وصل الدولار إلى أدنى مستوى له مقابل اليورو وكذلك الين في الأسواق العالمية. وقال محللون إن الدفعة الأخيرة من البيانات الاقتصادية تعزز الرأي القائل بأن هبوط الدولار سيستمر خلال العام المقبل. وفي أسواق طوكيو على سبيل المثال بلغ سعر اليورو 1,3505 دولار وهو ما يقل قليلاً عن المستوى القياسي المرتفع 1,3518 دولار. ومقابل العملة اليابانية بلغ سعر الدولار 103,65 ينات دونما تغير يذكر عن مستواه أواخر التعاملات الأميركية.

المتضرر الأكبر من هذه العملية هي الدول النفطية العربية وخصوصاً الخليجية منها جراء ارتباط عملاتها بالدولار أولاً، ونظراً لتسعيرات اثمان نفوطها بالدولار ثانياً. فهي تخسر في دخولها عند بيع نفوطها نظراً لانخفاض أسعار الدولار أمام العملات الأخرى. ثم تتكرر عملية الخسارة مرة أخرى عند الشراء أي عند استيراد تلك الدول النفطية لاحتياجاتها من منتجات الدول الأوروبية واليابان، فهي تدفع كلفة تلك الواردات بعملات تلك الدولة المرتفعة قيمتها مقابل الدولار.

وقد كانت هناك أكثر من محاولة لتخليص الدول النفطية من ربقة الدولار عندما اقترحت بناء سلة عملات لا يشكل الدولار أكثر من 30 في المئة منها، ولكن تلك التجربة وئدت في المهد نظراً لعدم تجاوب واشنطن معها.

المحاولة نفسها تكررت عندما حاولت بعض الدول فك ارتباط عملاتها بالدولار انسجاما مع إلغاء العمل باتفاق بريتون أند وودز. عندها شجعت واشنطن - انطلاقا من مصالحها الذاتية - إلغاء العمل باتفاق بريتون أند وودز، ولكنها ضغطت على الدول الخليجية لإبقاء إلحاق عملاتها بالدولار ومن ثم خضوعها بوعي أو بغير وعي لتقلباته.

ما يميز واشنطن عن الدول الخليجية هو انه عند انخفاض سعر الدولار يزداد إقبال السوق على المنتجات الأميركية ما يرفع من الدخل الأميركي من الواردات الأمر الذي من شأنه إعادة التوازن إلى ميزان المدفوعات، وتمر فترة تعود بعدها السوق الأميركية إلى الانتعاش فيستعيد الاقتصاد الأميركي عافيته ويسترجع الدولار قيمته مقابل العملات الأخرى، وينعكس ذلك إيجابا على أداء الاقتصاد الأميركي.

لا ينطبق ذلك المنطق على الدول الخليجية التي يعتمد اقتصادها إلى حد بعيد - ان لم يكن كليا - على سلعة واحدة هي الدولار، ما يجعل خسارتها مضاعفة عند البيع والشراء على حد سواء.

طبعاً ليس هناك حل سحري ينتشل الدول الخليجية مما هي فيه، ولكن هناك حلولا منطقية تبنى على مخططات مدروسة تضع حدا لهذا النزيف المزدوج وغير المبرر. وكما يقول المثل فإن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة، لكن عندما يتعلق الأمر بالنفط والدولار تحتاج هذه الخطوة إلى جرعة كبيرة من الجرأة والشجاعة