أثار تصريح رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بشأن استعداد حكومته للتصالح مع البعثيين أو المحسوبين عليهم من غير المتهمين بجرائم ردود فعل سلبية وإيجابية في داخل العراق وخارجه.
وبغض النظر عن دعوة المالكي أو ردود الفعل التي أثارتها، يعرف الساسة والمطلعون على خفايا الشأن العراقي، أن الدعوة ليست سياسية حتى وإن ظهرت بهذا الشكل، وهي في الحقيقة خطوة ذات أبعاد ثلاثة، أمنية - انتخابية - اقتصادية. البعد الأمني منها مرتبط بانسحاب القوات الأميركية وما سيرافق هذا الانسحاب من تخلخل في الدعم العسكري قد يهدد الإنجازات الأمنية المتحققة.
أما البعد الانتخابي فله علاقة بمحاولة خلق حشد جماهيري في الانتخابات النيابية المقبلة، حيث مازال لحزب البعث رصيد في بعض المحافظات ولاسيما السنية منها، قد يستفيد المالكي من أصواتها ليظهر حزبه (الدعوة) بحلة الحزب الذي يملك عمقا وطنيا يمثل كل العراق لا طائفة دون غيرها.
الهدف الثالث والأخير من دعوة التصالح مع البعثيين يكمن في جمع واستقطاب الكوادر المهنية والوظيفية التي أبعدها النظام الجديد بعد الاحتلال مباشرة من مؤسسات الدولة، ولاسيما أن هذه الكوادر المهنية كانت تمثل في السابق عصب الدولة وقوتها في مختلف القطاعات. وهي قرارات سنّها الحاكم الأميركي السابق في العراق بول برايمر، وأثبتت دورها السلبي في بناء العراق، بعد أن أفرغ الدولة من معظم كوادرها التقنية والعلمية والأمنية والتي سرعان ما تحولت إلى معارضة عنفية للنظام الجديد.
إن استبعاد فتح المجال لحزب البعث للعمل السياسي من دعوة المالكي يستند إلى حقائق موجودة على الأرض في مقدمتها أن هذه المشاركة السياسية تصطدم بقوانين وبنود في الدستور تحظر السماح لأي فرد أو كيان سياسي يحمل فكرا بعثيا من العمل السياسي في العراق. كما أن وجود كيانات ومؤسسات دستورية مهمتها الوقوف ضد عودة البعث فكرا وأفرادا تمنع تحقيق هذه الدعوة.
على رغم كل ذلك لم يكن أمام المالكي إلا أن يخطو باتجاه التصالح مع الداخل بأي شكل من الأشكال، وخصوصا مع بدء العد العكسي لانسحاب القوات الأميركية من العراق الأمر الذي يحتم على رئيس وزراء العراق أن يعمل على بناء نظام جديد يختلف في التفكير والممارسة مع النظام الذي أسس له برايمر وبعض أحزاب المعارضة التي دخلت معه أو مع غيره إلى العراق، فعراق ما بعد الرئيس الأميركي بوش، لابد أن يختلف عمّا قبله، وإن التحديات التي ستجابهه خلال السنتين المقبلتين ستجبر المالكي وغيره على اتخاذ خطوات تتعدى المصالحة الآنية، وإلا فالنتيجة قد تكون أسوأ من كل السنوات التي أعقبت الاحتلال الأميركي وحتى الآن.
إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"العدد 2386 - الأربعاء 18 مارس 2009م الموافق 21 ربيع الاول 1430هـ