العدد 2386 - الأربعاء 18 مارس 2009م الموافق 21 ربيع الاول 1430هـ

جائزة المحتوى الإلكتروني خطوة صحيحة على طريق وعرة

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أنهت اللجنة المنظمة لجائزة البحرين للمحتوى الإلكتروني 2009 أعمالها بنجاح، واحتفلت الأعمال الفائزة بما حققته من نتائج، وتفرق الجمع كي يبدأ البعض منهم رحلة الاستعداد للمشاركة في الجائزتين العربية والعالمية، اللتين سيجرى التحكيم بشأنهما في أبريل/ نيسان المقبل. تترك الجائزة وراءها مهمتان أساسيتان: الأولى عامة تتعلق بصناعة المحتوى الإلكتروني في البحرين، والأخرى خاصة، وذات علاقة بالاستعداد للجائزتين العالمية والعربية لهذا العام، والبحرينية للعام 2011.

بالنسبة للمهمة الأولى، وهي التي تحتاج إلى رؤية إستراتيجية طويلة المدى قادرة على التخطيط، ومن بعد ذلك التنفيذ على نحو مبدع وخلاق، من أجل تحويل البحرين إلى مركز متطور لصناعة المحتوى في منطقة الشرق الأوسط.

الخطوة الأولى على هذه الطريق الوعرة والطويلة في آن، ومن أجل تحاشي أي شكل من أشكال التجريبية، أو الخيارات العشوائية، هي تشكيل لجنة أو هيئة عليا، يجري تعيين أعضائها من ذوي الكفاءة والقدرة والخبرة في مجال صناعة تقنيات الاتصالات والمعلومات بشكل عام، وبناء المحتوى الرقمي على وجه خاص. لا ينبغي أن يكون هناك أي هدف من وراء تشكيل تلك اللجنة أكثر من عقد ورشة عمل متبوعة بما يسمى بلقاء «مجموعة التركيز» (Focus Group)، تكون مهمتهما الرئيسية رسم الإطار العام، وتلمس احتياجات السوق، وتحديد عناصر القوة والضعف، من أجل تهيئة البحرين وتحويلها إلى مركز إقليمي لصناعة المحتوى.

قد تبدو هذه المهمة سهلة وذات مدى قصير، لكن العارفين بما يمكن أن تخرج الورشة واللقاء، يدركون بشكل مسبق صعوبة المهمة، وطول الفترة الزمنية التي تحتاجها، ليس من أجل الخروج بالقرارات، وإنما متابعة تنفيذها، وضمان مستوى ذلك التنفيذ وتطوره. فالحديث هنا ينصب على قرارات تتعلق بقراءة علمية دقيقة تشمل قضايا كثيرة من بين أهمها المسائل التالية:

1. تحديد احتياجات سوق المحتوى الإلكتروني في الشرق الأوسط، وليس السوق العربية فحسب، بما يشمل ذلك من طبيعة المحتوى، والهيئة (Format) المناسبة، كي يأتي ملبيا لاحتياجات المستفيد، وفي نطاق إمكاناته المالية، وقدراته الفنية، ومؤهلاته العلمية، دون أن يكون ذلك على حساب المستوى الفني للمنتج أو الخدمات المصاحبة له من صيانة ودعم وتطوير.

2. قراءة إمكانات سوق العمل البحرينية، بما يشمل ذلك من مصادر بشرية، ومؤهلات علمية، ومهارات مهنية. على أن يتم ذلك بشكل متوازن يفتح الآفاق أمام اليد العاملة الماهرة البحرينية، دون أن يتحقق ذلك بصد الأبواب أمام الخبرات العالمية، آسيوية كانت أم غربية. هناك حاجة إلى فهم واستخدام المعادلة الصحيحة بين «البحرنة: و»العولمة»، بالمعنى الإيجابي للتعبيرين ومدخلاتهما ومخرجاتهما.

3. رسم هياكل العلاقات التكاملية الصحيحة، بين مدخلات التعليم، ومخرجاته، من جهة واحتياجات سوق عمل صناعة المحتوى الإلكتروني من جهة ثانية. وهذا يتطلب وضع خطة تعليمية طويلة المدى من جانب، وتحديد أولويات سوق العمل من جانب آخر.

4. تنقيح القوانين والتشريعات، وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة بالملكية الفكرية، وحقوق الاختراع. ولا ينبغي لنا هنا أن نتساهل مع مثل هذه الأمور، لكونها لاتزال في طورها الجنيني، حتى في دول قطعت أشواطا طويلة في صناعة المحتوى الإلكتروني من مستوى أوروبا أو الشرق الأقصى. بل ربما يتطلب الأمر بناء معهد قضائي متخصص في شئون الملكية الفكرية، والتشريعات المنبثقة عنها أو ذات العلاقة بها.

5. مد جسور التعاون مع المؤسسات، بل وحتى البلدان، ذات الخبرة الغنية في هذه الصناعة، العربية منها والعالمية، فهناك صناعة، حتى وإن كانت في مراحلها الجنينية في دول عربية مثل تونس والأردن ومصر، إلى جانب دول أخرى غير عربية مثل الهند وكوريا وتايوان.

6. توسيع نطاق الدائرة التي يغطيها المحتوى الرقمي، كي تشمل، إلى جانب المواد العلمية والتربوية، المواد الترفيهية من ألعاب ومسابقات إلكترونية، على أن يترافق ذلك مع تنويع الأوعية الحاضنة لذلك المحتوى الرقمي، فلا ينبغي حصرها فقط في نطاق «الويب» رغم فسحة فضائه، بل تجاوز ذلك كي يشمل: أشرطة الفيديو، والأقراص المضغوطة، وأخرى شبيهة بها.

أما بالنسبة للمهمة الثانية، والتي هي تشكيل لجنة متخصصة في جائزة البحرين للمحتوى الإلكتروني، والتي هي الأخرى، بحاجة إلى رؤية خلاقة مبدعة سواء عند تحديد الأعضاء، أو الأهداف التي تسعى لتحقيقها. مما لا شك فيه أن تجربة الجوائز الثلاث السابقة (2005، 2007، 2009)، كانت إيجابية، وحققت الكثير من المكاسب والإنجازات، لكن من يؤمن بالتطور نحو الأفضل لا بد له وأن يعيد النظر فيما أنجز ويبني عليه، فيتخلص من سلبياته ويعزز إيجابياته.

ولذلك، فلربما أتى الوقت الذي باتت فيه البحرين، بناء على تجربة الفترة السابقة، وما تمخضت عنه من نتائج، في أمس الحاجة إلى لجنة متخصصة دائمة يقع على عاتقها مهمة الانطلاق مما تحقق نحو ما هو أفضل. لقد أسست اللجنة المنظمة (غير الدائمة) على امتداد السنوات الماضية الكثير من الإنجازات التي أوصلت البحرين إلى ما حققته اليوم في سوق المحتوى الإلكتروني. هذه الخبرة التي ولدتها أعمال اللجنة، هي التي تطالب الجميع وبإلحاح كي يتحول المتغير إلى ثابت. والثبات هنا لا يعني خلود الأفراد، بقدر ما يدعو إلى ثبات الهياكل والأطر.

ما تقدم يؤكد أن طريق صناعة المحتوى الإلكتروني طويلة ووعرة لكن البحرين ولجتها بخطوة صحيحة علينا جميعا أن نجعلها راسخة ونحو الأمام بشكل دائم ومستمر.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2386 - الأربعاء 18 مارس 2009م الموافق 21 ربيع الاول 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً