قبل أسبوع عرضت محطة التلفزة الألمانية زد دي أف شريطا تحت عنوان(اليوم إكس). الشريط عبارة عن سيناريو مرعب يطرح أسئلة عن قدرة ألمانيا وحجم إمكاناتها في مواجهة اعتداء إرهابي بمستوى هجوم 11/9 على الولايات المتحدة. في الشريط شاهد ملايين الناس في المساء وفي موعد يستقطب عادة أكبر عدد من المشاهدين كيف أن الإرهابيين (الإسلاميين) شنوا هجومهم على ألمانيا المتحضرة مستخدمين مختلف أنواع الأسلحة الفتاكة. وهكذا تحول الحي البارز في برلين الذي يقصده السياح ليل نهار(بوتسدامر بلاتس) إلى جحيم، في الشوارع قتلى وجرحى والدولة لا تملك إمكانات كافية لمواجهة هذا الهجوم. وقال كريستيان ديزي المحرر في محطة التلفزة زد دي أف الذي كتب سيناريو الفيلم إنه أراد أن يعطي المشاهدين صورة عما يمكن حصوله إذا تعرضت ألمانيا لاعتداء على غرار هجومي 11/9 في الولايات المتحدة و11/3 /2003 في مدريد.
الشريط لم يكن أكثر من حجر جديد على صورة الإسلام في ألمانيا وأوروبا والتي تعرضت لتهشيم كثير في الفترة الأخيرة وخصوصا بعد مقتل المخرج الهولندي فان كوخ على يد مهاجر مسلم لأن فان كوخ أعد فيلما مهينا للإسلام تظهر فيه نساء عاريات على أجسادهن صور آيات قرآنية. ولو صدقنا ما جاء في الأسابيع الماضية في وسائل الإعلام الألمانية لكتب علينا أن نخلص إلى فشل المجتمع المتعدد الثقافات في هذا البلد الذي يجد شعبه والسياسيون فيه صعوبة كبيرة في التأقلم مع كل ما هو غير ألماني، بل ويتضح لنا أيضا وجود مجتمع منغلق على نفسه. وخلاصة الهجمة الإعلامية على الإسلام أن هناك من يصفه بأنه عامل معيق للاندماج الاجتماعي.
شريط زد دي أف خادع مثلما هي خادعة أيضا التقارير التي تنشر في وسائل الإعلام الألمانية عن المرأة المسلمة. الملفت للنظر أن العادات والتقاليد السائدة في الدول الإسلامية والتي لا تختلف عن تقاليد وعادات معمول بها في مناطق أخرى في العالم ليست مسلمة، لا تعني شيئا لمنتقدي الإسلام. والتصعيد الذي حصل في هولندا منح خصوم الإسلام في أوروبا حجة جديدة لمتابعة حملتهم على الإسلام متجاهلين أن جريمة قتل فان كوخ هي عمل فردي وليس قراراً اتخذته دول منظمة المؤتمر الإسلامي أو تنفيذا لفتوى.
منذ حوادث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 هناك تزايد في التهم الموجهة علنا للمسلمين فيما يختص بمختلف أعمال العنف. لكن هذه التهم لا تتعدى كونها من حيث النوعية صورا سلبية قائمة في الأصل ومنسوبة ضمنا للمسلمين. لكن لا ينبغي تجاهل حقيقة مؤسفة وهي أن كثيرين في أوروبا وخصوصا ونتيجة للحملة الإعلامية المكثفة يعتقدون وأرهقهم سيل التهم، أن الكثير من الادعاءات المناهضة للمسلمين هي أدلة مقنعة.
في فيلم (اليوم إكس) شاهد ملايين الألمان شريطا مفبركا وقصة من خيال واسع لمحرر. انفجارات ودماء ومذيع نشرة الأخبار يقول إن جماعة من الإسلاميين المتطرفين قاموا بهذا الهجوم. ألا يسأل المرء لماذا الإسلاميين بالذات هم الذين قاموا بمثل هذا الهجوم وليس جماعة النازيين الجدد الذين يحاكم بعض قادتهم أمام محكمة مدينة ميونيخ حاليا بعد أن وجهت إليهم تهمة محاولة القيام بتفجير خلال تدشين المبنى الجديد للمركز الثقافي اليهودي في العاصمة البافارية؟ إن اختيار محطة زد دي أف سيناريو خيالي ورموزا خاطئة ونشر الذعر والخوف في نفوس الألمان يرمي إلى صب الزيت على النار في وقت أوروبا وجماعات المسلمين فيها بأمس الحاجة لدعوات التسامح والتفاهم والاتفاق على ركائز العيش السلمي تحت سقف واحد. لقد أصبح غطاء الرأس (الحجاب) على وجه خاص يستخدم بصورة رائجة كرمز مثالي في سياق الحجج المتعلقة بالتطرف الإسلامي. في هذه الأثناء أصبح كافيا إظهار لقطة سريعة على شاشة التلفزيون لامرأة ترتدي غطاء الرأس لكي تصبح الأمور واضحة. أو إظهار مبنى مسجد عند الحديث عن الاشتباه بوجود جماعة إسلامية في مدينة ما.
هذا التعميم موجود أيضا في الصحافة المقروءة. إذ بوسع المقروءة أيضا استخدام المونتاج والتلاعب بالصور والنصوص المختلفة عن بعضها بعضا من دون الحاجة إلى تبرير ذلك على نحو علني صريح، ومن ثم استخدام أساليب الإيحاء نفسها. على سبيل المثال في الصفحتين 240 و241 من مجلة (دير شبيغل) بتاريخ 6 أكتوبر/ تشرين الأول 2000 يوجد مونتاج لصور منشورة في إطار مقال عن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. في الصفحة اليسرى نرى صورة كبيرة تظهر فتيانا فلسطينيين يقذفون زجاجات المولوتوف. كما تظهر الصورة نيرانا مشتعلة وجوا ذا صبغة عدوانية وشغفا بالاعتداء. على يمين الصورة مباشرة هناك صورة تبلغ قرابة ثلث الصورة الأولى يظهر فيها مستوطن إسرائيلي يحمل في ذراعيه زيا أبيض كما لو كان موضعه في مرمى المهاجمين. أما سلاح (عوزي) الذي يحمله المستوطن فقد اختفى تقريبا وراء جسم الرضيع. هذه الصور التي يراها القارئ تعطي بالإضافة إلى النص بغض النظر عما إذا كان أحد سيقرأه أم لا، رسالة فحواها التالي: معتدون فلسطينيون يهاجمون مستوطنين إسرائيليين أبرياء. هناك إذاً تحديد لماهية المذنب على وجه واضح وبغض النظر عما إذا المقال نفسه يتضمن عرضا موضوعيا أم لا.
مثل آخر من أمثلة نمط التعميم، المقال الصادر في مجلة(براو إم ليبين) وهذه مجلة تعنى بشئون المرأة، إذ نشرت موضوعا عن الختان في مصر. أشارت المجلة في حكمها إلى أن الإسلام يسمح بالختان من دون الإشارة إلى أنه تقليد إفريقي قديم يعمل به في بعض الدول الإسلامية في إفريقيا وفي غير الدول الإسلامية في القارة السمراء. مثال أخير على هذا النهج الذي لا نهاية له: عندما أثار قناص في واشنطن في خريف العام 2002 مشاعر الهلع في نفوس الناس أوردت محطة إذاعة صوت بافاريا مرارا بعد اعتقال القناص أن جو ألن محمد اعتنق الإسلام. هذه المقولة تشكل خرقا صريحا تماما لقواعد مجلس الصحافة التي تمنع في إطار كتابة التقارير الصحافية عن متابعة الجنايات ذكر مواصفات متعلقة بانتماء المجموعات المعنية كالقومية والدين، نظرا لإدراك المشكلة النابعة تماما من تفسير العمل الفردي على أنه ظاهرة متعلقة بمجموعة بكاملها. ولو أن وسائل الإعلام الألمانية والأوروبية تعمل بما يفرضه عليها قانون الصحافة لما انتشرت صورة سلبية للإسلام في الغرب بالمستوى الذي بلغته اليوم. لكن وسائل الإعلام تعتبر الإسلام حال خاصة على رغم لجوئها للتعميم عند وقوع كل جريمة يقوم بها مسلم. الأمر يزيد عن ذلك ففي الفترة الأخيرة سعت بعض الجهات الإعلامية لاستخدام مصطلحات نابعة من طبيعة الحشرات. فيما يتعلق بالمسلمين بالذات كثيرا ما تستخدم مصطلحات عندما يجري الحديث عن التطرف الإسلامي مثل (ورم سرطاني). وأسوأ ما يجري عادة أنه نادرا ما يتم الفصل ما بين التطرف الإسلامي والإسلام. وفي مقال نشرته صحيفة (لي اكسبريس) الفرنسية بتاريخ 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 2001 تحدثت في معرض تبريرها حرب بوتين في الشيشان عن(حمى الإسلام). وفي كثير من الأحيان تقع وسائل الإعلام الغربية في حرج حين تضطر إلى توضيح شيء إيجابي عن المسلمين من دون رغبة قوية لديها في ذلك. على سبيل المثال عندما أصبحت بوتو رئيسة لحكومة باكستان جاء ذلك مناقضا لصورة المرأة المسلمة السائدة في الغرب. ولكي لا يمضي المعنيون في إعادة النظر بموقفهم تجاه المرأة المسلمة راحوا يبررون سبب وصولها إلى هذا المنصب فتمت الإشارة إلى تراث والدها وأمية السكان وبسبب دراستها الجامعية في أوكسفورد ما جعلها تفقد صفتها كمسلمة إلى حدما. لكن وسائل الإعلام الألمانية رحبت أكبر ترحيب بنادية الفراج وهي فتاة ساذجة والدها سوداني وأمها ألمانية ارتبطت بعلاقة لسنوات مع موسيقي ألماني معروف. قدمت نادية برنامجا في إحدى المحطات التجارية عن الجنس وسرعان ما ذكرت صحيفة (بيلد) الشعبية على سبيل المثال أن نادية الفراج مثالا للفتيات المسلمات في ألمانيا. الشيء نفسه انطبق على فتاة تركية مثلت في فيلم نال جائزة مهرجان برلين السينمائي ثم تبين أنها قبل ذلك مثلت في أفلام خلاعية وأن والدها تبرأ منها. حصلت هذه الفتاة التركية على أكثر من تكريم والأسباب معروفة. بينما تحتل أنباء نادية الفراج والممثلة التركية أهمية واسعة في وسائل الإعلام ويظهرن بأنهن منفتحات فإن النساء المحجبات يتعرضن إلى المضايقة والأحكام المسبقة من دون الإشارة إلى أهميتهن في بناء مجتمع متعدد الثقافات. وخلال التعليقات في سياق موضوع بدء مفاوضات العضوية التركية في الاتحاد الأوروبي لم يفرق المرء بين تغطية الصحف الجادة والصحف الشعبية أو الملونة. فقد تم تصوير رئيس الوزراء التركي أرودغان بأنه ذئب في ثوب حمل وأن العثمانيين الذين توقفوا عند حدود فيينا في الزمن الغابر على وشك أن يغزو أوروبا. فالاتحاد المسيحي المعارض في ألمانيا يرفض العضوية التركية وهدد باستخدام القضية في الحملة الانتخابية. ويكفي الإشارة هنا إلى عنوان نشرته صحيفة (زود دويتشه) المعتبرة بتاريخ 18 ديسمبر/ كانون الأول 2004 وجاء فيه وصف للعضو الأوروبي القادم: تركيا بلد كبير، فقير، ومسلم. واستخدام كلمة مسلم معناه أن الاتحاد الأوروبي ينبغي أن يكون حكرا على الدول المسيحية فقط. وهذا ما تؤيده الغالبية في أوروبا
العدد 840 - الخميس 23 ديسمبر 2004م الموافق 11 ذي القعدة 1425هـ