أمضينا الآن عاماً كاملاً منذ أن انطلق مجلس التنمية الاقتصادية في طرح أفكار مهمة جدا عن سوق العمل ومستقبل البحرين... مجلس التنمية طرح مشروع مستقبل البحرين مستعيناً بالخبرات النوعية، سواء من شركة «ماكينزي» ذات السمعة الدولية، أو الأساتذة الناشطين في مجال الادارة والاقتصاد في أميركا، سويسرا، ألمانيا وبريطانيا.
ردود الأفعال كانت متنوعة بحسب هذه الجهة أو تلك، ولكن كان الجميع ينتظر من القطاع الخاص ان يقول كلمته... ذلك لأن الجميع يتحدث عن أن المستقبل بيد القطاع الخاص وأن هذا القطاع هو المؤهل للتوسع بينما تسعى التوجهات الدولية الناجحة إلى تقليص القطاع العام.
القطاع الخاص، ممثلاً بصورة أساسية في غرفة تجارة وصناعة البحرين، بدا وكأنه يتصرف على أساس رد الفعل، وهو ما يضر بموقفه العام. فالغرفة تمثل أصحاب الأعمال، وهؤلاء كانوا قبل عهد النفط عصب الاقتصاد ولا يمكن لأي قرار يتخذ من دونهم. ولكن مع اكتشاف النفط وازدياد المردودات في منتصف القرن الماضي تجاهلت الحكومة رأي القطاع الخاص. بل أصبح كثير من أصحاب الأعمال من المرعوبين سياسياً بحيث لا يتوقع المرء أن يحصل منهم على أي موقف خوفاً على أنفسهم من عقاب حكومي يمنع عنهم المناقصات.
ولكننا بدأنا الدخول في عصر ما بعد النفط، والدخل النفطي الذي نحصل عليه من حقل «أبوسعفة» وازدياد سعر البرميل لا يخفي واقع الحال الذي يقول ان البحرين دخلت فعلا عصر ما بعد النفط وان ما لديها لا يكفي الجيل المقبل وان السنوات العشر المقبلة ستشهد ازدياد الضغط على الاقتصاد وتدني مستوى المعيشة لمعظم البحرينيين.
وعلى هذا الأساس، عاد الحديث عن القطاع الخاص، وأصبحت الغرفة في قلب المعركة على رغمها. وبعد عدة أشهر من ردود الأفعال، بدأت الغرفة أخيرا التفكير في الامساك بزمام المبادرة في الحوار بشأن المستقبل. وعليه تأسست لجنة داخل الغرفة للنظر في كيفية الدخول في الساحة السياسية استعداداً للانتخابات البرلمانية في 2006 للتأثير على الحوارات الحالية التي بدت وكأنها تتجه يمنة ويسرة وبشكل متناقض لا يخدم مستقبل البحرين في شيء.
كما بدأت الغرفة في التفكير في قيادة حوار نوعي يجمع عقول البحرين حول المستقبل الاقتصادي للبلاد، ومن خلال هذا الحوار يتم تحديد معالم الأنموذج الاقتصادي الحالي وايجابياته وسلبياته والتحديات المستقبلية التي تواجهه. ويتطور الحوار ليحدد صورة عن المستقبل المنشود ومن ثم مقارنة هذه الصورة بما طرحه مجلس التنمية أو ما سيطرحه قريباً عند الحديث عن الاصلاح الاقتصادي المنشود.
إن الغرفة من حقها أن تمارس دورها في دائرة القرار الوطني على أعلى المستويات، هذا إذا كنا جادين في توفير المناخ المناسب للقطاع الخاص لقيادة المستقبل بصورة أفضل مما نحن عليه الآن. على أن التغيير يعني الاستعداد لتحمل أعباء العملية التغييرية التي تتطلب التضحية ببعض ما تعودنا عليه حاليا. والتجارب الناجحة تقول ان الجماعة التي تشعر بأنها جزء من القرار، وتقتنع بالمصالح المشتركة والعليا لمستقبل البلاد، هي على استعداد لبذل الجهد والتضحية بشكل يتناسب مع ما هو متوقع من نتائج ايجابية.
والغرفة وهي تتحرك سياسياً واقتصادياً وتستعيد نشاطها الذي ضمر خلال العقود الماضية عليها أن تطرح نفسها بصورة أكثر حزماً وأن تعبر عن نفسها بصورة تمكنها من شحذ همم اصحاب الاعمال باتجاه التغيير، وأن تثق بانتهاج خط يؤهلها لأن تكون شريكاً للحكومة (وليس تابعاً ذليلاً لها)، لأن الشريك يبدع ويطور، أما التابع فيخاف ويهرب من المسئولية
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 845 - الثلثاء 28 ديسمبر 2004م الموافق 16 ذي القعدة 1425هـ