المتتبع الى ما يدور في البحرين من مشكلات، سيرى أنها مشكلات لها تاريخ ولها جذور ومتابعات ولا تخلو من التطورات، وعلى رغم المحاولات البسيطة للتخفيف عنها أو وأدها على الأقل فإنها لم تنجح بل هي تخفت وراء الحجب والأستار التي تحميها، في الوقت الذي مازالت تمارس بأكثر من السابق تارة في الوظائف وتارة في الخدمات العامة وصولا إلى التبرعات التي تجمع فهي توزع على أناس من دون غيرهم على رغم توحد الهدف والمسمى وهم الفقراء... وكل ذلك بسبب واحد لا غيره... وهذه المشكلات كثيرة نأخذ لكم الطائفية مثالا.
مازلت أكرر بأن وصف الطائفية ليس بسيئ (من منظور شخصي) إلى تلك الدرجة التي تعبأنا بها من جميع الوسائل الإعلامية حتى تغير مفهومه على ما أعتقد وأصبحت صفة يجب علينا أن نتفاخر بها لأن تحقيقها (الطائفية) لها من الشروط ما يعجز الفرد منا عن تطبيقه، إلى مرض يجب أن نتفاداه... وإلا ماذا يعني أن نصف ما لا نحب أو نرضى من تصرفات بعض الناس بأنهم أناس طائفيون!
ولكن وجودنا في البحرين بهذه التركيبة التي رضت غالبيتنا بها كوننا خلقنا مع بعض شيعي بصف السني والعكس ولا مشكلة أو فرق، ولم يأت أحدنا من الفضاء أو من تحت الأرض حتى يعامل الآخر بطريقة توصف أحيانا بالغباء المركب، فأنا لا أختلف على أن البعض لهم من الأصول التي تصل الى إيران والعراق ولكن هناك في المقابل من تصل أصولهم أيضا إلى باكستان، ولكن لا يمنع هذا أو ذاك من العيش على هذه الأرض التي قضى عمره وأفنى زهرة شبابه وخدم عليها، ومن دون هذه المعيارية في التعبير والتفريق.
هناك ثلة من الناس من هم ينصبون العداء كل طرف للثاني... ولكن بحكم كونهم في هذه البلد فهم لا يستطيعون (على رغم استماتتهم) على ذلك فتراهم يتصرفون بغباء مفرط من فئة الخمس نجوم! تجاه الطرف الآخر إما بتمزيق الكتب وإهانتها أو بتكسير (الترب) التي يصلون عليها، إذ تجد هذه الحركات الرعناء تزداد في المصليات الصغيرة في الأندية الصحية أو مراكز العمل، حتى أنه أتاني أحد المواطنين الذين يعملون في أحد الأماكن العسكرية في قطاع الشرطة يشكي حال هذه المشكلة، فما كان مني إلا أن وجهته الى الذهاب إلى كتابة خطاب الى مسئوليه (وهذا ما يجب على الكل فعله حيال هذه النوعية من الحوادث) ليعلمهم بما حدث فهم بالتأكيد لا يرضون عن هذه الحوادث وهي لا تعدو كونها تصرفات شخصية من أناس مرضى لا حيلة لهم لإظهار الحقد إلا بهذه الطريقة، فمذهبهم مذهب إسلامي معترف به ولا لأحد أية سلطة لممارسة أي نوع من العنصرية في التعامل والتحكم في العبادات والمذاهب، وليعلم بأن ليست المذاهب الأخرى محترمة ولكن حتى الأديان الأخرى في البحرين محترمة... وخذ المسيحية مثالا!
الغريب في الأمر هو الحال المستميتة في البعض التي تصل إلى هذه الدرجة من الغباء، فهم إلى الآن لا يعلمون أنهم وبحماقاتهم هذه يؤصلون الفكر العنصري الذي يفوق الطائفي الذي سبق وأن عرفناه بشقه السيئ في الأسطر السابقة، وأنهم مازالوا لا يستوعبون ثقافة اسمها ثقافة الاختلاف حتى في المذاهب وثقافة التعددية في الأفكار، وهذه الثقافات هي الكفيلة بأن توصلهم إلى بر الأمان في التعامل مع الآخر أيا كان اختلافهم معه في الدين والطائفة وحتى في الأفكار، وإلا فهم أول المسيئين إلى الدين الإسلامي الذي يمتاز بالانفتاحية واحترام الأديان الأخرى، أيا كانوا ومن أي مذهب هم محسوبون عليه، وبهذا هم يطبقون المقولة القائلة «الخير يخص والشر يعم»
إقرأ أيضا لـ "حمد الغائب"العدد 843 - الأحد 26 ديسمبر 2004م الموافق 14 ذي القعدة 1425هـ