العدد 845 - الثلثاء 28 ديسمبر 2004م الموافق 16 ذي القعدة 1425هـ

السينما الرقمية... لم تعرفها بعض الأفلام الكبيرة

نسمع أخيراً عن مصطلح «السينما الرقمية Digital Cinema» الذي أثار الكثير من الجدل لكونه النقلة النوعية الأولى التي ستحصل في تاريخ السينما بشأن كاميرات التصوير... ليس هذا فحسب، بل لكونه يهدد هيمنة هوليوود ويعلن أن السينما ستكون ملكاً وحقاً للجميع... نعم، بفضل هذه التقنية ستكون لك أنت وسبيلبرغ الفرص نفسها في الإخراج...

تعرضت كاميرات التصوير السينمائية خلال مسيرة السينما للكثير من التطويرات لكنها لم تكن تغييرات جذرية، ففي أواخر عشرينات القرن الماضي تغيرت سرعة التقاط الكاميرا من 16 كادراً في الثانية إلى 24 كادراً لتقترب - عبر ذلك التغيير - من سرعة الزمن الطبيعي وتجاري الصوت الناطق، وفي الثلاثينات تمت إضافة بعض القطع إلى الكاميرا رسمياً لتتمكن من التصوير الملون، وخلال عقود مضت يجرى باستمرار تحسين الكاميرات السينمائية إلكترونياً ليكون من السهل ضبطها بمجرد الضغط على أزرار معينة، هذا فضلاً عن التحسينات التي طرأت على مادة السلولويد في الشريط نفسه كيميائياً من أجل أن يقدم صورة أوضح ويبقى مدة أطول... نحن نتفق على أن هذه التطويرات مهمة جداً، لكن - مع هذا - فالكاميرا السينمائية هي نفسها من حيث المبدأ والأساس لتلك التي كانت موجودة قبل قرن فات... مازالت البكرات تدور ولفافات الأشرطة الطويلة الثمينة تسير بلا نهاية... وهذا - في الحقيقة - لا يعد عيباً أو نقصاً، لكن الأمر المثير للغرابة، هو أن هذه الثورة الرقمية الهائلة التي نعيشها، والتي توغلت في منزل كل إنسان معاصر، لا يبدو أنها أثرت في كاميرات التصوير السينمائية أبداً، فالعمل مازال يجري على الطريقة القديمة المكلفة جداً... نحن في حياتنا اليومية نشاهد مئات المحطات على التلفاز التي تأتي بواسطة أجهزة «رقمية»، وأصبحنا نشاهد الأفلام «رقمياً» بواسطة الأقراص المدمجة العادية (VCD) أو الرقمية (DVD)... وأخيراً بدأنا نتناقل الصور والأفلام بين أجهزة الجوال «رقمياً»... كلها وسائط تثبت أن التقنية الرقمية ليست قيد التجربة بل هي مادة استهلاكية يقتنيها الجميع بثقة ويشاهدون عبرها الصور والصوت بنقاء واضح... مع كل هذا، أليس من الغريب أنه لم يخطر في أذهان صناع الأفلام ودور العرض السينمائية في هوليوود أن التعامل مع الكاميرات وآلات العرض الرقمية سيكون مريحاً ومربحاً على جوانب متعددة؟ وفي حال خطر هذا الأمر على أذهانهم، أليس من الغريب أن السينما الرقمية ما زالت لم تـُطبق بعد في صناعة الأفلام الكبيرة؟ وأن الاستديوهات مازالت متعلقة بالأسلوب القديم في التسجيل على لفافات ضخمة ثقيلة وشحنها بالمئات إلى صالات العرض التي تبعد آلاف الأميال؟

الإجابة بسيطة: لا شيء يضاهي جودة ونقاء شريط الفيلم التقليدي (Film)، لكن الأمور تغيرت حديثاً، وتلك الإجابة البسيطة لا تكفي ليحتمي بها أحد رؤساء الاستديوهات... فقد تم التوصل إلى كاميرات سينمائية رقمية كبيرة تمكنت من الوصول إلى جودة تقارب جودة كاميرات السينما التقليدية إلى حد كبير... وكانت البادئة من جورج لوكاس حينما أثبت هذا الكلام عملياً، ليصور أول فيلم روائي طويل ذو موازنة عالية كاملاً من خلال كاميرات رقمية ومن دون استخدام شريط واحد... وذلك في العام 2002 عن طريق فيلم «حرب النجوم The Attack of the Clones»، لكن المؤسف في الأمر أن معظم دور العرض السينمائية قد طالبت الشركة الموزعة بتحويل النتيجة النهائية للفيلم إلى الصيغة التقليدية، لأن صالات العرض - ببساطة - لا تملك أجهزة عرض رقمية تعرض الأفلام الرقمية من خلالها، وإحضار مثل هذه الأجهزة أمر مكلف بالنسبة لدار العرض ليست على استعداد لتحمل نفقاته... لوكاس سيصور الجزء الأخير رقمياً أيضاً، وصرح بأنه لن يعرضه إلا بواسطة بروجكترات رقمية هذه المرة... هنالك الكثير من المخرجين المشهورين الذين يتعاملون مع السينما الرقمية حتى قبل لوكاس، إعلاناً منهم بأن الوقت قد حان وأن السينما الرقمية قادمة في الطريق، أمثال ستيفن سودربرغ وروبرت رودرغز... فضلاً عن المخرجين الشباب الذين بادروا بأنفسهم بصنع أفلامهم المستقلة عن طريق الكاميرات الرقمية الخاصة، وشاركوا بها في مختلف المهرجانات...

ما السينما الرقمية؟

السينما الرقمية ببساطة هي تقنية جديدة في التسجيل والعرض، تتمثل في التعامل مع الصور بمبدأ الصفر والواحد (البت والبايت) أي التعامل مع الصور على أنها إشارات كهربائية ثنائية (رقمية) بدلاً من طبعها وتحميضها كيميائياً على ورق حساس... تماماً كما نلتقط الصور والأفلام في أجهزة الكمبيوتر أو الجوال، إذ لا يوجد شريط، بل لا توجد صورة ملموسة أصلاً، ولكننا نراها ونتناقلها... هذا ما يحدث مع السينما الرقمية، فالكاميرا الرقمية تصور وتخزن المعلومات في ذاكرة إلكترونية موجودة بداخلها بكل هدوء بدلاً من ضجيج البكرات المزعج، وحالما ينتهي التصوير ببساطة يمكن للمصور سحب المعلومات ونقلها إلى جهاز كمبيوتر عادي ثم العبث بها وتحريرها كما يشاء... من دون وجود أي شريط في كامل العملية الإنتاجية... وهنا تظهر نقطة قد لا ينتبه لها الكثير: تطبيق السينما الرقمية سوف يعيد تعريف السينما من الأصل في القواميس، وسيغير تعريف الكثير من المصطلحات المتعلقة بالكاميرا أو بعمليات صنع الفيلم... فالفيلم المتحرك لن يعود مجموعة من الصور المتتابعة المطبوعة على شريط من مقاس معين، الفيلم سيصبح مجموعة أرقام ثنائية... المونتاج لن يكون في أجهزة ضخمة خاصة بالمونتاج بل في جهاز كمبيوتر عادي... على أية حال، هذه التقنية في التعامل مع الصور والأجسام المتمثلة في السينما الرقمية، تسمح للمخرجين بالكثير من المميزات، وتؤدي إلى طرق مختصرة كثيرة في الصناعة السينمائية سنذكرها فيما بعد... والأهم أنها رخيصة جداً بل تكاد تعتبر بالمجان مقارنة بالكاميرات التقليدية وشرائطها باهظة الثمن... كما أن إحدى أهم المميزات هو أنه ومهما تم عرض الفيلم الرقمي ومهما تم نسخه فإن سيل المعلومات ينتقل تماماً كما هو في النسخة الأصل، ما دام القرص الرقمي سليماً في الأساس، بعكس لفافات الأشرطة الحساسة جداً والتي ينبغي التعامل معها بحذر، إلى جانب أن تكرار عرضها أو نسخها أو تعرضها للغبار أو الحرارة أو المجال المغناطيسي يعرضها لخطر كبير يمكن أن يتسبب في إتلافها...

مميزات الكاميرا الرقمية

والآن: لماذا قلنا إن السينما الرقمية هي الموجة العارمة التي ستسود صناعة الأفلام وترمي بالشرائط بعيداً؟ وللإجابة سأذكر ميزات السينما الرقمية والفروقات بينها وبين السينما الحالية بالتفصيل.

- رخص الكلفة وانخفاض الموازنات على أكثر من صعيد... فسعر الكاميرا السينمائية التقليدية يصل في معظم الأحيان إلى نحو 100 ألف دولار، بينما ينخفض سعر الكاميرات الرقمية عن ذلك بكثير... نقطة أخرى، سيودع السينمائيون الشريط العادي المكلف جداً... والذي يكلف طول ساعة واحدة منه نحو 25 ألف دولار... وسيودعون عمليات التحميض المملة التي تجري على الشريط قبل انتقاله لمرحلة المونتاج، بل سيودعون آلات المونتاج المكلفة نفسها .. يقول المصور ريك مكالوم بهذه المناسبة أنهم أنفقوا 16000 ألف دولار من أجل إعداد قرص رقمي مدته 220 ساعة في فيلم حرب النجوم، وكان الأمر سيكلف مليون و 800 ألف لو كان العمل على فيلم تقليدي... ولكي نضرب مثالاً أكثر وضوحاً عن مسألة انخفاض الكلف؛ المخرج جو كيرتس صور فـيـلمــه (پuattro Noza) تصويراً رقمياً، وهو عموماً يدور حول جنون سباقات السيارات التي تجرى في جنوب كاليفورنيا ويشابه كثيراً فيلم (The Fast and the Furious)... بلغت كلفة فيلم جو كيرتس مليون دولار... بينما فاقت كلفة الفيلم الآخر الـ 40 مليون دولار!

- السهولة في خلق وصنع الفيلم والتحكم بلقطاته، ووجود اختصارات للكثير من العمليات المرهقة... ففي النظام التقليدي الحاصل اليوم، يصور المخرج مشاهد الفيلم وعندما تمتلئ البكرة يرسلها إلى غرفة المونتاج من دون أن يعرف ما بالداخل... من الجهة الأخرى، الكاميرا الرقمية مثل ( HDW F009 ) التي عمل عليها لوكاس، تـُمكن المخرج - عند انتهائه من تصوير أي مشهد - أن يعيد عرض ما قام بتسجيله للتو، وهذا مريح جداً له، فهو سيعيد رؤية ما قام بتصويره في الحال ليلاحظ وجود أخطاء قد تكون حدثت سهواً... ثم يكمل التصوير...

أمر آخر، الحاصل اليوم في السينما هو أن عمليات المونتاج لا تبدأ إلا عندما ينتهي التصوير وذلك حينما تمتلئ البكرة، وهو ما يستغرق أياماً... وحالما ينتهي التصوير وينتقل الفيلم إلى عمليات المونتاج، يجب تحويله من صورته الفيلمية إلى صورة رقمية من أجل سهولة ترتيب اللقطات وإضافة المؤثرات إليها... وعند الانتهاء من العمل على الفيلم كاملاً ويجهز للعرض، يعاد مرة أخرى على صورة شريط من أجل أن يُرسل ويوزع إلى دور العرض !... الفيلم كما نرى ينتقل من صورة شريط إلى صورة رقمية ثم يعود لصورة شريط... وعمليات النقل هذه من صورة إلى صورة مكلفة... بينما في السينما الرقمية لا حاجة للتحويل من صورة إلى أخرى بل يجري العمل منذ بدايته وحتى نهايته في الوسط الرقمي نفسه... وإن كان هذا يعني شيئاً فهو أن المخرج بإمكانه التصوير في الصباح ونقل المعلومات لغرفة المونتاج في اليوم نفسه ثم إكمال التصوير في الغد من دون وجود تلك الربكة .. بعبارة أخرى، التصوير والمونتاج سوف يعملان في خطين متوازيين بالوقت نفسه ما يعني إنهاء الأفلام سريعاً

العدد 845 - الثلثاء 28 ديسمبر 2004م الموافق 16 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً