العدد 846 - الأربعاء 29 ديسمبر 2004م الموافق 17 ذي القعدة 1425هـ

إسلام وإرهاب... على أية أرضية يستند الإرهاب الإسلاموي؟

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

قدم صادق جلال العظم محاضرة قيمة في مركز الشيخ إبراهيم الخليفة بتاريخ 21 من الشهر الجاري، بعنوان: «إسلام وإرهاب» تدور محاورها حول علاقة الإرهاب الإسلاموي بحدث 11 سبتمبر/ أيلول وتداعياته. من خلال النقاش صحح العظم التعبير بأن ما يقصده إرهاب إسلاموي وليس إسلامياً.

لن أخوض في تفاصيل ما تلاه من سجالات غنية، فهذه برأيي يجب أن تنشر كاملة لأهميتها، لكنني سأعرض إحدى الاطروحات التي قدمها العظم في سياق المحاضرة وهي مقاربته لمصير الحركات والتنظيمات الإسلامية بالمصير الذي انتهت إليه الحركات والتنظيمات الشيوعية واليسارية، من حيث انسداد الأفق أمامها وأنها لم تعد تشكل حركة واحدة بل مجموعات متناثرة غير مؤثرة لا يجمعها ناظم. في حواري أثناء الندوة طرحت وبشكل مقتضب جداً بما يسمح به الوقت وجهة نظري وهي أن هذه المقاربة خاطئة، وقد يكون الاقتضاب لم يسمح لي بالشرح الكافي ما أثار التباساً لدى الحاضرين وجعل بعض الأصدقاء يعتبون علي وهذا حقهم. ملخص الفكرة التي طرحتها هو أن الحركة الشيوعية تمثلت في بدايتها بتنظيمات وأحزاب مناضلة ومناضلين حقيقيين ولكنها تحولت الى نظم استبدادية سرعان ما انهارت، ولم تحفر لها مكانة راسخة في التاريخ، فهي عابرة في التاريخ. أما الإسلام، وعلى رغم وجود حركات إرهابية باسمه، وهذه محدودة، فإنه شكل ظاهرة حضارية عميقة الجذور على امتداد أربعة عشر قرنا، ورقعة جغرافية على امتداد ثلاث قارات. كما أن العقيدة الإسلامية هي التي يناضل تحت رايتها ملايين البشر ضد الاضطهاد والتهميش والنهب الذي يمارسه الغرب ضد ملايين المسلمين.

كما أننا يجب ألا ننظر إلى الحركات الإسلامية من خلال المجموعات الإرهابية أو المتطرفة فقط، وهي هامشية، بل من خلال الجسم الأساسي الذي يتجه خلال سنواته الأخيرة نحو الاعتدال. فمثلا «الاخوان المسلمون» في مصر قبلوا بالنظام الديمقراطي وخياراته ودخلوا في تحالف مع قوى المعارضة من أجل بديل ديمقراطي. ولا ننسى هنا تجربتي تركيا وماليزيا في التحديث.

الإرهاب... جذور وأسباب

قدم العظم مقارنة بين ظاهرتي الإرهاب اليساري في الغرب والإرهاب الإسلاموي. وأرجع ظهور منظمات إرهابية يسارية ومنها بادرمانهوف في ألمانيا والألوية الحمراء في إيطاليا والعمل المباشر في فرنسا، خلال الستينات والسبعينات الى انسداد الأفق أمام الحركة الشيوعية والماركسية في ضوء انحطاط أنظمة الحكم الشيوعية، وتراجع الحركة الشيوعية في الغرب، واليأس من انتظار من الحتمية التاريخية، فكان لابد من تفجير الأزمة بدل انتظارها. وبرأي العظم فان الاعمال الإرهابية لهذه المجموعات أتت بنتائج عكسية إذ أعطت مبرراً أخلاقياً وقانونياً للنظام الرأسمالي للإجهاز عليها وتهميش القوى الشيوعية واليسارية في الحياة السياسية.

بالنسبة إلى الإرهاب الإسلاموي، فقد واجه المعضلة ذاتها، أي انسداد أفق الحكم الإسلامي سلمياً. وبدأ بمحاولة جهيمان العتيبي ضرب الحكم السعودي في مركزه الروحي في مكة المكرمة، وانتهى الأمر بضرب تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن للولايات المتحدة، في مركزها المالي والتجاري (نيويورك) والعسكري والسياسي في واشنطن. وبرأي العظم فإن ذلك أعطى مبرراً أخلاقياً وقانونياً وسياسياً للولايات المتحدة لتقود ما يدعى حرباً عالمية ضد الإرهاب، أنجزت حتى الآن إسقاط نظام طالبان واحتلال أفغانستان (قاعدة القاعدة) واحتلال العراق، والمضي في تدمير تنظيم القاعدة الدولي بتعاون مختلف الدول بما في ذلك الدول العربية والإسلامية.

طبعاً هناك متشابهات وفروق كبيرة بين الظاهرتين. ان بروز ظاهرة الإرهاب الإسلاموي والمنظمات الإسلاموية المتطرفة، ليس جديداً في ديار وتاريخ المسلمين، إذ ان العنف ملازم للتاريخ الإسلامي ما بعد وفاة الرسول (ص)، بل انه اتخذ طابع التنظيمات منذ عهد الخليفة الرابع الإمام علي (ع)، إذ برزت حركة الخوارج، وبعدها ظهرت حركات متطرفة مثل الحشاشين والزط وغيرهما. إذاً هي ليست طارئة بالنسبة إلى الواقع المعاصر.

أعتقد أن ظهور العنف الإسلاموي ليس رداً على انسداد العمل الإسلامي، أو أزمة في الفكر الإسلامي، بل جاء نتيجة عدة عوامل. من هذه ما يراه دعاة هذا التيار من انحراف الأنظمة الحاكمة باسم الإسلام، والذين يرون أن هذه الأنظمة أصبحت تابعة إلى الغرب الصليبي الكافر. كما أن هذه الحركات ظهرت كرد فعل على ما يعتبرونه غزوة صليبية صهيونية ضد ديار الإسلام والمسلمين، كما تتمثل فيما جرى ويجري في فلسطين والعراق وأفغانستان. وأحد هذه العوامل هو ما يعتبرونه شيوع الردة والكفر في المجتمع الإسلامي. كما يتمثل في مظاهر الفسوق والخروج على الدين وموالاة رجال الدين والحكام للأجنبي وتبريرهم لما يجري. وقد تمثل ذلك الإرهاب في قتل المثقفين (فرج فودة) ومحاولة قتلهم (نجيب محفوظ) أو تكفيرهم (جلال العظم، وأبوزيد). وما يجري في العراق من اغتيال لرموز الاعتدال من رجال الدين والسياسيين والكتاب بتهمة موالاة الاميركان نموذج آخر لذلك.

ويتخذ هذا الاتجاه منحى طائفياً كما هو الحال في العراق، إذ يقوم تنظيم القاعدة بقيادة الزرقاوي باغتيال القيادات الشيعية، وفي الباكستان تجرى عمليات اغتيال متبادلة لرجال دين شيعة وسنة. كما يتخذ طابع العصيان المصحوب بعمليات انتقامية ضد الغربيين كما في حركة الحوثي في اليمن الذي ادعى إمارة اليمن، أو كما جرى ويجري في الجزائر سواء ضد الدولة أو حتى مواطنين عاديين.

إذاً، برزت الحركات الإرهابية أو العنيفة، في ظل مد الإسلام السياسي وليس نتيجة تراجعه، وهناك تداخل طبعاً بين ما يدعى بالتنظيمات الإسلاموية الإرهابية أو العنفية مع تنظيمات إسلامية سياسية، كما أن هناك تناقضات وصلت إلى حد التصفيات الجسدية كما في مصر، الجزائر والعراق. أما الاختلاف الجوهري الثاني، فهو إنه على رغم المشكلات التي تمر بها مختلف التيارات والتنظيمات والحركات الإسلامية، فان تيار الإسلام السياسي ليس مهدداً بالانحسار، بل هو في توسع، في ظل وضع أضحت فيه العقيدة الإسلامية راية النضال ضد الهجمة الأميركية العالمية تحت عنوان مكافحة الإرهاب، والعولمة المتوحشة وسياسات التهميش والاقصاء والازدراء من قبل الغرب ضد الأمتين العربية والإسلامية وحضارتهما ودولهما وقيمهما وعقائدهما تحت شعار «صراع الحضارات ومنظره هنتجتون»، أو «نهاية التاريخ» ومنظره فوكوياما، أو تفوق الحضارة الغربية كما طرحها برلسكوني، وتجسدت عمليّاً في الاستراتيجية الأميركية بفرض الارادة الأميركية على الأمم الأخرى.

وإذا كان هذا التيار التكفيري أو العنفي أو الإرهابي ذا صيت قوي، فإن ذلك مفهوم في ظل ثورة المعلومات، كما أن أي عمل عنيف يطغي على العمل الهادئ. ويظل هذا التيار محصوراً ومحدوداً، في حين أن التيار الأوسع هو التيار المعتدل الذي يميل بغالبيته إلى التواؤم مع العصر ومتطلباته، من قبول بالنظام الديمقراطي وآلياته، والدولة المدنية واحترام حقوق الإنسان، والمواطنة المتساوية وغيرها. وفعلاً فقد تحولت الكثير من التنظيمات الإسلامية من الدعوة إلى إقامة دولة إسلامية الى الدولة المدنية (الاخوان المسلمون في مصر مثلا) وانخرط الكثير منها في آليات العمل السياسي السلمي، ووصل بعضها الى الحكم كما في تركيا، اندونيسيا وماليزيا، إذ قدّمت الأخيرة نموذج الدولة العصرية المتطورة وأقامت تنمية اقتصادية باهرة، في مجتمع غالبيته العظمى إسلامية، تتعايش فيه الأعراق الثلاثة الملاوية، الهندية والصينية، في دولة فيدرالية من عدة سلطنات في ظل نظام برلماني تعددي.

إذاً، فالبديل للإرهاب الاسلاموي والتنظيمات الإسلاموية المتطرفة موجود، لكن انتصاره مرهون بشروط وطنية وإقليمية ودولية وهذا شأن آخر

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 846 - الأربعاء 29 ديسمبر 2004م الموافق 17 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً