تواصل الصحف الأميركية رصد التطورات في منطقة الشرق الأوسط وخصوصا على مستوى الملف الفلسطيني وفي حين أثار التساؤلات «الشرط» الذي وضعه الرئيس الأميركي جورج بوش أمام الفلسطينيين بأن تبدأ عملية السلام بينهم وبين الإسرائيليين بإحلال «الديمقراطية الفلسطينية» وخصوصا أن هذا الأمر يثير شكوك المسئولين الإسرائيليين لأنه لا يمكن تطبيق الديمقراطية الفلسطينية في المستقبل القريب. وبرز مقال لكاتب أميركي أسف لأن من ينشر الأجواء الإيجابية بشأن وجود فرص جديدة للسلام لا يعرف عما يتحدث لأن طروحاته اليوم لا تتناسب مع سجلات بوش وشارون خلال السنوات الثلاث الماضية! بينما أكد أحد التقارير على هامش قراءة «نية» بوش تعزيز العلاقات مع أوروبا خلال ولايته الثانية، أن تباينا واضحا بين الأميركيين والأوروبيين في مقاربة الملف الفلسطيني عازيا الانزعاج الأوروبي إلى حديث بوش الدائم عن إقامة دولة فلسطينية بينما يواصل منح «إسرائيل» الضوء الأخضر لجميع تحركاتها. من جهته، استغرب ديفيد بروكس في «نيويورك تايمز» كيف وصل الشرق الأوسط إلى هذه الأجواء الإيجابية بعد سلسلة من التطورات التي وصفها بالمؤسفة. وتساءل كيف بلغت المنطقة هذه المرحلة التي شهدت توقيع مصر على اتفاق التجارة الحرة مع «إسرائيل» وواشنطن؟ كما شهدت جولة للرئيس المصري حسني مبارك على دول الخليج لإقناعها بتحسين علاقاتها مع «إسرائيل»؟
وتشهد الأراضي الفلسطينية المحتلة فرصة جديدة للديمقراطية تتمثل في تنظيم انتخابات رئاسية قد يفوز فيها مرشح طالب أخيرا بوقف العنف (في إشارة إلى أبو مازن)؟. واستغرب بروكس، هذه التطورات الإيجابية بعد سلسلة من التطورات التي وصفها بالمؤسفة والتي عددها خلال مقاله. فاعتبر في البداية أن أكثر ما يمكن الأسف عليه كان انتخاب ارييل شارون الذي يجمع العالم على اعتباره رجل حرب، رئيسا للوزراء في «إسرائيل». كما انه من المؤسف أن يعاد انتخاب بوش لولاية ثانية بعد أن أغرق إدارته بالمخططين الموالين لتكتل «ليكود» الذين عمدوا إلى شن حروب لصالح تل أبيب. وأشار إلى أن المراقبين يتفقون على أن أميركا أشعلت العالم العربي وفقدت دورها كوسيط نزيه في عملية السلام. وأضاف معبرا عن أسفه من الخطاب الذي ألقاه بوش في 24 يونيو/حزيران 2002 حين أعلن أن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عقبة في وجه السلام على رغم كونه يجسد القضية الفلسطينية. وأشار بروكس، أيضا إلى انه كان من الخطأ بناء الجدار الفاصل في الضفة الغربية الذي يعزز مبدأ التمييز العنصري، وتنفيذ عمليات اغتيال بحق قادة «حماس» والتي أدت إلى تداعيات كارثية.
وأورد بروكس، انه من بين التطورات المؤسفة أيضا عدم إرسال بوش لأي موفد سلام إلى الشرق الأوسط لمحاولة فتح قنوات الحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين وإحياء «خريطة الطريق». وخلص المعلق الأميركي إلى أن كل الأطراف التي تحاول اليوم أن تعطي انطباعا على تحسن الأجواء ووجود فرص جديدة للسلام في المنطقة لا تعرف عما تتحدث لأن طروحاتها اليوم لا تتناسب مع سجلات بوش وشارون خلال السنوات الثلاثة الماضية. وعلق جاكسون ديهل في «واشنطن بوست» على طلب الرئيس بوش الأخير بأن تبدأ عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بإحلال الديمقراطية الفلسطينية. ولاحظ أن هذا الطلب لم يواجه بمعارضة تذكر في واشنطن ورام الله، غير انه قوبل بالشك على الجانب الإسرائيلي. وأوضح أن الشرط المسبق الذي وضعه بوش لاستئناف عملية السلام أثار شكوكا في صفوف الطبقة السياسية في «إسرائيل». لافتا إلى أن البعض اعتبر انه لا يمكن تطبيق الديمقراطية الفلسطينية في المستقبل القريب. ولفت ديهل إلى أن بعض الإسرائيليين تساءلوا أيضا انه في حال وافق الزعماء الذين سيخلفون الرئيس عرفات على وقف العنف والتوصل إلى تسوية معقولة، هل ستحتمل الدولة العبرية الانتظار إلى حين يصل الفلسطينيون إلى مستويات الديمقراطية الغربية لتستأنف محادثات السلام معهم؟ من جهة أخرى رأى ديهل، انه فضلا عن أن الإسرائيليين يرون صعوبة في إحلال الديمقراطية على الجانب الفلسطيني في وقت قريب، فإنهم يشككون في إمكان التوصل إلى اتفاق بين الطرفين على رغم أن كل المؤشرات تؤكد احتمال سيطرة التيار المعتدل على مرحلة ما بعد عرفات عبر فوز «أبو مازن» في انتخابات رئاسة السلطة. وأوضح أن أبو مازن، سيكون مقيدا بما وصفها بـ«وديعة عرفات» التي أعاد (أمين سر فتح في الضفة) مروان البرغوثي أخيرا التذكير بها في لائحة تتضمن 18 مطلبا من شأنها أن تقتل أية محادثات قبل أن تبدأ. ومن بين هذه المطالب ضرورة انسحاب «إسرائيل» من الأراضي الفلسطينية قبل بدء المفاوضات بالإضافة إلى رفض عقد اتفاقات مؤقتة أو جزئية مع «إسرائيل» فضلا عن المحافظة على مبدأ المقاومة المسلحة. وأضاف ديهل، انه حتى لو رغب أبو مازن في عدم الالتزام بهذه الأجندة فإن البرغوثي من جهة وحركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» من جهة أخرى، سيصوران عباس على انه ليس ممثلا للشعب الفلسطيني وسيساهمان بالتالي في إضعافه. ونشر غلن كيسلر في «واشنطن بوست» تقريرا لاحظ فيه تقاطعا بين هدفين توأمين للسياسة الخارجية الأميركية هما تحسين العلاقات الأميركية - الأوروبية واستئناف محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. موضحا أن الرئيس بوش ومساعديه لطالما كرروا أنهم يريدون تحسين العلاقات مع الحلفاء الأوروبيين خلال الولاية الثانية للرئيس الأميركي، على أن يبدأ ذلك بزيارة يقوم بها بوش للدول الأوروبية في فبراير/شباط المقبل. كما أن بوش، يرى أن رحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات شكل فرصة جديدة لاستئناف محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. غير أن كيسلر، نقل ترجيح مسئولين في الإدارة الأميركية وآخرين أوروبيين بأن يتضارب الهدفان التوأمان للأميركيين في العام المقبل لأن ثمة أمورا تفرق بين إدارة بوش والأوروبيين بشأن اختيار المسار الذي يجب سلوكه في الشرق الأوسط. ولفت إلى أن الأوروبيين ألمحوا إلى انهم يعتقدون بأن رغبة بوش في الالتزام بوجهة نظرهم بشأن المسألة الفلسطينية - الإسرائيلية ستكون اختبارا حقيقيا لصدقية بوش في تحسين العلاقات الأميركية - الأوروبية. وذكّر كيسلر، بما قاله وزير الخارجية الفرنسي ميشال بارنييه هذا الشهر بأن اختبار النوايا لتحسين العلاقات الأوروبية - الأطلسية يكمن في القدرة على إحياء مسار السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
أما صلب الخلاف الأميركي الأوروبي بشأن مقاربة النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، فهو بحسب كيسلر، الانزعاج الأوروبي من أن بوش يصرح بأنه يريد المساعدة في إقامة دولة فلسطينية بينما يواصل منح «إسرائيل» الضوء الأخضر لجميع تحركاتها. ونسب في هذا السياق إلى دبلوماسي أوروبي رفض الكشف عن اسمه، بأن الدول الأوروبية تريد من الولايات المتحدة أفعالا وليس أقوالا فحسب. وفي المقابل، أشار كيسلر، إلى أن مسئولي الإدارة الأميركية يرفضون الرأي الأوروبي القائل بأن الضغط الأميركي على «إسرائيل» هو الحل لوقف النزاع. في حين نقل عن مسئول في إدارة بوش، أن الضغط على «إسرائيل» ليس هو الحل فالطريق إلى السلام لا يكون بالضغط على دولة ديمقراطية تتمتع بضوابط بالغة الأهمية على تحركاتها
العدد 845 - الثلثاء 28 ديسمبر 2004م الموافق 16 ذي القعدة 1425هـ