كثيراً ما يقرن مصطلح الكفاءة في البلاد العربية بالخبرة، بمعنى أن الفرد كلما زاد عمره المهني وتنوعت خبراته زادت كفاءته وهذا البعد صحيح إلى حد ما، ولكنه يغفل جانباً مهماً يتعلق بالخبرات الأكاديمية والدراسات العلمية التي تؤخذ كمقياس أول في البلاد الغربية المتقدمة.
من هنا نسمع ونقرأ بين الحين والآخر إشكالات كثيرة عن تولي أشخاص مناصب معينة وحساسة بحكم خبرتهم الصغيرة مقارنة مع أفراد آخرين على رغم أنهم يتمتعون بكفاءة فنية وعلمية كبيرة.
ومن هذا ما سمعناه حديثاً وقرأناه عن الانتقادات الكثيرة التي توجه للجهاز المساعد لمدرب منتخبنا الوطني الكرواتي ستريشكو، وأكثر هذه الانتقادات تتركز في كون مساعدي ستريشكو لا يملكون خبرات تدريبية كبيرة مقارنة بالآخرين لذلك يفضل البعض جلب مدربين دربوا سنوات طويلة لمساعدة ستريشكو، مرتكزين في الأساس على خبراتهم الطويلة وليس على كفاءتهم العلمية والفنية.
فكثير من المدربين لدينا دربوا لعشرات السنين ولكنهم في مقياس الكفاءة «مكانك سر» بمعنى أنهم مثلما بدأوا انتهوا. وأمثال هؤلاء المدربين لا يصلحون لقيادة منتخبات وطنية لأنهم باختصار لم يطوروا من أنفسهم وظلوا على حالهم. بعكس آخرين ربما يصغرونهم في السن والخبرة ولكنهم بمقياس الكفاءة العلمية أعلى بكثير. وهذا المنطق ليس خاصا بكرة القدم فقط، ولكنه في جميع المجالات إذ ان هناك مثلا آلاف المدرسين الذين ظلوا يدرسون في المدارس لعشرات السنين وبقوا على حالهم إلى يومنا هذا، بينما هناك آخرون في سن الشباب يحملون شهادة الدكتوراه ويدرسون في أرقى الجامعات. وفي كرة القدم الأمثلة كثيرة في هذا المجال. فالاتحاد الألماني لكرة القدم الذي يعتبر من أعرق الاتحادات الوطنية في العالم فضل مدرباً شاباً لمنتخبه الوطني لم يدرب أي نادي من قبل وهو المهاجم الفذ كلينسمان على مدربين ألمان عالميين وأصحاب خبرات طويلة من دون أن ينتقد بشدة في هذا المجال لأن المقياس للحكم هناك ليس السن بقدر الأداء العملي والكفاءة العلمية والفنية. وجاء تعيين كلينسمان خلفا لمدرب شاب آخر هو الألماني فولر الذي قاد منتخب بلاده للمركز الثاني في بطولة العالم الأخيرة في كوريا واليابان. ومثل هذه الأمور شائعة في أوروبا، فريكارد مثلا درب منتخب هولندا من دون أن يدرب أي ناد هولندي والآن يدرب برشلونة الإسباني وهو من أعرق الفرق العالمية، وهو في سن صغير جدا مقارنة بالآخرين واستطاع التفوق على «عواجيز» في عالم التدريب. وليس هذا فحسب بل ان معظم المدربين الناجحين على مستوى العالم لم يكونوا لاعبين أفذاذاً بل ان بعضهم لم يتمكن من اللعب لمنتخب بلاده أو حتى إثبات نفسه في فريقه ومن أمثلتهم المدرب الأفضل على مستوى العالم في الوقت الجاري البرتغالي جوزيه مورينهو الذي يصغر مدربين آخرين ويقل عنهم خبرة بعشرات السنين. وعلى العكس من ذلك نرى أن اللاعبين الأفذاذ سقطوا في مجال التدريب بامتياز، ومنهم أعظم من أنجبت كرة القدم بيليه ومارادونا.
في البلاد المتقدمة مقياس الكفاءة يختلف عما هو لدينا في البلاد العربية، لذلك لا نستغرب عندما ينتقص من جاسم محمد أو مرجان عيد لمجرد أن خبراتهم العمرية تقل عن الآخرين
إقرأ أيضا لـ "محمد عباس"العدد 843 - الأحد 26 ديسمبر 2004م الموافق 14 ذي القعدة 1425هـ