العدد 846 - الأربعاء 29 ديسمبر 2004م الموافق 17 ذي القعدة 1425هـ

البحرين... هكذا نحارب الفساد!

أطلقوا سراح سارق الأبواب

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل بضعة أيام نشر خبر عن فرار أحد المتهمين بسرقة الأبواب الالمنيوم من الحبس مع نشر صورته، وبعدها قرأنا خبراً عن إعادة إلقاء القبض عليه. وفي الفترة ذاتها قرأنا أخباراً عن سرقة أبواب ومكيفات عدد من المساجد، في حركة يبدو انها أقرب إلى «تصفير» بيوت العبادة من مقتنياتها!

لكن الخبر الأهم، فقد تصدر صدر الصفحة الاولى من «الوسط» يوم الثلثاء الماضي، الذي «اكتشفته» عند الساعة الثانية عشرة وخمس دقائق من بعد منتصف الليل قبل أن آوي إلى النوم. أصارحكم... لقد هالني الخبر، إذ يتكلم عن مفاوضات ومساومات لإرجاع مبلغ مليون ونصف المليون دينار، وهو مقدار ما ثبت التلاعب به من أموال بنك الاسكان. وإذا ما تمت «الصفقة» فستكون طعنة مؤلمة للآمال المعقودة على تحقيق الاصلاح في هذا البلد. فضلاً عمّا سيشكله من تسترٍ متعمدٍ على طبقة «المفسدين» والمتلاعبين و«سراق المال العام»، بما يقوّض أية آمال شعبية في حدوث إصلاحات حقيقية على الأرض بعيداً عن صفحات الصحف.

قمة الاثارة في إصرار «المتهم» على مقاضاة وزارة العمل لعدم تسلّمه راتباً تقاعدياً «يليق» بخدماته العظمى التي أداها إلى الدولة! وتذكّرت ما حدث قبل أكثر من عامين، مع بداية صدور «الوسط»، إذ جاءنا أحد المواطنين من المحافظة الشمالية، يكاد يبكي وهو يشكو مشكلته الاسكانية، وأحضر صوراً لـ «العشة» التي يقطن فيها مع أطفاله وزوجته، فوق سطح منزل أبيه. وطلب أن أذهب مع المصوّر إلى «عشته» لأتيقن من صدق ما يقول. وأضاف انه راجع كل الصحف، وحجّ إلى وزارة الاسكان «حتى حفيت قدماه» من دون طائل... وقال كلاماً لم أشأ نشره حينها حفاظاً على سمعة هذا الوطن أولاً وأخيراً في تلك الفترة، ولكن اليوم لا أجد ما يمنع من نشره بعد أن انكشف جانبٌ بسيطٌ من المستور، قال: «صدقني، بعد أن يئست، راجعت حتى سفارات بعض الدول الاجنبية وقابلت بعض السفراء الأجانب لتحل مشكلتي». (وذكر اسم سفير إحدى الدول الصناعية الثماني الكبرى!). والرجل لم يكن من ضعاف العقول، فكان منطقه مقنعاً وكلامه متسلسلاً، ولكن الحاجة تدفع المضطر إلى سلوك طرق أقرب إلى المزاح.

مثل هذا المواطن، ما كان ليلجأ إلى عرض مشكلته على سفير أجنبي لولا وجود مثل تلك التجاوزات والتلاعبات التي ثبت وقوع جزء منها حتى الآن، ولكن عندما قابل أحد الزملاء المتهم ادعى انه لا يملك غير «عشته» التي يعيش فيها!

إذا استمر هذا المسلسل التساومي فاننا نقدم للعالم نموذجاً سيئاً لوطنٍ يخطو على طريق الاصلاح، فهو أكبر مؤشر على اختلال ميزان العدالة في هذا البلد. قبل شهرين تم اعتقال عدد من المشاركين فيما سمي بمسيرة «السيارات» ووجهت لهم تهم تصل إلى حد السجن عشر سنوات، بينما يتم الافراج عن متلاعبٍ كبيرٍ بالملايين من المال العام، بل ويجري التساوم معه بهذه الطريقة الكئيبة: «خذ وهات». وكأن ليس هناك جريمة مكتملة الأركان تستوجب العقاب، وكأن ليس هناك شيء اسمه «الحق العام» كما تقول لغة القانون.

إن هذه الطريقة في التعاطي مع قضايا الفساد تعني اننا نقدّم مكافأة إلى المتلاعبين، ونشجّع سواهم على المضي في طريق الرشاوى والسرقات. وأكبر دليل هذه الصفاقة في المطالبة برفع سقف راتبه التقاعدي، بينما لو طبقت العدالة لكان مصيره إلى السجن ومصادرة كل ما طالت يداه من أموال هذا الشعب.

الكارثة ان الخبر يتكلم عن التلاعب بملايين الدنانير، والمقدار المتيقن من المبالغ المعترف بالتلاعب بها هو مليون ونصف مليون دينار، الذي يعني بلغة الأرقام، بناء خمسين منزلاً على الأقل للمواطنين ذوي الدخل المحدود، إذا احتسبنا كلفة المنزل بـ 30 ألف دينار بحسب الوضع الحالي، ومئة منزل بأسعار ما قبل عشرة أعوام!

ثم إذا أردنا أن نسترجع الأموال المتلاعب بها، فمن الناحية الاقتصادية، يجب ألا تنسى النيابة العامة احتساب الفوائد عليها، مع احتساب «سنوات التلاعب»، إذا أرادت للعدالة أن تأخذ «نصف» مجراها، إذا قبلنا بأنصاف وأرباع وأعشار الحلول! وإلاّ فالحجة قائمة عليكم، إذ عليكم أن تطلقوا حينها سراح سارق أبواب الالمنيوم من دون محاكمة، وتوفّروا «التعب» على رجال الشرطة والبحث الجنائي، وترك ملاحقة منفذي عمليات تصفير المساجد الشرفاء

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 846 - الأربعاء 29 ديسمبر 2004م الموافق 17 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً