بدأ وزير الخارجية الهندي ناتوار سينغ زيارة مهمة أمس إلى عُمان ومن ثم سيزور الإمارات والبحرين. ومن بين الموضوعات التي سيبحثها في عُمان والإمارات - بحسب تقارير صحافية - المشكلات التي يواجهها العمال الهنود في الخليج وكيف ان بعض اصحاب الأعمال يظلم الوافدين ولا يعطيهم مستحقاتهم وكيف ان إجراءات العدالة غير فعالة وغير سريعة وغير عادلة. وذكرت المصادر أن الوزير سيناقش موضوع العفو عن المقيمين بصورة غير شرعية كاحدى الوسائل لحل مشكلة اعداد كبيرة من الوافدين الذين لا تتطابق مواصفات بقائهم مع القانون.
تقارير أخرى قالت إن الوزير الهندي سيطرح على دول الخليج منح أفراد الجالية الهندية الجنسية بحكم اقامتهم الطويلة بالاضافة إلى حقهم - حتى لو لم يحصلوا على الجنسية - في التصويت والمشورة في الشئون البلدية والمحلية أو المتعلقة بهم كجالية ارتبط وجودها بالتركيبة الاقتصادية والاجتماعية في دول الخليج.
إذن ما كان يتحدث عنه بعض المسئولين همسا لم يعد سرا خافيا. فدول الخليج انتهجت سياسات خاطئة جداً باعتمادها على الايدي العاملة الرخيصة القادم أكثرها من الهند، والوضع تغير الآن، وأصبح لدينا طبقة متوسطة وقوية جداً من الجاليات الوافدة، وهؤلاء تعتمد عليهم أكثرية الشركات في القطاع الخاص في كل الدول الخليجية. بل انه وفي السعودية يسيطر الوافدون على 95 في المئة من سوق الكمبيوترات التي تنمو بصورة مستمرة، وهذا يعني ان كل القطاعات الحيوية أصبحت فعلا بيد الوافدين.
المشكلة ان الحكومات الخليجية لا تود الاعتراف بحقوق المواطنين المدنية والسياسية (بصورة كاملة) وتعتقد ان بإمكانها ان تطبق الأمر ذاته على جاليات من دولة مثل الهندالتي من المتوقع ان تصبح احدى القوى الكبرى على المسرح العالمي خلال السنوات المقبلة. فالهنود من الشعوب التي ناضلت من أجل حقوقها وحصلت عليها بجدارة، والهنود الذين يعيشون بيننا لديهم ثقافة سياسية اكثر تطورا من الثقافات المتخلفة التي تعشعش بيننا وتحاول الايحاء لنا باننا غير البشر وان الديمقراطية وحقوق الانسان والحريات العامة أمور لا تتناسب وثقافتنا الموروثة.
قد تستطيع الحكومات الخليجية فرض هذه النظرة الخاطئة على مواطني دول مجلس التعاون الخليجي، ولكنها ستكون عاجزة بالتأكيد عن فرضها على شعب مثل الشعب الهندي، الذي أصبح جزءا مهماً منه يعيش معنا. وهذا الجزء ليس وحيدا في الساحة، بل انه مرتبط بالمصالح الحيوية المباشرة لقوى كبرى يزداد نفوذها العالمي كل يوم وهي في طريقها للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن.
الجميع يعلم ان دولة مثل «إسرائيل» تعتبر امتدادا للمصالح الحيوية الاستراتيجية للقوة العظمى الأميركية، وعلى هذا الأساس فإن «اسرائيل» تستطيع ان تتحرك بالطريقة التي تتحرك بها منذ انشائها. ودولنا الخليجية أصبحت - سواء رضينا أم أبينا - امتداد للمصالح الحيوية الاستراتيجية للقوة الكبرى الهندية. وفي السنوات المقبلة لن تحتاج الهند إلى الكثير للتأكد من ان الهنود الذين شيدوا البنى التحتية لدول الخليج يحصلون على حقوقهم المدنية والسياسية.
ولربما تماطل حكوماتنا، ولربما تحاول اقناع الهنود بانهم لا يستحقون هذه الحقوق لأن مواطني الخليج لا يستحقونها في دولهم، ولكن الانباء غير السارة لمن يفكر في هذا المر هي ان بعض الدول الخليجية تخضع حاليا لمراقبة لجنة حقوق الإنسان فيما يخص حقوق العمال الوافدين، وان اللجنة التابعة للامم المتحدة تزداد اسنانها حدة مع الأيام وان أول من سيشعر بحدة اسنانها دولنا الخليجية التي تحاول اخفاء المشكلة عبر دس الرأس في الرمال
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 842 - السبت 25 ديسمبر 2004م الموافق 13 ذي القعدة 1425هـ