تقع مدينة بيت لحم في الضفة الغربية بين مدينتي الخليل والقدس، وتمتد على هضبتين يصل أعلاها إلى 750م فوق مستوى سطح البحر، وهي جزء من الجبال والهضاب الوسطى في فلسطين التي تنتشر موازية لغور الأردن والبحر الميت.
وتشير رسائل تل العمارنة إلى أن اسم بيت لحم يرجع إلى اسم مدينة جنوب القدس عرفت باسم بيت ايلو لاهاما أي بيت الإله لاهاما أو لاخاما، وهو إله القوت والطعام عند الكنعانيين، وكانت تعني عند الآراميين بيت الخبز، ومن هنا جاءت التسمية.
وبيت لحم مدينة كنعانية قديمة سكنها الكنعانيون نحو سنة 2000 ق.م، ثم توالت عليها مجموعات من القبائل المختلفة في معتقداتها الروحية، وكانت غالباً في حال من الصراع والتناحر فيما بينها، ومن بين هذه القبائل القبائل اليهودية الكنعانية، وهي قبائل لا تربطها بالصهيونية الحالية أية روابط تاريخية أو عقائدية، لأن مسألة الشعوب والأمم جاءت في حقب متأخرة من مراحل التاريخ البشري بعد أن أقيمت الدول ورسمت الحدود وتطورت الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
ووفق المؤرخين فقد مر بالمدينة يعقوب (ع) ودفن زوجته التي توفيت هناك ويعتقد أن قبرها موجود عند منطقة قبر راحيل. وولد فيها النبي داوود واستخدمها النبي سليمان مصيفاً له.
في القرن الحادي عشر قبل الميلاد تمكن الفلسطينيون من دخول المدينة بعد أن قتلوا شاؤول، ثم تمكن داوود (ع) من استردادها، وتولى بعده الحكم ابنه رحبعام الذي حوصر في المدينة العام 937 ق.م، ثم دخلت تحت الحكم الروماني، وبنى فيها الحاكم هيرودوس قلعة يلجأ إليها زمن الحرب، ثم بنى فيها الامبراطور الروماني العام 103م معبداً للإله ادونيس فوق كهف السيد المسيح، ويقال إن هذا الامبراطور اعتنق المسيحية سراً، وخشي على الكهف أن يندثر قبل أن تنتشر الديانة المسيحية، وفي العام 314م أمر لامبراطور قسطنطين بحرية العبادة والأديان.
وفي العام 330م قامت الامبراطورة هيلانة ببناء كنيسة المهد في بيت لحم وكنيسة القيامة في القدس، وتعرضت كنيسة المهد للهدم على يد السومريين، فجاء الامبراطور جوستينان الأول وقام ببناء الكنسية من جديد، كما بنى سوراً حول المدينة وبقي هذا السور حتى العام 1448، إذ أمر السلطان المملوكي بهدمه، أما الكنيسة فباقية إلى اليوم.
تعرضت المدينة إلى الغزو الفارسي العام 614، ولم يهدموا الكنيسة لوجود صورة للمجوس وهم ساجدون أمام السيدالمسيح على لوحة من الفسيفاء، وفي العام 648م دخلت المدينة تحت الحكم الإسلامي، وزارها الخليفة عمر بن الخطاب وصلى هناك وكتب سجلاً للبطريرك صفرونيوس بألا يصلي في هذا الموضع من المسلمين إلا رجل بعد رجل، ولا يجمع فيها صلاة ولا يؤذن فيها ولا يغير فيها شيء. وعاش أبناء الديانتين المسيحية والإسلامية في هذه المدينة بروح من الإخاء والتعاون، يمارسون شعائرهم الدينية ونشاطاتهم الاقتصادية والاجتماعية. وتعرضت لفترات من المد والجزر بحسب الحكم القائم، ومن أكثر العهود ازدهاراً بالنسبة إلى بيت لحم هو زمن هارون الرشيد 786 -809م والدولة الفاطمية 952 - 1094م، إذ راجت التجارة وتيسرت الحرية والأمن ورممت الكنائس وأماكن العبادة. ودخلت المدينة تحت الحكم الصليبي في السادس من يونيو/ حزيران 1099، بقيادة تنكرد فدمر المدينة وأحرقها ولم يتبقَّ منها إلا كنيسة المهد، ودام الحكم الصليبي لها حتى العام 1187 إذ عادت لأصحابها بعد انتصار المسلمين بقيادة صلاح الدين الأيوبي على الصليبيين في معركة حطين.
وفي العام 1229 عادت مدينة بيت لحم لحكم الصليبيين بموجب الاتفاق الذي وُقِّع بين ممثلي الخليفة الكامل فخرالدين وأمير أربيل صلاح الدين وممثلي الامبراطور فريدريك، وفي العام 1244 تمكن المسلمون بقيادة نجم الدين من استعادة المدينة بشكل نهائي، قام بعدها الظاهر بيبرس بدخول المدينة العام 1263 ودمّر أبراجها وهدم أسوارها، وفي العام 1517 دخلت المدينة تحت الحكم العثماني، وبعد تطور وسائل النقل والمواصلات تحولت المدينة إلى مركز جذب مهم للحجاج القادمين من أوروبا وانعكست آثاره على الأوضاع في المدينة فازدهرت صناعة الصوف والخزف وغيرها، إلا أن سوء الأوضاع الاقتصادية دفع الكثير من أبنائها إلى الهجرة خارجها.
وفي العام 1917 دخلت مع باقي مدن فلسطين تحت النفوذ البريطاني بعد هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى، واتخذها الإنجليز مركزاً لضرب الثوار الفلسطينيين الذين قاوموا الاحتلال الإنجليزي والعصابات الصهيونية.
وفي 27 مارس/ آذار 1948 نشبت في موقع الدهيشة ببيت لحم معركة كبيرة بين الثوار الفلسطينيين والمستوطنين الصهانية المكونين من 250 عسكرياً و54 سيارة تدعمهم 4 مصفحات، وتغلب الفلسطينيون عليهم وأجبروهم على الاستسلام. وفي أعقاب حرب 1948 وإجبار أكثر من مليون فلسطيني على الهجرة من ديارهم، لجأ إلى المدينة قرابة خمسة آلاف استقروا في ثلاثة مخيمات هي: الدهيشة، عايدة والعزة. وفي العام التالي دخلت تحت الحكم الإداري بعد توقيع اتفاق الهدنة، واستمرت كذلك حتى العام 1967 عندما وقعت تحت الاحتلال.
كان عدد سكان مدينة بيت لحم 6658 نسمة بحسب إحصاء 1922، ارتفع إلى 9780 نسمة العام 1948، وإلى 14860 نسمة العام 1949 بعد لجوء أعداد كبيرة من اللاجئين إليها.
مارس السكان الكثير من الأنشطة الزراعية والصناعية والسياحة ونالت بيت لحم قسطاً وافراً من التعليم منذ زمن بعيد وأقيمت أولى المدارس فيها منذ أكثر من 200 عام بسبب الطابع الديني الغالب على المدينة ووجود إرساليات واديرة. وقامت الكثير من المدارس الخاصة منذ زمن بعيد، ووصل عدد المدارس العام 1978 إلى 31 مدرسة يدرس فيها 8300 طالب. كما أقيمت في المدينة جامعة بيت لحم لتضم عدداً من الكليات لتعليم العلوم والآداب والتمريض، والمعلمين والفنادق، ومازالت المدينة القديمة ماثلة الآن للعيان، وهي ذات الأبنية القديمة المبنية من الحجر الكلس والأبواب والنوافذ ذات الأقواس، والمباني فيها ملتصقة ببعضها، وهي مقسمة إلى حارات، كل حارة تشكل كتلة ملتصقة لكي يسهل الدفاع عنها ثم غزت المباني الحديثة المدينة. ومن أبرز معالم المدينة كنيسة المهد التي أنشأتها الامبراطورة هيلانة العام 335م ودمرها السومريون العام 529م، ثم أعيد بناؤها على يد الامبراطور جوستينيان الأول لتبقى إلى يومنا هذا. وكذلك كنيسة القديسة كاترينا أقيمت في القرن الثاني عشر وتم توسيعها عدة مرات وتقام فيها الاحتفالات السنوية بعيد الميلاد
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 845 - الثلثاء 28 ديسمبر 2004م الموافق 16 ذي القعدة 1425هـ