العدد 845 - الثلثاء 28 ديسمبر 2004م الموافق 16 ذي القعدة 1425هـ

تعزز القطيعة مع ماضي خروق حقوق الإنسان خلال سنوات الرصاص

إجماع بشأن جلسات الاستماع للضحايا المغاربة:

كان للقرار المغربي بعقد جلسات للاستماع لضحايا ما بات يعرف في المغرب بـ «سنوات الجمر والرصاص» من المعتقلين والمختطفين، والتي اعتبرت سابقة من نوعها في العالمين العربي والإسلامي ردود فعل مغربية ودولية سياسية وحقوقية أجمعت على الإشادة بهذه الخطوة التي واكبتها حملة إعلامية داخلية وخارجية حتى أن بعض المعارضين المغاربة اعتبروها بمثابة دعاية وبروغاندا موجهة للخارج بدليل استمرار بعض ممارسات الماضي التي ازدادت حدتها بعد تفجيرات الدار البيضاء الإرهابية في شهر مايو/ أيار 2003.

فقد ثمن عدد من زعماء الأحزاب السياسية مبادرة «هيئة الإنصاف والمصالحة» بتنظيم جلسات الاستماع لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان بوصفها آلية للمكاشفة وخطوة جريئة نحو القطع مع الخروق التي شابت مغرب الستينات والسبعينات والثمانينات والتسعينات. وأجمعوا في تصريحاتهم عقب جلسة الاستماع الأولى «على أن هذه المبادرة درس للأجيال المغربية عن التضحيات التي قدمها أبناء المغرب من أجل ترسيخ دولة الحق والقانون».

وأشاد رئيس مجلس النواب وعضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي عبدالواحد الراضي بهذه الجلسات كـ «مبادرة إيجابية» و«التزام قوي» من قبل الدولة التي قررت «الاعتراف بالمسئولية» فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، مؤكدا أن الدول والشعوب القوية وحدها قادرة على الانخراط في مثل هذا المسلسل «الأول من نوعه في العالم العربي والإسلامي»، والذي لا تحركه روح الانتقام بل الرغبة في تحصين البلاد من أي تراجع في مكاسب حقوق الإنسان والديمقراطية.

من جهته، اعتبر الوزير السابق والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية إسماعيل العلوي هذه الجلسات خطوة إضافية على درب الديمقراطية وصيانة حقوق الإنسان و«فضاء للمكاشفة تمكن من طي صفحات أليمة من تاريخنا». وقال إنه يعول على المفعول السيكولوجي لهذه الجلسات من أجل استرجاع اعتزاز المغاربة بمواطنتهم»، مشدداً في الوقت ذاته على ضرورة «التحلي باليقظة والحرص على عدم تكرار أي مساس بحقوق الإنسان وألا يقع أي تراجع عن المكتسبات التي تم تحقيقها بالكثير من التضحيات».

الأمين العام للحزب الاشتراكي الديمقراطي عيسى الورديغي وصف جلسات الاستماع بأنها «لحظة قوية في تاريخ المغرب المعاصر ينظر فيها الشعب عبر شاشات تلفزيوناته إلى تاريخه وما عاناه أبناؤه عبر أجيال متعاقبة من أجل تكريس الديمقراطية والعدالة الاجتماعية»، وقال إنه مع الإقرار بالعمل الذي تقوم به «هيئة الإنصاف والمصالحة»، فان الضمانة الطويلة الأمد لإنجاح المسلسل هي مواصلة العمل نحو تعميق المسلسل الديمقراطي.

في السياق نفسه، قال القيادي باليسار الاشتراكي الموحد والمعتقل السابق أحمد حرزني «إننا كمغاربة نجتاز امتحاناً حاسماً كدولة وكفاعلين سياسيين ومدنيين»، موضحا أن الجلسات فرصة للدولة لتبرهن على عزمها القطع مع الممارسات التي شابت العهد الماضي، وفرصة للديمقراطيين ليبينوا أن الحافز من وراء مسلسل المكاشفة هذا «ليس هو الحقد أو الرغبة في الانتقام بل المساهمة في طي صفحة الماضي والعمل على استكمال البناء الديمقراطي وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية»، معتبراً أن الحقيقة التي تشكل شعار هذه الجلسات «ليست مهمة شهر أو شهرين، بل رهان مفتوح أمام الأكاديميين والمثقفين، المدعوين إلى الاشتغال بعمق على ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان... فالأمة جمعاء مدعوة للمشاركة في دفن هذا الماضي».

وفيما يخص رد فعل الساحة الحقوقية في المملكة، اعتبر ممثلو عدد من الهيئات ومنظمات المجتمع المدني المهتمة بحقوق الإنسان في المغرب أن جلسات الاستماع لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان تعزز فرادة التجربة المغربية في القطع مع الخروق التي شابت الماضي. وأكدت الشهادات التي حضر أصحابها الجلسات «أن هذه المبادرة تعتبر خطوة شجاعة تتيح لمختلف أجيال المغرب قراءة الصفحات الأليمة من الماضي الحقوقي للبلاد في أفق طيها بشكل نهائي».

وأبرز الرئيس السابق للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان وعضو هيئة الإنصاف عبدالعزيز بناني «أن الجلسات مرحلة أساسية في مسلسل طي صفحة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان»، مشيرا إلى أن «صوت الضحايا وصل إلى المجتمع المغربي وأيضا إلى المجتمع الدولي بالنظر إلى المتابعة الاعلامية الدولية المكثفة لأطوار الجلسات»، مثمناً شهادات الضحايا التي «غابت عنها روح الانتقام، وحضر هاجس وحيد فيها، هو الحقيقة».

وعن شرط عدم التصريح بأسماء المسئولين عن الانتهاكات خلال الإدلاء بالشهادات، قال بناني إن الهيئة تصرفت وفق منطق تأسيسها، فهي ليست هيئة قضائية، والقضاء هو المؤهل وحده لكشف الأسماء وتوجيه التهم. وأضاف موضحا: «الهدف هو كشف الحقيقة والوقوف على مسئولية الأجهزة وليس الأشخاص».

من جهته، لم يخف رئيس «مركز توثيق حقوق الانسان» الحبيب بلكوش شعوره بقوة اللحظة التاريخية التي تمثلها هذه الجلسات، والتي «لا تتكرر كثيرا في حياة الشعوب». وأهمية هذا المنبر الذي يسمح للضحايا بتقديم شهادات حية من أجيال متعددة عن الانتهاكات التي عرفها المغرب، معتبرا أن فرادة التجربة المغربية في تدبير هذا الملف تكمن في كون هذه التطورات تحدث في إطار استمرارية النظام السياسي، ما يكشف عن إرادة سياسية في السير قدما على طريق البناء الديمقراطي.

دوليا، أكد ناشطان في مجال حقوق الإنسان أن جلسات الاستماع العمومية لضحايا الانتهاكات سابقة تكرس الموقع الرائد للمغرب في تدبير ماضي خروق حقوق الإنسان وتدعو الى استلهامها كنموذج يحتذى إقليميا ودوليا.

واعتبر مستشار المركز الدولي للعدالة الانتقالية مارك فريمان أن هذه الجلسات تشكل «سابقة مهمة جداً» بالنسبة إلى مجموع العالم العربي والإسلامي، إذ توقع أن يكون لهذه المبادرة تأثير قوي على المغاربة عموما والشباب خصوصا، معرباً عن أمله في أن تنتج التجربة المغربية «مفعولاً وقائياً» ضد أية انتهاكات مستقبلية لحقوق الانسان.

وأشاد فريمان الذي حضر جلستي الاستماع الأوليين بما أسماه الإضافة النوعية التي تقدمها جلسات الاستماع لهذه الآلية الحقوقية على المستوى الدولي، وكذا بتنوع وثراء الشهادات المقدمة، التي تغطي مختلف أصناف الانتهاكات والضحايا والمناطق المعنية.

ومن جهته، اعتبر العضو المؤسس للرابطة التونسية لحقوق الإنسان خميس الشماري «أن جلسات الاستماع لحظة مهمة جدا، لحظة محاسبة من دون انتقام» لماضي الانتهاكات، تعبر عن «إرادة أكيدة لطي الصفحة بعد الأخذ في عين الاعتبار واجب صيانة الذاكرة وتأمين جبر الضرر للضحايا».

وعن تأثير التجربة المغربية في فتح صفحات ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان قال الشماري «إننا سنسعى في المرحلة الحالية لنقدم عصارة هذه التجربة على أجندة جميع الحركات الحقوقية»

العدد 845 - الثلثاء 28 ديسمبر 2004م الموافق 16 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً