في الحديقة الخلفية للبيت الأبيض، التحقت دولةٌ أميركيةٌ لاتينيةٌ أخرى إلى حضن اليسار، بعد أن نجح مرشّح حزب «فارابوندو مارتي» موريسيو فونيس بالفوز في الانتخابات الساخنة منتصف الأسبوع.
التغيير الجديد في الخارطة السياسية سينقل السلفادور إلى صف دول «الرفاق» اللاتينيات، بعد أن حكمها حزب «أرينا» اليميني لعشرين عاما متواصلة... هذا رغم أن الفارق في الأصوات بين فونيس ومنافسه اليميني رودريغو أفيلا لم يزد على 70 ألفا. ومن حسن حظ السلفادوريين أن الانتخابات جرت في أجواء هادئة، دون منغصات ولا مراكز عامة ولا تدخل قوات الأمن لمنع الناخبين من التصويت كما يجري في بعض بلدان الشرق الأوسط!
فونيس الذي لم يُعتقل عندما تجرّأ على ترشيح نفسه ولم تُلفّق له تهمة، أعلن في أول تصريح له بأن يحكم وفق الدستور، وأن الحزب الآخر سينتقل إلى المعارضة، وسيكون صوته مسموعا ومحترما. أما منافسه الخاسر فقال إن المعارضة ستكون يقظة وبنّاءة للدفاع عن حرية البلد.
الحدث دفعني للبحث عن معلومات عن هذا البلد الصغير الواقع في قلب أميركا الوسطى، فمساحته حوالي 21 ألف كيلومتر مربع، أي ضعف مساحة لبنان الشقيق تقريبا. ويبلغ تعداده خمسة ملايين و750 ألفا، ثلاثة أرباعهم من الكاثوليك، و20 في المئة بروتستانت، والباقي أديان أخرى. وهذه النسبة مقارِبةٌ للتركيبة العرقية، فثلاثة أرباعهم خليط من الهنود الأميركيين والإسبان يسمون بالـ «موستيزو». أما الرئيس المنتخب البالغ من العمر خمسين عاما، فقد اتضح أنه أشهر صحافي سلفادوري، عمل في الإذاعة والتلفزيون لأكثر من عشرين عاما، ونال عدّة جوائز مهنية محلية ودولية. وأوضحت إحدى وكالات الأنباء أنه تميّز ببرامجه الحوارية المشوّقة والنقدية التي يتناول فيها قضايا الفساد في أجهزة الحكومة، التي ضغطت مرارا لصرفه من عمله ومحاربته في رزقه.
فونيس اليساري عمل أيضا مراسلا لشبكة «سي إن إن» بالإسبانية، وفي العام 2007 اعتزل مهنته لينخرط في العمل السياسي، إذ رشحه الحزب رسميا. وفي أول رسائله الخارجية، أعلن التزامه باتفاقية التجارة الحرة مع الجارة الرأسمالية الكبرى (الولايات المتحدة)، ولكنه طالب بتحسينها بدل إلغائها، وذلك حفاظا على مصالح بلاده ووضع المهاجرين السلفادوريين واستقرارهم هناك. كما أعلن عن تأليف حكومة وحدة وطنية لعدم تمتّع اليسار بالأكثرية في البرلمان (39 نائبا من أصل 84).
هذا البلد الصغير، انتزع استقلاله من إسبانيا في 1856، وفي الأزمة الاقتصادية الكبرى التي ضربت العالم عام 1929 انهار اقتصاده لاعتماده على تصدير البن، وتسلّم جنرال يُدعى هرنانديز الحكم بعد عامين، وقام بقتل ثلاثين ألفا في انتفاضة الفلاحين التي قادها الشيوعي فاربوندو مارتي (الذي يحمل الحزب اسمه).
أكثر الرياضيين عندنا يعرفون السلفادور بسبب «حرب كرة القدم» التي اندلعت مع جارتها الصغيرة هندوراس عام 1969، بعدما طردت مئات الآلاف من العمال السلفادوريين. وفي العام 1979 انتصر الثوار الساندينيست في جارتها نيكاراغوا، وفي العام التالي تسبب اغتيال مطران العاصمة اليساري، في اندلاع الحرب الأهلية التي أودت بحياة 75 ألف قتيل، أكثرهم على يد الجيش و»فرق الموت» اليمينية المتطرفة، وانتهت باتفاق السلام في 1992.
فوربيس الصحافي اليساري اختار شعار «التغيير الآمن»، بينما اختار منافسه رئيس الشرطة شعار «بلد أكثر عدالة»، واختار السلفادوريون أن ينتقلوا إلى محور الدول اللاتينية الحمراء.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 2386 - الأربعاء 18 مارس 2009م الموافق 21 ربيع الاول 1430هـ