بلغ عدد ضحايا زلزال سومطرة وما تلاه من أمواج عاتية (تسونامي) ضربت شواطئ سبع دول في جنوب شرق آسيا وجنوب شرق إفريقيا أكثر من 70 ألفاً، وهناك قرابة 30 ألف مفقود.
هناك كارثة إنسانية وقعت وخلفت الملايين من المشردين من دون مأوى إضافة إلى احتمال تفشي الأمراض والأوبئة اذا لم تسارع الدول الكبرى إلى تقديم العون لاحتواء ما هو أسوأ.
حتى الآن تحركت الكثير من الدول وأرسلت المساعدات، إلا ان الملاحظ هو دور الولايات المتحدة الذي لا يتناسب كثيراً مع حجمها الاقتصادي وامكاناتها المالية وقدراتها اللوجستية. فالمساعدات التي قدمتها أميركا أقل بكثير من المتوقع ولا تمثل شيئاً يذكر من قدراتها وامكاناتها. ويمكن القول ان هناك بعض الدول المحدودة الإمكانات سارعت إلى تقديم العون بما يفوق نسبياً حجم اقتصادها وسوقها وقدراتها المالية.
أميركا هذه يجب إعادة قراءة سياساتها من خلال المصلحة. فهي الدولة الأغنى والأبخل في التاريخ. وهي تعطي أقل بكثير مما تأخذ ولا تقدم الشيء إلا بعد ان تكون ضمنت أضعافه. وفي حال اخذنا المقاييس النسبية نجد ان بعض الدول العربية التي لا تساوي اقتصاداتها مجتمعة حجم شركة احتكارية أميركية كبرى أو لا توازي حجوم ثرواتها النقدية موازنة وزارة واحدة من وزارات أميركا الفيدرالية قدمت الدعم وارسلت المعونات بنسبة أعلى من تلك التي خرجت من مستودعات الولايات المتحدة.
هذه «الأميركا» ليست جمعية خيرية وهي محكومة بمصالح شركات كبرى ولا تكترث كثيراً للمبادئ الإنسانية بل إنها مستعدة لبيع وشراء تلك المبادئ وإعادة توظيفها في صفقة تجارية لا تزيد على مئات ملايين من الدولارات.
حتى الآن يقال إن واشنطن ارسلت مساعدات تقدر بـ 35 مليون دولار لدول فاقت خسائرها المادية قرابة 15 ملياراً من الدولارات. بينما نجد إدارة البيت الأبيض تنفق شهرياً على احتلال العراق أكثر من 6 مليارات دولار، أي بمعدل 200 مليون دولار يومياً. وطالبت الإدارة الكونغرس برفع موازنة الاحتلال إلى 80 مليار دولار للعام 2005.
80 ملياراً للقتل والدمار لمدة سنة واحدة فقط لتمويل قوات لا يزيد تعدادها على 150 ألفا، وهي موازنة تعادل مجموع موازنات مصر وسورية ولبنان وربما الأردن، وهي دول يبلغ تعداد سكانها قرابة 100 مليون نسمة.
أميركا دولة محاربة (إسبرطية)، ولا تقيم للمبادئ أي وزن إلا حين تمسّ الأفكار مصالحها. فهي دولة تقودها شركات كبرى ورجالها في النهاية هم مجموعة وسطاء ينفذون مطالب تلك الشركات. وزير الدفاع دونالد رامسفيلد مثلاً تاجر أسلحة، ووظيفته في الإدارة تأمين الحروب وتنظيمها لتشجيع الكونغرس على الانفاق العسكري. نائب الرئيس ديك تشيني مثلاً تاجر نفط، ووظيفته في الإدارة التعاون مع وزارة الدفاع (البنتاغون) لترتيب أعمال لشركات التنقيب والتكرير والنقل بعد انتهاء فترة القتال... وهكذا.
المسألة إذاً مسألة مال ومصالح، والحروب هي وسيلة أو واسطة لفتح الاسواق وتصريف الأموال وتأمين الأعمال للشركات الكبرى التي لا تشبع مهما توافرت لها كميات الطعام والغذاء. وهذه الشركات مستعدة لكل شيء بشرط أن تكون مصالحها (الخدمات والأرباح) متقدمة على غيرها. فهذه الشركات جاهزة للانفاق حين تجد ان المداخيل ستكون أعلى من المصروفات.
موازنة وزارة الدفاع الاميركية مثلاً للعام 2005 تبلغ أكثر من مجموع موازنات شمال إفريقيا ووسطها وغربها وشرقها. وهذه الموازنة لو أنفقت لسنة واحدة في إفريقيا لانقذت عشرات الدول من الانهيار واسعفت الملايين من البشر واسهمت في الحد من الأمراض والجوع والجفاف.
مطلوب من أميركا أن تتخلى عن موازنة وزارة واحدة لسنة واحدة وهي كافية لتغيير الكثير من وجوه الفقر في افريقيا، وكذلك لكسب قلوب الملايين من الناس. ومع ذلك لا تبادر الولايات المتحدة إلى فعل ذلك بل تفضل انفاق المليارات على القتل والابادة والتشريد وكسب الكثير من الكراهية والارهاب والعنف.
لماذا؟ لسبب بسيط ان أميركا دولة حروب وليست دولة سلام، وهي تميل إلى المصلحة لا إلى المبادئ. وكذلك - وهذا هو المهم - هي دولة غير مستقلة بالمعنى الاقتصادي لأنها محكومة من قبل موظفين انتدبتهم الشركات الاحتكارية الكبرى لتمثيلها في البيت الابيض.
هذه هي أميركا. ولانها كذلك كانت أقل الدول في تقديم المساعدات نسبياً وقياساً باقتصادها ومالها وقدراتها... فالعون الذي قدمته إلى ضحايا المأساة الانسانية في آسيا اقل بكثير من المتوقع. وهذا ليس جديداً عليها فهي تجري على عادتها
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 846 - الأربعاء 29 ديسمبر 2004م الموافق 17 ذي القعدة 1425هـ