العدد 844 - الإثنين 27 ديسمبر 2004م الموافق 15 ذي القعدة 1425هـ

كارمن شماس والحديث عن الأبراج

إنهم يسرقون أفكار شريعتي

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

رحم الله علي شريعتي، فقد تعرّض قبره للسرقة في وضح النهار في الفترة الأخيرة. والبعض اعتقد انه حصل على كنزٍ ثمينٍ على إثر هذه الغارة! فراح يردّد ليل نهار على الناس... صوفية... صفوية! صوفية... صفوية حتى أصابنا بالصمم!

أما حكاية شريعتي الذي اكتشفه هؤلاء، فقد كانت كتبه في نهاية السبعينات من المستمسكات التي تكفي رجال المخابرات لإدانتك ورميك في السجن، وفي تلك الفترة عرف الكثيرون من أبناء البحرين هذه الكتب وحرصوا على قراءتها وتفاعلوا معها، وفيها اكتشفوا كاتباً إسلامياً عملاقاً أثار الكثير من الجدل في بلاده طوال سنوات النضال ضد الشاه. ولو أنصف التاريخ شريعتي لاعترف له بدورٍ لا يستهان به في التمهيد للثورة الاسلامية في إيران.

ولشريعتي قراءة خاصة بالتاريخ، إذ كانت له نظرة نقدية مهمة، أدان فيها سياسات الخلفاء والسلاطين الذين تربعوا على عروش الدول الاسلامية الكبيرة. وكان يأخذ على هؤلاء الحكام تغليبهم لمصالحهم الشخصية على المصلحة الاسلامية الكبرى، وهو ما أضاع الخلافة العثمانية والصفوية وغيرها من الخلافات والسلطنات، ووضعها رهن الاستعمار الغربي المباشر، تماماً كما يحدث اليوم، إذ أضاعوا أفغانستان والعراق بعد أن أضاعوا فلسطين. وهو ما دعاه إلى نحت مصطلح «التشيّع الصفوي» مقابل ما أسماه «التسنّن الأموي»، ليدين كل الحكام المستبدين الذين استغلوا الدين لخدمة سياستهم الدنيوية.

ما حدث أخيراً، أن البعض وصله أحد كتب شريعتي، ووقعت عيناه مصادفة على مصطلح «التشيع الصفوي»، فاعتقد انه حصل على كنزٍ ثمين يمكن استخدامه في الدفاع عن صدام حسين، كما أراد استخدامه في إدانة ملايين البشر من المنتسبين إلى هذا المذهب المعروف منذ فجر الاسلام، فراح يبحث في (Google) عن كلمة صفوية، فاكتشف أن أحد الحكام المستبدين الذين استغلوا التشيع كان اسمه صفي الدين، وانه أنشأ سلالة حاكمة، وانه من «القزلباغية»، وبالتالي فان الملايين المنتشرين في الكثير من البلدان، هم من الصفويين والمتصوفين، ولا أدري كيف لم تستنتج انهم يلبسون الصوف صيفاً وشتاءً، مادامت الصوفية مأخوذة من الصوف!

سرقة أفكار وعملية تدليس وتزوير، أين منها عمليات السطو على المصارف في وضح النهار؟ لكن هل تستغربون من أحدٍ كتب قبل أيام، وبينما كانت البحرين تستضيف القمة الخليجية، ان مجلس التعاون الخليجي قام خوفاً مما تشكّله قوة العراق من تهديد لدول الخليج!؟ لا أدري ما هو شعور أعضاء الوفود الخليجية لو أتيح لهم قراءة مثل هذا التحليل الصادق البديع!

هل تستغربون؟ مذيعة تلفزيونية في إحدى الفضائيات اتصلت بكارمن شماس، مساء الأحد الماضي في وقت متأخر من الليل، تسألها عن الزلزال الذي تسبب في قتل عشرات الآلاف وتشريد الملايين من جيراننا الآسيويين. وشمّاس للعلم هي الكاتبة «التلفزيونية» الأكثر مبيعاً في معرض بيروت العربي الدولي الـ 48 للكتاب، وكذلك في معرض العام الماضي، فانحدرت كالسيل تتحدث بلسان زلق عن ما سيواجهه العالم من حروب وفوضى وقتل وكوارث، ستكون منطقتنا السعيدة (الشرق الأوسط) صاحبة النصيب الأوفر فيها، واحلولى لها الوضع فأخذت تتنبأ بحدوث اضطرابات سياسية واجتماعية في شمال افريقيا، ليبيا وتونس والمغرب... ثم قفزت إلى الضفة الأخرى من الأطلسي إلى أميركا اللاتينية، ثم عادت إلى القارة الأوروبية، وذكرت وهي تبتسم ما ستواجهه كل من اسبانيا وفرنسا من اضطرابات! وحمدت الله سبحانه وتعالى أن تدخلت المذيعة التلفزيونية وقطعت حديثها وإلاّ كانت ستصل بالاضطرابات إلى الدول الاسكندنافية وبحر البلطيق!

ما دخل كارمن شماس بالسياسة الدولية؟ ومادخلها بالزلازل والبراكين؟ وما دخل هؤلاء بين التشيع والتسنن، حتى ينظّروا لنا في المذاهب والمِلَل والنِحَل وينصّبوا أنفسهم أساتذة في التاريخ الاسلامي الذي لم يقرأوا منه غير صفحة واحدة عن «القزلباغية»؟

لا تستغربوا أن تلجأ مذيعةٌ في نشرة أخبارية آخر الليل إلى «قارئة فنجان» عصرية لقراءة مستقبل العالم، تتحدث بمنتهى الثقة عن التطورات التي يعجز عن التنبؤ بها المفكرون الاستراتيجيون في البيت الأبيض... لا تستغربوا مادام هؤلاء يسرقون بعض صفحات الكتب ويعلموننا ديننا

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 844 - الإثنين 27 ديسمبر 2004م الموافق 15 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً