مازال علماء الدين وخصوصاً من أهل السنة والجماعة يراوحون مكانهم في مناقشة قضايا الدين الفقهية ويصرّون على طرحها باستمرار في خطب الجمعة دون التطرق إلى الأوضاع الراهنة والقضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تشهدها البلاد أو منطقة الخليج أو حتى بلدان العالم الإسلامي الأخرى. ومع تغيّر الأوضاع في البلاد صار من الواضح للغاية وجود بون شاسع في القضايا التي يتناولها علماء الدين الشيعة بشكل أسبوعي ودوري في الدروس والندوات التي يحاضرون فيها، في حين ابتعد نظراؤهم السنة عن مثل هذه القضايا. ويبدو أن عموم الناس أصبحت تدرك حقيقة الأمر ودبّت في نفوسها حالات من التذمر والإحباط، وخصوصاً مع الثقة الممتازة التي يحملها الناس لعلماء الدين وخطباء الجمعة باعتبارهم من أهم العوامل المؤثرة في صوغ الرأي العام البحريني.
مثل هذه الظاهرة الخطيرة بحاجة إلى مزيد من البحث والتحليل للتعرف على الأسباب التي أدت إلى ظهورها، والسعي نحو تحديد السبل الكفيلة بمعالجتها. ومن معطيات الواقع يمكن استنتاج طرح يقوم على أن المؤسسة الدينية التقليدية (السنية) وصلت إلى مرحلة متقدمة جداً من الجمود، ويقصد بالأخير عدم القدرة على مواكبة المستجدات الراهنة في المجتمع بحيث تتضمن تغييراً مستمراً في الخطاب وأدوات التعامل المختلفة مع فئات الجماهير.
وثمة أسباب عدة أدت إلى وصول المؤسسة الدينية إلى هذه المرحلة، في مقدمتها التنافس الفكري والتصارع العملي بين مختلف التيارات الإسلامية التي شهدتها الساحة منذ استقلال البلاد في العام 1971، إذ أدى استحداث مؤسسات الدولة وإصدار القوانين المنظمة لعمل المؤسسات الدينية والقائمين عليها ومنتسبيها إلى إحداث تنافس حاد بين قيادات التيار الإسلامي للسيطرة أو مد النفوذ الفكري إلى المؤسسات الرسمية المعنية بالعمل الديني مثل وزارة العدل والشئون الإسلامية السابقة، وإدارة الأوقاف، ما انعكس على تقاسم ضمني بشأن إمامة وخطابة المساجد والشروع لاحقاً في إنشاء الصناديق الخيرية بعد ظهورها نهاية الثمانينات من القرن الماضي ومازال الوضع قائماً على ما هو عليه حتى اللحظة. وإشكالية هذا السبب أن سيطرة تيار فكري معين على هذه المؤسسات أدى إلى إسقاطات فكرية ظهرت بوضوح في ممارسات المؤسسة الدينية التقليدية.
بالإضافة إلى هذا السبب فإن هناك سبباً آخر وهو الدور والمسئولية الملقاة على عاتق النخبة الحاكمة التي لم تسع إلى تفعيل وتطوير دور المؤسسة الدينية التقليدية، وساهم هذا الإهمال في استمرار أنماط الوعظ التراثي التقليدي والابتعاد عن مناقشة ومواكبة مستجدات الحاضر.
وفي ضوء ذلك تبرز مخاطر استمرار المؤسسة الدينية بأدوارها التقليدية وأساليبها القديمة، وأولى هذه المخاطر تعميق الاختلال الإثنو طائفي في النظام السياسي البحريني الذي بدأ بعد عملية الإصلاح والتحول الديمقراطي في البلاد. ومن هنا تظهر الحاجة إلى تبني سياسات جديدة بإمكانها معالجة هذا الاختلال والتقليل من دور المؤسسة الدينية التقليدية في تعميقه، ومثل هذا الطرح لا يعد من الأجندة المطروحة حالياً في النظام، وعلى مؤسسات المجتمع المدني وبعض القيادات المتنورة والواعية بظروف ومعطيات الواقع سرعة التحرك والقيام بالمهمات الكفيلة بمعالجة هذا الاختلال
العدد 842 - السبت 25 ديسمبر 2004م الموافق 13 ذي القعدة 1425هـ