اكد البروفيسور المساعد للاقتصاد بجامعة جورج تاون طارق يوسف أن مشروعات الإصلاح بالمنطقة يجب أن تأخذ في اعتبارها الكثير من القضايا الهيكلية بشأن القطاع الخاص ودوره في عملية الإصلاحات وكيف تتم إعادة تكوينه، إلى جانب القضايا المتعلقة بالاندماج في الاقتصاد العالمي والتأقلم مع المتغيرات الاقتصادية العالمية وضرورة وجود آليات للتعامل مع المخاطر المحتملة.
واعتبر أن مشروعات إصلاح سوق العمل هي الخيار المفضل والوحيد الموجود لمجتمعاتنا ولا بد من الأخذ بها لتحسين الأوضاع وتحقيق الأهداف المنشودة.
وكان طارق يوسف قد قام بزيارة لمملكة البحرين أخيراً بدعوة من مجلس التنمية الاقتصادية ضمن برنامج متواصل لتشجيع النقاش وزيادة التوعية بشأن القضايا العامة المتعلقة بالاصلاحات الاقتصادية بما فيها اصلاحات سوق العمل.
وخلال زيارته للمملكة التقى طارق يوسف عدداً من الجهات المعنية وعقد عدة ندوات بشأن التجارب الدولية في إصلاح سوق العمل، فقد تم عقد عدد من اللقاءات ومنها ندوة في جامعة البحرين للطلبة والأساتذة وحلقة نقاش بالتعاون مع جمعية الاقتصاديين البحرينيين ومؤتمر صحافي وكذلك اجتماع مع المجلس الأعلى للمرأة.
ندوة جامعة البحرين
ففي ندوة جامعة البحرين ألقى المحاضر والاقتصادي في جامعة البحرين جاسم حسين كلمة قدم بعدها مدير التوظيف بوزارة العمل والشئون الاجتماعية وعضو لجنة المتابعة لإصلاحات سوق العمل أسامة العبسي ورقة أساسية عن إصلاح سوق العمل إذ تطرق فيها أولا إلى استعراض نتائج دراسة ماكينزي لسوق العمل البحريني، وأشار إلى الوضع الحالي لسوق العمل البحريني إذ توجد هناك حال من التشبع لدى القطاع العام الذي تشكل فيه نسبة البحرنة نحو 94 في المئة لذلك فإنه لا يمكنه توفير المزيد من الوظائف للبحرينيين وبالتالي يجب أن يتم توجيه البحرينيين للعمل في القطاع الخاص مع جعلهم الخيار المفضل لأرباب العمل. واستعرض العبسي أيضاً أهداف مشروح إصلاح سوق العمل والسياسات المقترحة والواجب اتخاذها.
وشارك بعد ذلك عضو جمعية الاقتصاديين البحرينيين ومساعد المدير العام ببنك البحرين الوطني خالد عبدالله بمداخلة، تحدث فيها عن صعوبة الاستمرار في الوضع والمنهج الحاليين في سوق العمل البحريني، إذ من شأن مثل هذا الاستمرار أن يؤدي إلى حدوث الكثير من الآثار السلبية على الاقتصاد البحريني. كما أكد أن الوضع الحالي لسوق العمل البحريني في ضوء ما أشارت إليه الدراسة يحتم ضرورة التغيير الجذري لمعالجة مثل هذه الأمور. وقد استعرض خالد عبدالله أوضاع الاقتصاد البحريني وسوق العمل في مختلف الفترات الزمنية من السبعينات إلى الفترة الجارية إذ أشار إلى تضاؤل قدرة سوق العمل البحريني على استقطاب الخريجين من الجامعة بشكل كبير مقارنة بالفترات الزمنية السابقة ما يثير القلق والمخاوف المتصاعدة بشأن مستقبل سوق العمل وبالتالي يعكس حاجة سوق العمل إلى الإصلاح الجذري مع عدد من الإصلاحات الأخرى ومنها إصلاح التدريب والتعليم وإصلاح الاقتصاد.
وتحدث بعد ذلك طارق يوسف في مداخلة له عن التجارب الدولية الرائدة في إصلاح سوق العمل، إذ أبدى إعجابه بالطبيعة المفتوحة للنقاش الصريح بشأن قضايا مصيرية ومهمة مؤثرة على حاضر ومستقبل المجتمع بأكمله مثل قضية إصلاحات سوق العمل بالبحرين، كما أشاد بأجواء الإصلاح السياسي التي تعيشها البحرين في ظل قيادة جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، والتي لا بد أن تترابط مع إصلاحات اقتصادية تسهم في الانطلاق نحو تحقيق التنمية الشاملة. واعتبر أن النهج الذي تتبعه مملكة البحرين في طرح مشروع الإصلاحات على الشعب في ظل أجواء ديمقراطية من الصراحة والشفافية هو النهج الأسلم والأفضل للجميع. كما أكد على تميز نهج وتجربة البحرين في إصلاحات سوق العمل بالمقارنة مع عدد من مثيلاتها من التجارب في الوطن العربي والإقليم.
وتم بعد ذلك فتح الباب للأسئلة والمناقشات لمختلف القضايا والمسائل المتعلقة بإصلاح سوق العمل والآثار المترتبة عليها، إذ طرحت عدة أسئلة عن أثر الإصلاحات على دعم المشروعات الصغيرة ومدى تلاؤم مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل. وقد ذكر طارق يوسف أنه يجب أن تكون الإصلاحات متلائمة مع خصوصيات وظروف البلد المحدد.
حلقة نقاش جمعية الاقتصاديين
كما قام طارق يوسف بالمشاركة في حلقة نقاش في فندق الدبلومات وذلك بحضور عدد من أعضاء جمعية الاقتصاديين البحرينيين وأعضاء جمعية الاجتماعيين البحرينيين، بالإضافة إلى عدد من أعضاء غرفة تجارة وصناعة البحرين وأعضاء مجلس الشورى والنواب وممثلي الهيئات الحكومية المعنية.
وشدد في هذه الحلقة على أن إصلاح سوق العمل بحد ذاته يشكل تحديا إذ أن أداء سوق العمل مرتبط بالخصائص الاجتماعية ومنها علاقة الفرد بالعمل ونسب الزواج وغيرها. وأضاف قائلا: لقد قمنا بإجراء الكثير من الدراسات الفنية، كما قمنا بتقييم حجم التحدي لنجد أنفسنا أمام خيار واحد وهو ضرورة الإسراع لا التسرع في تنفيذ الإصلاحات الضرورية التي يجب أن تكون شاملة وذلك لمصلحة الأجيال المقبلة.
ووصف يوسف الإصلاحات السابقة التي أجريت بالمنطقة بأنها فوقية ومتقطعة وغير كاملة كما أنها ليست بالشكل المطلوب. وقد شدد على ضرورة مراعاة الإصلاحات الشاملة ومنها إصلاحات التعليم والتدريب، وانه بإمكان البحرين أن تستفيد من الكثير من التجارب العالمية الرائدة مع مراعاة خصوصية الوضع البحريني. وقال إن معظم بلداننا فيها الهرم السكاني نحو الشيخوخة، وعزا أسباب التباطؤ في تنفيذ الإصلاحات إلى سببين رئيسين وهما: وجود مواد ريعية مختلفة للدولة مكنتها من تأجيل برامج الإصلاح وتجنب الخوض في القضايا الهيكلية، وعدم الربط بين الآلية السياسية والاقتصادية إذ تتطلب الإصلاحات الاقتصادية ضرورة تطور النظام السياسي في البلد.
وقال: «لو نجحت الإصلاحات فإنها ستعيد تشكيل العلاقة بين الفرد والدولة، كما أنها ستعيد تشكيل الكثير من الأنماط والمفاهيم التي تعودنا عليها». وعبر عن حاجة الدول العربية إلى قانون يحرر السوق مع المحافظة على العدالة الاجتماعية في الوقت نفسه، وذكر أن إحصاءات البنك الدولي تشير إلى أن أكثر دول في العالم تواجه تحديات في التنمية هي الدول العربية. وأكد ضرورة التدرج في تطبيق الإصلاحات مع خلق آليات سياسية تحافظ على التوازنات السياسية.
وتم عقد مؤتمر صحافي بين طارق يوسف وعدد من المراسلين والصحافيين البحرينيين تم فيه فتح أبواب المناقشة والإجابة على مختلف التساؤلات المهمة بشأن قضية الإصلاحات بالمنطقة ومن بينها إصلاحات سوق العمل.
حلقة المجلس الأعلى للمرأة
كما عقد يوسف حلقة نقاش مع المجلس الأعلى للمرأة بفندق الخليج عن علاقة المرأة بمشروعات الإصلاح في المنطقة، وقد حضر الندوة عدد من أعضاء المجلس الأعلى للمرأة وأعضاء لجنة متابعة دراسة إصلاح سوق العمل ونائب الرئيس التنفيذي لمجلس التنمية الاقتصادية زكريا هجرس.
وبين في بداية حديثه أنه من الصعب وجود منشورات باللغة العربية في الوقت الجاري تتحدث عن علاقة النوع الاجتماعي بمشروعات الإصلاح، إذ يعد هذا الموضوع من أكثر الموضوعات تعقيدا وهو بحاجة إلى التريث والاستدلال من دراسات علمية تفتقر إليها أساسا المنطقة عموماً. وأكد أن أسباب سوق العمل تنعكس على جميع الأطر الاجتماعية والاقتصادية وهي مرتبطة أشد الارتباط بهوية المجتمع وتطوره ودرجة تفاعله.
وأشار إلى أن جزءاً كبيراً من الضغوط التي تواجهها سوق العمل يرجع إلى الوافدات ومعظمهن من أصحاب المهارات والتعليم العالي. كما وضح أن هناك تغيراً وتحسناً في توافد النساء إلى أسواق العمل، وشدد على أن دور المرأة في قطاع العمل ليس اختيارا وإنما هو قضية مصيرية، وعبر عن ضرورة وجود إصلاح يأخذ في اعتباره النوعية الاجتماعية.
وفي نهاية الندوة عبر يوسف عن وجود بوادر النجاح في تجربة البحرين الإصلاحية لكي تصبح نموذجا رائدا يحتذى به من قبل دول المنطقة، كما وضح ان خلق الحوار يؤمن أكبر فرص لخروج البرامج من دائرة التنظير إلى التطبيق وهو توجه سليم ذو آثار إيجابية.
وتم بعد ذلك فتح الباب للأسئلة والنقاش من قبل الحضور إذ تركزت الردود والمناقشات على الكثير من القضايا المهمة والحساسة ومنها ضرورة وجود الرؤية الواضحة لدور المرأة في مشروعات الإصلاح والحاجة إلى تغيير الثقافة الاجتماعية عن إجازة الوضع وكيفية التوحيد بين مزايا القطاع العام والخاص، بالإضافة إلى ضرورة وجود الآليات الكفيلة بالسماح للمرأة بالمشاركة في جميع الأنشطة الاقتصادية وضرورة وجود مشروعات إصلاحية محلية تسهم في تأهيل المرأة وتدريبها للقيام بأداء وظائف ومهن كانت مقتصرة من قبل على المرأة الأجنبية إلى جانب الحاجة الماسة إلى إعادة النظر بنظام التعليم.
يذكر أن هذه الندوات تأتي في إطار سلسلة من الندوات والمحاضرات التي ينظمها مجلس التنمية الاقتصادية لفتح أبواب النقاش والحوار الصريح بين مختلف أبناء المجتمع بشأن قضية إصلاحات سوق العمل والإصلاحات الاقتصادية، والتي تعد أحد أبرز القضايا المصيرية أهمية في الوقت الراهن
العدد 845 - الثلثاء 28 ديسمبر 2004م الموافق 16 ذي القعدة 1425هـ