العدد 845 - الثلثاء 28 ديسمبر 2004م الموافق 16 ذي القعدة 1425هـ

احتلال سلمي

عبير إبراهيم abeer.ahmed [at] alwasatnews.com

غالبا ما يركز في موضوع تداعيات زيادة عدد العمالة الوافدة على البلد ومواطنيها على هامش محدد هو منافسة تلك العمالة للمواطن في رزقه وعمله، بل ومزاحمتها إياه وربما التفوق عليه في احتلال مراكز كثيرة ليس لخبرة أو مهارة تتمتع بهما وإنما لظن أنها الأرخص وتتحمل العمل في أدناها وظائف قد تنفر منها نفس البحريني المواطن!

لكن الملاحظ، ووفق شكاوى المواطنين الآخذة في الازدياد يوما بعد يوم، أن هذه العمالة لا تشكل عبئا على المواطن من حيث العمل فحسب، بل الأشد إيلاما ومرارة هو منافستها إياه في حقوق السكن والمأوى أيضا، وهو مطلب لمن هم على حافة العدم من المواطنين وعددهم ليس بقليل أبدا.

هذه العمالة التي قدمت إلى البحرين بغرض توفير مبلغ من المال يؤهلها لسكن القصور وشراء الأراضي في ديارها، ما لبثت أن سكنت البلاد وزاحمت العباد فيها فأخذت بالتزاوج والتكاثر وفي تنظيم عجيب يستدعي منا نحن أن نقف عنده لربما خرجنا بشيء ينظم حياتنا «المعفوسة»، وما المانع من الاستفادة من تجارب الآخرين وأخذها عبرة لمن لا يعتبر!

التنظيم الذي اتبعته تلك العمالة يقوم على السكن بشكل متجاور تماما مع غيرهم من الوافدين، وفي الغالب يكونون من الجنسية نفسها، ومع مرور الوقت وبالتزاوج والتكاثر كما ذكرنا، أسست تلك العمالة البنية التحتية لأحياء تخصها وحدها لا يتجرأ أي بحريني على السكن فيها وإلا كان كما الغريب الذي يجب الحذر منه وقد يتعاون الولد وابن عمه عليه!

ذلك التنظيم لا يقتصر فقط على السكن، بل يتعدى ذلك إلى العمل وفق تخطيط استراتيجي يقوم على المشاركة في مشروعات قد تبدأ بسيطة وعادية كغسيل السيارات مثلاً أو فتح محل صغير لبيع الأقمشة أو بقالة صغيرة في أحد الأحياء، وهذه المهن قد يتشارك فيها أكثر من 20 فرداً على أقل تقدير، وشيئا فشيا ترى هؤلاء قد احتلوا لهم موقعا لا يجرؤ أيٌ كان على أن يزاحمهم فيه... موقف للسيارات القائمين على غسلها فيه كلهم من بلد واحد، شارع بكامله محلاته كلها تملكها فئة محددة وقد تزاول كلها النشاط نفسه وتبيع البضاعة نفسها ومع ذلك يبقون في تراص وتكامل وإن خلصت بضاعة من محل يجلبها إليك من جاره والنقود في جيبه هو وليست في جيب صاحبه!

الغريب أن هذه العمالة قد تمركزت غالبيتها في العاصمة المنامة وكأنها قد عمدت إلى تخصيص أحياء سكنية ومواقع تجارية كلها لها هي دون غيرها، ولا مكان فيها للبحريني أبدا... عاصمة للبلد غالبية سكانها من خارج البلد؟!... أتساءل عن حال الزائر لها والواضع في اعتباره أنها العاصمة، أي واجهة البلد ومركزها الأساسي، حين يجول ببصره في أرجائها فيبحث عن مواطنين بالثوب الأبيض والغترة والعقال ونساء يتشحن بسواد العباءة الخليجية فيكل ويتعب من طول البحث وكأنه يبحث عن إبرة في كومة قش! وواقع الحال تفنده أيام الجمع المباركة في الأسواق عموما وسوق المنامة تحديدا... أفواج من الآسيويين يجعلونك أنت نفسك تشكك في أنك في بلدك العربي الخليجي فما بالك بذلك الزائر المكتشف؟! ترى هل سيبقى محتفظا في ذاكرته بأنه في زيارة لبلد خليجي هذه عاصمته، أم أنه سيصحو من غفوته على واقع أنه في إحدى البلاد الآسيوية؟!جل ما نخشاه أن يكون ذلك بداية لاحتلال سلمي لا يحتاج إلى مدافع ولا دبابات ولا طائرات وصواريخ فنحن رحبنا به واستقبلناه بصدر رحب كوننا شعبا مضيافا فنصحو بعد فوات الأوان لنكتشف بأننا تنازلنا عن الأرض كلها لغير أصحابها فلا نفع لعلو أصوات ولا للتظلم... فتضاف بلدنا إلى فلسطين والعراق وتبقى قضايانا ملفا يناقش في المحافل الدولية إلى أبد الآبدين من دون الوصول إلى نتيجة!... والقانون لا يحمي المغفلين فهلا نظرنا إلى تلك التنظيمات السلمية بعين واعية لا تغفو لها جفن ولا تفوتها فائتة

إقرأ أيضا لـ "عبير إبراهيم"

العدد 845 - الثلثاء 28 ديسمبر 2004م الموافق 16 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً