منذ أن انتقى ولي العهد الأمين في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2002 - بداية العهد الإصلاحي - قرية المقشع محطة تستحق وقفة تدقيق ليأمر بتحويلها إلى قرية نموذجية، أعقاب الإطلاع على أوضاع القرية عن قرب والتعرف على مطالب أهلها البسطاء، شهدت المقشع ومعها باقي القرى، تحسناً على الصعيد المعنوي - على الأقل - وتنامي الإيمان بالغد الأجمل، ذلك إلى جانب عشرات المشروعات الإسكانية التي رفعت الأمل درجات، ليبقى الانتظار سيد الموقف.
كانت المقشع قرية قانعة - ولاتزال - بيوت أكلتها السنوات والقدم، أسر مركبة كبيرة العدد تجتمع في غرف صغيرة ومحدودة، وينام الأبوان مع أبنائهما المراهقين على الأرض وغالباً في غرفة واحدة... لتكتم الجدران قصص بطالة وفقر وصبر.
وخلال زيارة ولي العهد صورت عدسات التلفزيون المحلي وكاميرات مصوري الصحف مشاهد ناطقة من دون تعليق، وكأنها كانت تروي حكايات قرى ممتدة على أرجاء الجزيرة، تتشابه فيها التفاصيل إلى حد كبير، وتذوب فيها الفروقات إلا فيما ندر.
تلك الالتفاتة الكريمة من الدولة إلى القرى المنسية على مدى عقود وسنوات كانت التفاتة تستحق الثناء من جانبنا كإعلاميين، والامتنان من جانب الأهالي والقرويين الذين صاروا أخيراً يستطعمون الصبر - ربما - لأن الفرج الموعود قادم لا محالة.
صبر وحفنة أسئلة
وبين الصبر والامتنان، تخرج قصص وأسئلة لا حصر لها تدور جميعها في الفلك ذاته لتسأل عن مصير قوائم المنتظرين في مقابل الوعود الوشيكة التحقق والمحققة فعلياً.
وليس بعيداً عن المقشع والموعودة المنتظرة، تزداد حدة القلق لدى أهالي القرية جراء التصريحات التي أدلى بها البرلماني جاسم الموالي أخيراً، والتي أكد خلالها أن الوحدات السكنية المنتظرة ستوزع في غضون شهر ليكون البيت الجديد مقابل البيت القديم، جاء ذلك، أثر انتقادات حادة وجهها إلى شخصه أهالي القرية الذين شككوا في عدالة توزيع الوحدات الجديدة.
وجاء على لسان الموالي، «سيمنح أهالي المقشع نهاية يناير/ كانون الثاني المقبل، بيتاً جديداً مقابل البيت القديم، على أن يتم توزيع البيوت الزائدة على أصحاب البيوت التي تضم أكثر من ثلاث عائلات في بيت واحد».
وكان التصور الذي خرجت به اللجنة المشكلة من أهالي المقشع وممثلين من الصندوق الخيري والمأتم، يضاف إليهم بلدي من المنطقة، ينص على أن توزع البيوت الجديدة على 76 عائلة، ليبقى15 بيتاً تكون لصالح الأسر التي تضم ثلاث عائلات فأكثر في البيت الواحد، ليكون المجموع 91 وحدة سكنية جديدة، تأتي تعويضاً لـ 76 منزلاً قديماً.
المطالبات بالعدالة تستمر
وعلى رغم تلك التصريحات التوضيحية، لم يتلاش السؤال عن عدالة التوزيع، بل كبر أكثر من أي وقت مضى، إذ تلقت «الوسط» عدداً من المكالمات الهاتفية والرسائل التي لم تخلُ من صيغة الشكوى، لتطالب بالعدالة من جديد، وهي في جوهرها تطلب ان تكون ضمن المستحقين للوحدات الـ 91.
الهاجس بدأ يأخذ الرقعة الأكبر، ويزحف على آمال الأهالي ليحاصرها، ليبقى الطرفان (الأهالي في مقابل النائب ابن القرية) في حال شد وجذب، بين صيغ اتهام وتصريحات دفاع.
قالت زينب عبدالجبار (أم لثلاث أبناء وتسكن في بيت مؤجر مع ثلاث عائلات أخرى هم أهل زوجها) إلى «الوسط»: «كنت أول من سرد معاناة أسرتي إلى سمو ولي العهد عندما زارنا قبل سنوات (...) حدثتُه مطولاً عن معاناتنا التي نعيشها في منزلنا المؤجر الذي نتكدس فيه فوق بعضنا، وعن بيت العائلة المشترك الملكية والطلب المعلق منذ العام 1992، ومازلنا نعيش على أمل الوعد والمكرمة، لكن النائب البرلماني في المنطقة لم يحدد بعد هل سنحصل على القسيمة كما جاء في وعد ولي العهد أم لا، وخصوصاً ان الأهالي يخشون من عدم العدالة في التوزيع ودخول اعتبارات المحسوبية ومدى القرب من النائب».
لا مجلس لنائبنا
وتمضي في القول: «أردت أن أوصل معاناتي إلى النائب، كما يفعل كل المواطنين مع نوابهم في المجلس، لكن نائبنا ليس لديه مجلس لاستقبال الأهالي، خططت الرسائل إلى وزارة الإسكان والمجلس البلدي، لكن من دون جدوى تذكر (...) عندما تحدثت إلى ولي العهد ووعدني خيراً، اعتقدت ان مشكلتي ستحل مع توزيع الوحدات الجديدة، لكن على ما يبدو أنها لتوها ستبدأ».
وفي رسالة حملتها زينب إلى «الوسط» كتبت: «أُحشر وأطفالي وزوجي في منزل تعيش فيه أربع عائلات، وعندما ضاق بي الحال انتقلنا إلى بيت والدي لنعيش في غرفة واحدة أيضا... والآن أملنا الوحيد هو الوحدات الجديدة، على رغم ان الأمل يتضاءل بسبب بعض أعضاء اللجنة الذين أكدوا ان المكرمة لن تشملنا. من له الحق ان يقرر الأحقية من عدمها وعلى أي أساس سيكون ذاك التقرير؟!».
المزيد من الأسئلة
زينب ومعها عدد من أبناء القرية يسألون عن الكيفية التي ستتعاطى من خلالها اللجنة مع المنازل التي تعيش فيها ثلاث عائلات؟، ومَنْ مِنْ العائلات التي ستنتقل إلى المنزل الجديد الذي لا يتسع إلا لعائلة واحدة بحكم مساحته الصغيرة؟ وماذا سيحل بالمنازل القديمة التي تعتبر مرجعية العائلة؟
وعلى رغم تصريح الموالي الناص على بيت جديد مقابل بيت قديم تستمر الروايات والسيناريوهات ماضية بالتكهن، ليؤكد فريق من أبناء القرية ان الأولوية في الاستفادة من الوحدات السكنية الجديدة ستكون إلى الذين هدمت منازلهم لتشييد منازل جديدة مكانها، على اعتبار أنهم يعيشون حالياً في شقق مؤجرة، ليذهب فريق آخر إلى أن المستفيدين سيكونون من الذين يعيشون في منازل مكتظة... لتبقى آلية التوزيع مشابة بالغموض ليزعم كل واحد من أبناء القرية انه الأحق.
«الوسط» حملت مضمون صيغ التذمر والشكوى والقلق من الأهالي إلى عضو المجلس البلدي في الشمالية جمعة الأسود الذي اعتبر الحال التي يعيشها الأهالي حالاً طبيعية خصوصاً مع علو الطموحات التي تأمل الحصول على وحدة مجانية على اعتبار أنها مكرمة ملكية، وليست منزلاً مقابل منزل كما أعلن في الصحف أخيراً.
وقال الأسود: «في البدء لم تكن هناك لجنة من الناحية العملية، كانت هناك لقاءات بين الوزير والمحافظ والنائب، على إن يلتقي النائب بالأهالي ويرفع تصوراتهم عن سبل توزيع القسائم إلى الوزير، لكن النائب الموالي شكل لجنة من أبناء القرية لتدارس السبيل، والواضح الآن ان الطريقة التي ارتأوها للتوزيع لن ترضي الجميع، والكل يعتقد أنه الأحق».
ويزيد الأسود: «المصاب الأكبر، ذلك الاعتقاد بأن كل عائلة ستحصل على بيت، وليس كل بيت مقابل بيت (...)، المقترح المتفق عليه في الاجتماعين السابقين ان توزع تلك المنازل على العائلات المركبة، والعائلات الكبيرة العدد تستحق منزلين بغض الطرف عن صلة القرابة إن كانت العائلات ابناً وأبناءه المتزوجين أو أخوة أو أبناء عموم»، مؤكداً أن الأسماء لم تحسم بعد، وكل ما طرح مجرد أفكار رفعت إلى الوزير.
وأضاف: «من الوارد جداً ان تبقى عائلات خارج التوزيع، ذلك لأن الـ 91 وحدة لن تكفي جميع أبناء القرية، لذلك يقترح البعض أن تزال القرية القديمة وتخطط المنطقة من جديد لتتسق مع القرية النموذجية، والأهالي مستعدون لترك منازلهم شريطة الحصول على منزل جديد بعد الانتهاء من البناء، على ان تعاملهم وزارة الإسكان بمثل ما عاملت الدفعة التي سبقتهم، وتدفع إليهم إيجارات الشقق البديلة، أو تعوضهم عن أراضيهم بمبالغ تواكب ارتفاع الأسعار، وليس بيتاً مقابل بيت، لأنهم يعتقدون أن ذلك سينفي صفة (المكرمة)».
ويختم حديثه بالقول: «الأهالي كانت توقعاتهم عالية، وطموحاتهم كانت تأمل الانتقال إلى وضع أفضل، لكنهم الآن يشعرون بالخيبة، وينشغلون بالصراعات والصدامات الكلامية اليومية بفضل حال القلق التي يعيشونها (...) حاولنا ان نفهم الأهالي أن طموحاتكم عالية وان التوزيع المجاني مطلب غير منطقي وسيجعل باقي القرى تطالب ببيوت مجانية أيضاً، لكنهم لم يقتنعوا، وهذا خطأ وزارة الإسكان التي كان عليها أن توضح أسس التوزيع منذ البداية»، لافتاً إلى ان أقوال المزاجية والمحسوبية لا أساس لها من الصحة، وأن عشرات الرسائل والمكالمات والاستفسارات تنهال عليه يوميا للسؤال عن مصير التوزيع.
نظرة إلى الوراء
وبالعودة إلى الوراء، عبر الأسود في يوليو/ تموز الماضي في تصريحات صحافية سابقة عن استيائه من عدم اتضاح الرؤيا في توزيع المنازل الجديدة قائلاً: «ليس لدي أي خطاب رسمي يوضح آلية التوزيع بالنسبة إلى العائلات المستفيدة من هذا المشروع، أو يبين إن كانت البيوت مجانية أو ستباع على أهالي المنطقة، وفي موقع آخر أوضح أن المشروع يعتبر بادرة جيدة لتحسين أوضاع الأهالي السكنية، غير أن ما يؤخذ على تصميم المنازل هو صغر حجم الغرف على رغم سعة المساحة الإجمالية»، لكنه عاد وقال: «إنها قياسا بالوضع السابق لمن سيسكنها من الأهالي تعتبر أفضل بكثير(...)، من المفترض أن تزال البيوت القديمة وتشيد شوارع بدلاً منها لأن المنطقة لاتزال بحاجة إلى تنظيم وتخطيط جديد».
في غضون ذلك أكد الموالي أن المنازل الجديدة ستكون «هبة» من الدولة لكل مالك وثيقة في المنطقة القديمة من قرية المقشع، بيد أن أهل القرية مازالوا يكررون حتى كتابة هذا التقرير أنهم لا يعرفون إن كانت هذه البيوت «هبة» ملكية أو مشروعاً من المشروعات الإسكانية التي سيدفعون مقابله إيجاراً حتى السداد كما هي باقي المشروعات الإسكانية.
على صعيد متصل قال عضو اللجنة المشكلة في القرية حسن إدريس: «اجتمعنا لنناقش نقاطاً أساسية واتفقنا على ان تظل المكرمة على ما هي عليه، وهي ان تعوض العائلات التي تسكن المنزل القديم بمنزل جديد، على ان يحتفظ صاحب البيت القديم بملكيته، كما اتفقنا على ان يعوض أصحاب البيوت القديمة إذا ما طال القطع منازلهم كما فعل مع الدفعة الأولى».
وبحسب إدريس، فإن التصريح الأخير على لسان الموالي لم يكن في سياق ما اتفق بشأنه في اللجنة، لافتاً إلى ان البيوت القديمة كانت 65 بيتاً وليس كما جاء في التصريح 76، قائلاً: «لا نعرف من أين جاءت الـ 11منزلاً الجديدة، فهذا الشيء لم نتكلم عنه في اللجنة ولم نتطرق إلى أسماء العائلات المستحقة للوحدات الجديدة أيضاً».
عملية الشد والجذب تبقى قائمة، تخالطها اتهامات ومشاجرات من هنا وهناك، ووحده الموعد الذي حدد نهاية يناير المقبل كفيل إما بحسم حال القلق التي يعيشها الأهالي وإما بفتح جبهة من انتقادات لا تخلو من تذمر ومطالبة بالأحقية
العدد 840 - الخميس 23 ديسمبر 2004م الموافق 11 ذي القعدة 1425هـ