متى يأتي دور منظمة أوبيك؟ هذا السؤال طرح في مطلع تسعينات القرن الماضي. آنذاك طُرحت مجموعة أفكار في صيغة بحوث ودراسات أكاديمية تضمنت مقترحات تشير إلى ضرورة تفكيك الهيئات الاقليمية أو التكتلات السياسية ليتسنى تمرير مشروعات تتحكم فيها إدارات وشركات كبرى تنظر إلى العالم كسوق للاستهلاك أو مجرد مساحة تستخرج منها المواد الخام.
في تلك الفترة ظهرت كتابات كثيرة تشتم كل ما هو عربي وإسلامي، ووصل الأمر إلى حد اهانة قيادات تاريخية أو بعض الرموز السياسية العربية أو الإسلامية التي طرحت سلسلة برامج توحيدية وقومية واتحادية. وظهرت ايضاً إلى جانبها مجموعة كتابات تنتقد الاخلاق العربية والتقاليد والعادات والحجاب وغيرها، وحتى الموسيقى العربية (الطربية الكلاسيكية) لم تسلم من تلك الاقلام التي استفادت كثيراً من تمويل هيئات أكاديمية أوروبية وأميركية لكتابة بحوث استئصالية.
هذا الكم من الكتابات اجتاح المنطقة في المرئيات الفضائية وصولاً إلى كتابات تبرّع أو تنطّح في صوغها بعض اساتذة الفلسفة أو الاجتماع العرب في الكثير من الجامعات الممتدة من المغرب إلى المشرق.
إلى هذا الركام من الهجمات المدروسة بدأ بعض المستشرقين بإعادة تنظيم الهجوم من خلال طرح سلسلة أفكار تفكيكية تنطلق من مبدأ منع الاجتماع العربي حتى على مستوى وزراء خارجية أو على مستوى قمة تجمع الزعماء العرب سنوياً ودورياً. فظهرت آنذاك كتابات تتهكم على «العروبة» و«القومية العربية» و«التاريخ العربي» وصولاً إلى التهكم على الاسلام والمسلمين والهوية التاريخية باسم حداثة مزعومة واصلاحات وهمية. ومن هذه الهجمات المبرمجة بدأت تظهر أفكار مشروعات من نوع الغاء جامعة الدول العربية أو تحويلها إلى هيئة مجوفة أو هيكل شكلي مفرغ من كل حيوية وأنشطة قومية وإقليمية. كذلك تعرضت منظمة المؤتمر الإسلامي لهجمات مرتبة تهدف إلى تعطيل دورها ومنع التقاء قادة دولها واتخاذ قرارات قابلة للتنفيذ. كذلك شنت تلك الاقلام هجمات ضد كل ما له علاقة بهيئات الاغاثة ومؤسسات التعاون أو دعم الدول الفقيرة لمساعدتها على النمو بذريعة ان تلك المنظمات شكلت شبكات لتمويل «الارهاب».
لم توفر تلك الاقلام كل ما له صلة بالتعاون الاقليمي أو التنسيق العربي أو التضامن الإسلامي. حتى في الموضوع الفلسطيني لجأت الدول الكبرى وتحديداً الولايات المتحدة إلى عزل القضية عن إطارها العربي، ومنعت الدول العربية من المشاركة أو الاطلاع على «المفاوضات السرية» التي كانت تجريها قيادة منظمة التحرير مع «إسرائيل» في أوسلو وغيرها.
كل هذه الأمور العدوانية حصلت لمختلف المؤسسات ذات الطابع الديني أو القومي أو الاقليمي في وقت ظهرت كتابات تشجع على قيام بدائل من نوع «الشرق الأوسط الجديد»، أو دعوات تذهب الى القول ان فكرة «الشرق الأوسط» تغيرت مساحتها الجغرافية - السياسية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وجاءت تلك الدعوات في وقت كانت الكتابات تنتقد وتهاجم وتسخر من كل ما له صلة أو اتصال بين دولة عربية وأخرى، أو بين دولة إسلامية وأخرى، أو بين دولة عربية ودولة إسلامية.
منذ التسعينات تعرضت المنطقة العربية - الإسلامية لسلسلة «ممنوعات» حرّمت على العرب والمسلمين الالتقاء، واذا التقى بعضهم بعضاً خرجوا صفر اليدين حتى لا تأتي الثمار المرجوة من تلك المؤسسات ذات الطابع الاقليمي أو القومي أو الإسلامي.
الآن يبدو أن الثمار أينعت ولكنها من زرع مضاد للوحدة والتوحيد والاتحاد. فالثمار كما يراد لها ان تكون يجب ان تستورد لا ان تنتج، ويجب ان تزرع في تربة غير عربية وإسلامية حتى يسمح لها بالتصدير والانتقال من دون ضريبة من مكان إلى آخر ومن سوق إلى أخرى. هذا النجاح المبرمج يبدو أنه انتقل الآن، أو على الاقل يُتوقع له ان ينتقل، إلى منظمة الأوبيك وهي أخطر هيئة تلعب فيها بعض الدول العربية والإسلامية دوراً مميزاً على صعيد انتاج الطاقة وتحديد حجمها والتحكم المحدود بسوقها وأسعارها. وفي حال نجحت الدول الكبرى (أميركا تحديداً) في التحكم بقرارات تلك المنظمة الاقليمية (النفطية) واستطاعت تفكيكها إلى دول منعزلة غير مسموح لها بالاجتماع واللقاء وتقرير السياسات في الانتاج والتسويق... فمعنى ذلك أن الولايات المتحدة سجلت على هذا المستوى نقطة مهمة لمصلحتها وهي ضرب الدول المنتجة ببعضها بعضاً، وترك القرار للشركات النفطية التي تملك معدات التنقيب والحفر والاستخراج والتكرير والتصدير.
هذا الاحتمال ليس مستبعداً. فمن ينجح في تعطيل قرارات جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومحاصرة ومعاقبة هيئات الاغاثة الإنسانية لماذا لا ينجح في قطاع حيوي تعتبر شركاته هي المستفيد الرئيسي من ثرواته؟
إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"العدد 839 - الأربعاء 22 ديسمبر 2004م الموافق 10 ذي القعدة 1425هـ