الخبير الاقتصادي والمحاضر في جامعة «جورج تاون» الأميركية طارق يوسف شارك برأيه في الحوارات الجارية حالياً بشأن «مستقبل البحرين» الذي بدأ بورشة عمل عن «إصلاح سوق العمل» وهي تتحرك حالياً باتجاه تحديد الاستراتيجية الاقتصادية لبلادنا. ويوم أمس عقد لقاءً حوارياً مع الصحافة البحرينية في فندق الدبلومات بدأه بالحديث عن الحاجة إلى مئة مليون فرصة عمل في الشرق الأوسط مع العام 2020، ولذلك فإن البحرين لا تختلف كثيراً عن المنطقة. والسؤال الذي يطرحه الخبراء: ما السبيل للتعامل مع هذا التحدي الخطير والقفز بمجتمعاتنا إلى مستوى يرقى لما هو مترسخ في أذهاننا؟
إذا بقيت الأمور على ما هي عليه لعشر سنوات أخر فإن معدلات البطالة في كل دول المنطقة سترتفع بنسبة 50 في المئة، وستنخفض الأجور ما بين 25 إلى 40 في المئة. ولذلك فإن التركيبة الاقتصادية ومحركاتها لم تعد قادرة على مواكبة التحدي الذي أصبح يفرض نفسه الآن. الداخلون إلى سوق العمل ومدى قدرتهم على تحقيق آمالهم ستكون لهم آثار مباشرة على كل شيء في حياتنا. وبحسب يوسف فإن المنطقة حالياً بحاجة إلى إصلاح شامل متكامل يتناسب مع التحدي، والإصلاحات التي شاهدناها في التسعينات من القرن الماضي ليست كافية بل إنها تمثل تراجعاً. والإصلاح الشامل - الكامل لا يعني التسرع وإنما الإسراع في التعامل مع التحديات مع الأخذ في الاعتبار السلبيات التي ستفرزها متطلبات الإصلاح.
ما الإصلاحات المطلوبة؟ الإصلاح الذي شهدته منطقة شرق أوروبا في التسعينات هو المطلوب في الشرق الأوسط، وهذا مثال حي للإصلاحات الشاملة التي يمكن تنفيذها في ظروف صعبة، وعلى رغم أن الظروف التي مرت بها دول شرق أوروبا حتمت عليها الدخول في الإصلاح، فإن دولاً أخرى في أميركا الجنوبية أيضاً حققت الإصلاح من دون أن تكون لها الظروف السياسية التي مرت بها دول شرق أوروبا. وبعد عشر سنوات من الإصلاح الهيكلي في هذه الدول بدأت الأمور تستقيم، وبإمكاننا أن نستفيد من الدروس الإيجابية وأن نوجد الآليات التي تناسبنا.
يوسف استغرب أن البعض يتحدث عن إصلاح سوق العمل وكأنه يختلف عن موضوع الإصلاح الاقتصادي، والواقع أنه جزء أساسي ولا يمكن فصله عن مجمل الإصلاح المطلوب لمستقبل البحرين. فالإجراءات والقوانين واللوائح المعمول بها حالياً لتشغيل وتصريف الأيدي العاملة أصبحت جزءاً من المشكلة التي تمنع الحل، وإذا أضفنا إلى التشوهات موضوع العمالة الأجنبية فإن الأمر يتعقد، ولذلك فإن معظم مشروعات ترشيد السياسات الخاصة بتوطين الوظائف والأعمال وفرض الكوتا قد فشلت. فهذه السياسات الترقيعية عادت بالسلب على الاقتصاد.
وأشار يوسف إلى أن سلطنة عمان فرضت منعاً صارماً على التوظيف في الخدمة المدنية (موظفي القطاع العام الحكومي) وفرضت كوتا على الأعمال، ونجحت جزئياً في إصلاح الأمور، ولكن هذا يجب أن يكون ضمن خطة شاملة. وحالياً فإن البحرين هي الوحيدة التي تتحدث عن خطة شاملة تمتد من سوق العمل إلى الإصلاح الاستراتيجي للاقتصاد إلى التعليم والتدريب. ولكن السؤال هو: هل سيكون العقد الحالي عقداً مفقوداً كما فقدنا عقد التسعينات من دون أن نتحرك إلى الأمام؟ ذلك أن مجرد الحديث لا ينفع في إصلاح الأمور.
الحديث مع خبير اقتصادي مثل طارق يوسف يفتح آفاق الحوار ويستشرف المستقبل. والواقع هو أننا وخلال السنوات الثلاث الماضية تحركنا إلى الأمام وتراجعنا في الوقت ذاته إلى الوراء.
فالوظائف الحكومية تمثل حالياً 11 في المئة وهي في توسع مستمر، بينما في سنغافورة فإن الوظائف الحكومية تمثل 3 في المئة والحكومة هناك تهدف إلى تقليص هذه النسبة. الإجراءات تعقدت كثيراً وأصبحت هناك أكثر من جهة رسمية تتنافس على المهمة نفسها، وهناك تضارب بين الأجهزة على مستوى البلديات والمحافظات وعلى مستوى الوزارات، ما يؤدي إلى تعطيل عدد لا بأس به من برامج الإصلاح السياسي. أما الإصلاح الاقتصادي فمازال يتعطل حتى على مستوى الحديث، إذ سرعان ما تضيع الأجندة كلما اقتربنا من جوهر المشكلات
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 839 - الأربعاء 22 ديسمبر 2004م الموافق 10 ذي القعدة 1425هـ