المكفوفون في البلدان الخليجية الشقيقة يصرف لعائلة المكفوف الذي لا يعمل ما يعادل 400 دينار شهريا»، ويعلقون: «هل ذنبنا اننا نعيش في العالم الثالث الذي لا يحتضن الفئات الخاصة؟»

وكان مجلس محافظة المحرق برئاسة المحافظ سلمان بن هندي ناقش منذ فترة بحضور عدد من المسئولين في المحافظة والنائب عثمان شريف الكثير من القضايا ذات الاهتمام بمواطن مدينة المحرق، واهمها وضع المكفوفين. وفي بداية المناقشة طالب احد اعضاء المجلس من المحافظ الاهتمام بالمكفوفين، مناشداً فتح الباب لهم لارتياد الوظائف الإدارية بالمحافظة.

ومن جانبه أكد محافظ المحرق اهتمامه الشخصي واهتمام المحافظة بالمكفوفين عمليا من خلال الوظائف التي ستوفرها لهم في الفترة المقبلة، داعيا نواب البرلمان إلى تبني قضايا المعوقين جميعا والمكفوفين خصوصا، وقال ان البحرين لها دور كبير في رعاية وتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة والمعوقين وهناك خطباء وائمة مساجد من المكفوفين يلعبون دوراً كبيراً في الحياة وفي تطور مسيرة مملكة البحرين.

وتعد الخطوة التي قامت بها جامعة البحرين عندما افتتحت مختبرا للفيزيوبرايل، خطوة مهمة في توفير المزيد من الفرص العلمية للمكفوفين، وقالت رئيسة جامعة البحرين الشيخة مريم بنت حسن آل خليفة عند افتتاح هذا المختبر في العام الماضي: «إن جامعة البحرين افتتحت مختبرا للفيزيوبرايل للطلبة المكفوفين، وهو أول مختبر من نوعه في منطقة الشرق الأوسط بدعم من بنك الاستثمار الإسلامي الأول، ويحتوي المختبر على 8 أجهزة فيزيوبرايل، و10 حواسيب، إضافة الى طابعة إندكس الخاصة بالمكفوفين، وآلة تصوير، وجهاز خاص للطلبة ضعاف البصر، كما أدخل أخيرا للمختبر نظام الآلة القارئة، ويهدف هذا المختبر الى تعزيز مهارات الكتابة الإنجليزية لدى طلبة الجامعة بأسلوب التعلم الذاتي».

ونحن اليوم نطالب المؤسسات الحكومية بالمزيد من الخطوات على هذا الدرب، فمن يدري فربما تتحقق الأحلام ويتحول الحلم إلى حقيقة؟

العدد 847 - الخميس 30 ديسمبر 2004م الموافق 18 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً