العدد 843 - الأحد 26 ديسمبر 2004م الموافق 14 ذي القعدة 1425هـ

مجرد علامة استفهام

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

من جديد تسارع الأجهزة الأمنية العراقية إلى اتهام دول الجوار بالمساعدة على تسهيل أو تمويل أو تدريب عناصر المقاومة وتشجيعها على توجيه ضربات ضد المراكز الدينية أو الأحياء المدنية في بغداد والنجف وكربلاء وغيرها من مناطق تشهد تفجيرات أو عمليات مسلحة.

آخر تلك الاتهامات كان تصريح رئيس الشرطة في النجف الذي حمّل سورية مسئولية الانفجار الذي وقع قبل يومين ما دفع دمشق إلى نفي الأمر مستغربة إلصاق مثل تلك التهمة بدولة تحرص على عدم تعريض الأماكن الدينية والمدنية للمخاطر.

النفي السوري للاتهام المتسرع الذي أطلقه رئيس الشرطة في النجف ليس الأول من نوعه، ومع ذلك يصر الكثير من المسئولين العراقيين المتعاملين مع الاحتلال أو المستفيدين منه على تكرار الاتهامات وحصرها في دول الجوار وتحديداً سورية وإيران. والسؤال: لمصلحة من يتم ترويج مثل هذه الاتهامات، ومن هو في النهاية الطرف المستفيد من تلك الأعمال التي تستهدف المراكز الدينية والمدنية؟

لاشك في أن المستفيد الأول من توجيه تلك الاتهامات هو الاحتلال لأن الكلام المتسرع الذي يطلقه بعض المسئولين السياسيين والأمنيين يصب في دائرة السياسة التقويضية والاستراتيجية الهجومية التي تقودها واشنطن في العراق وضد المنطقة وتحديداً دول الجوار.

الاحتلال هو المستفيد لأنه يروج لفكرة تقول إن الشعب العراقي مؤيد للقوات الأميركية، وان دول الجوار متضررة من ذاك «النموذج» الديمقراطي الذي تخطط لإقامته في بلاد الرافدين... وبالتالي فإن المقاومة ليست عراقية وانما مستوردة من الخارج.

هذه الفكرة الكاذبة تحتاج دائماً إلى تصريحات متسرعة تغذيها وتعطيها بعض الصدقية في حال أكثر الكلام المرسل بشأنها. وهذا كما يبدو ما تتوخاه واشنطن من تلك التصريحات العشوائية لاستخدامها في معركتها الإعلامية ضد دمشق وطهران، وإعادة تصنيعها محلياً وترويجها في سوقها المحلية لكسب التأييد من الشعب الأميركي تمهيداً لخوض معارك جديدة في المستقبل.

البيت الأبيض يعلم أن تلك الاتهامات المتسرعة لا قيمة سياسية لها ولكنه بحاجة إليها لإعادة توظيفها في تثبيت قناعات لدى الرأي العام الأميركي يمكن استغلالها لاحقاً لتبرير حروب يخطط لها أو للقبول بتغطية مالية للاحتلال في العام المقبل. فالإدارة الأميركية تروج الآن لسياسة طويلة الامد في العراق، وتطالب الكونغرس برفع موازنة الاحتلال للعام 2005 إلى 80 مليار دولار وهذا بحاجة إلى تبرير إعلامي للتصديق عليه وهو أمر يتأتى دائماً من توظيف تلك الاتهامات للقول إن القوات الأميركية تواجه حملة عسكرية من دول عربية وإسلامية.

رئيس شرطة النجف يعلم ان كلامه ليس صادقاً ويحتاج إلى الدقة. وهو أيضاً يدرك ان اتهاماته ليست مثبتة ومن الصعب تصديقها نظراً إلى خفتها وعدم استنادها إلى وقائع ومعلومات... إلا أنه يسارع إلى اطلاق الكلام المرسل قبل انتهاء التحقيق وقبل التوصل إلى أدلة تؤكد أقواله حتى يعطي شهادة زور للاحتلال، ويرفع المسئولية عن اطراف لهم مصلحة في زعزعة الأمن وتقويض دولة العراق وتفكيك وحدة الدولة. فهذا النوع من الكلام المرسل والتصريحات المتسرعة يقدم خدمة للولايات المتحدة و«إسرائيل» في وقت واحد. فالاحتلال يوظفه لزيادة قواته وموازنة جيشه، و«إسرائيل» تستخدمه لانتزاع براءة ذمة من احتمال وجود دور لها في تلك العمليات المشبوهة التي تستهدف المراكز الدينية والمدنية. المستفيد من هذا النوع من الكلام والتصريحات واضح الهوية ولا مجال للشك في ارتياحه لتلك الاتهامات. إلا أن الغريب في الموضوع هو لماذا يصر قادة «العراق الجديد» على تبرئة «الموساد» من تلك الأعمال؟ لمصلحة من يأتي السكوت على احتمال وجود دور إسرائيلي (مجرد احتمال) في اللعب على تناقضات العراق الأهلية ودفع أبناء البلاد إلى اتون المواجهات الداخلية؟ وما التفسير الذي يمكن تقديمه من هؤلاء المستفيدين والمتعاملين مع الاحتلال لاصرارهم على تغييب العامل الإسرائيلي واحتمال وجود شبهة ولو بسيطة للموساد في استغلال الفوضى العراقية والاستفادة من الانهيار العام لتمرير مشروعات خاصة وبعيدة المدى؟ هذا السؤال لم تجب عليه قيادة «العراق الجديد» بل هناك ما يشبه التواطؤ السري والعلني على اقفال هذا الموضوع وتجنب الخوض فيه لحسابات كثيرة ليست خافية على أحد.

إغفال احتمال وجود شبهة إسرائيلية في الأمور التي تحصل في العراق مسألة غير اخلاقية وغير مشروعة، ولكن الأسوأ من ذلك هو مسارعة هؤلاء المستفيدين والمتعاملين إلى توجيه الاتهامات للدول المجاورة من دون تفكير وقبل اكتمال عناصر التحقيق والتثبت من هوية المجرمين. فهل التسرع له علاقة بسياسة إخفاء الطرف الحقيقي وتغييب الجهة الفاعلة عن مسرح العراق؟ إنه مجرد علامة استفهام

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 843 - الأحد 26 ديسمبر 2004م الموافق 14 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً