العدد 842 - السبت 25 ديسمبر 2004م الموافق 13 ذي القعدة 1425هـ

دعوة إلى اليقظة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

دعوة ولي العهد السعودي الأمير عبدالله إلى اليقظة والتوحد لمنع المساس بوحدة البلاد يمكن النظر إليها من أكثر من زاوية. فهناك الجانب المحلي ومحاولات زعزعة الاستقرار الداخلي بافتعال مشكلات أمنية. وهناك الجانب الدولي وهو الاخطر ويقوم على التحذير من خطورة السياسة التقويضية التي باشرتها واشنطن في العراق وهددت مراراً بتصدير نموذجها إلى دول الجوار.

المسألة إذاً لم تعد مجرد كلام يقال في مناسبة ويعاد سحبه في مناسبة أخرى. فالسياسة الأميركية، كما يلاحظ لم تتغير كثيراً عشية بدء الولاية الثانية للرئيس جورج بوش. فالاتجاه العام يمكن رصده من خلال قراءة الترتيبات الإدارية التي اجراها الرئيس لاركان البيت الأبيض وتوقيعه إجراء إصلاحات شاملة في أجهزة الاستخبارات. ومن العناوين يمكن تحديد قراءة الاتجاه وهو تثبيت التطرف وطرد المعتدلين والاعتماد أكثر على الثنائي المتشدد تشيني - رامسفيلد.

التعديل الذي تم ويتم في إدارة البيت الأبيض يجري لفائدة تعزيز مواقع المتطرفين وتمويل مشروعاتهم التي تتحدث بوضوح عن تغيير خريطة «الشرق الأوسط» وزعزعة استقرار دول المنطقة وتحديداً تلك المجاورة للعراق وفلسطين تمهيداً لدمج «إسرائيل» كقوة مهيمنة.

من هذا الجانب الدولي يمكن فهم بعض ما اراد قوله ولي العهد السعودي في دعوته الأخيرة. فالتحذير من المساس بوحدة المملكة لا يأتي من فراغ وانما يستند إلى مجموعة احتمالات لابد من أخذها في الحسبان حتى لا تبدأ المنافسات الجزئية في حين أن الخطر الداهم والأكبر يأتي من الخارج ولا يفرق بين عربي وآخر.

الدعوة إلى اليقظة ضرورة سياسية وخصوصاً أنها تأتي في سياق دعوات مشابهة جاءت من أكثر من طرف عربي وإقليمي آخرها ما قاله وزير الخارجية الإيراني في بيروت حين أشار إلى ضغوط أميركية على دمشق وطهران. فالمخاطر كما يبدو شاملة وهي تحذر من سياسة أميركية اعتمدت أساساً على فكرة إضعاف القوى الإقليمية وعزل الدول القادرة على تشكيل نواة عربية تستطيع أن تجذب المنطقة إلى نوع من التكتلات السياسية التي تملك مقومات القوة. ومقومات القوة العربية يمكن تحديدها بالجغرافيا والسكان والثروة وغيرها من عناصر توحيدية وهي متوافرة في دول عربية قليلة، بينما لا نجدها في الكثير من الدول العربية.

هذا التفاوت بين دولة عربية وأخرى يمكن اختصاره بالتعاون والتنسيق والتضامن حتى تكتمل شروط القوة وتتوازن لتحدّ من إمكانات تدخل الدول الكبرى في شئون البلدان العربية وتمنع عليها اللعب على تعارضاتها أو الاستفادة من خلافاتها الجزئية.

إلا أن هذا التصور المعقول يبدو أنه أحياناً عرضة للتقلبات نظراً إلى ضخامة الضغوط الخارجية. فهذه الضغوط مثلاً منعت تقارب الجزائر والمغرب وتوحيد قوتهما، ومنعت كذلك تقارب مصر والسودان وتأكيد وحدتهما. والأمر نفسه يمكن أن نجده في منع التقارب أو التكامل بين العراق وسورية أو بين السعودية واليمن. فهذه المراكز الإقليمية الممتدة من المغرب إلى المشرق إلى الجزيرة العربية، تتوافر فيها مقومات القوة، وضعت بينها الحواجز وارتفعت الخلافات الجزئية والبسيطة لتعطل إمكانات التنسيق والتضامن وبالتالي دفع مسيرة التكامل العربي من حدوده الدنيا إلى درجات أعلى.

التفكك العربي ليس جديداً وانما بدأ يتخذ صفات رسمية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وتحول إلى نوع من الثوابت الدولية حين اكتسب تغطية شرعية في الخمسينات والستينات والسبعينات. إلا أن الجديد في التفكك العربي هو أن السياسة الدولية تتجه نحو تدشين استراتيجية تفكيك الإجزاء القوية التي تتركز فيها تلك المقومات وتحويلها إلى دويلات ضعيفة لا تملك عناصر القوة ولا تقوى على الوقوف من دون حماية أجنبية ومساعدات دولية.

الدعوة إلى اليقظة تختلف في مضمونها عن ذاك الكلام المستهلك والمتهالك الذي يحذر من مشروعات سياسية وهمية يطلق عليها أحياناً «الهلال الشيعي» وأحياناً أخرى «الكومنولث الشيعي» في وقت لا تتردد واشنطن في اطلاق تهديدات تمس سيادة واستقلال ومستقبل وربما وحدة إيران والعراق وسورية ولبنان، وتعلن ان قواتها باقية في المنطقة إلى ثلاث سنوات مقبلة.

الخطر على المنطقة الآن ليس من تلك المشروعات الوهمية وانما من السياسة التقويضية التي تقودها الولايات المتحدة انطلاقاً من العراق وفلسطين. وربما هذا ما اراد ولي العهد السعودي التحذير منه من وراء دعوته إلى اليقظة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 842 - السبت 25 ديسمبر 2004م الموافق 13 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً