قادتني الظروف حديثاً، ولربما الحسنة منها، إلى زيارة لوقائع إحدى جلسات النيابة العامة والواقعة في وزارة العدل، إذ استغربت كل الاستغراب من نوعيات ومستويات بعض القضايا المتداولة في أروقة بعض المحاكم.
فجملة ليست قليلة منها هي ما أستطيع أن أصفها لكم بوصف ليس أكثر من تافهة!! والمقصود طبعاً هنا تفاهة القضية نفسها من مدَّعٍ ومدعى عليه، بل أجدها مضيعة لوقت جميع الأطراف من متنازعين وقضاة، فهي قضايا لا تخرج عن أن زوجة الأخ متهاوشة مع زوجة الجار، أو زوجة أرادت أن تسافر وزوجها رافض، وأخرى من مستوى هواش جيران في الفريج بسبب طفل سرق أو أخذ دراجة طفل آخر، ولا غرابة أن تجد الجار المدعي أصبح مدعى عليه في الأسبوع المقبل! وذلك من دواعي الانتقام ورد الإساءة بالمثل.
الموضوع في اعتقادي يحتاج إلى برنامج تثقيفي مجتمعي يمكن من خلاله الرفع من مستوى وعي الناس بأهمية هذه المرافق الحساسة ألا وهي المحاكم، وعدم استخدامها في مستوى مشهد من مسرحية قديمة جميلة راح الزوج المايع يشكي للقاضي زوجته التي أعطته (ماي حاااار)؟!
فمن الضروري أن يرجع عقّالُ الفرجان من رجال دين وثقاة لأخذ دورهم الريادي في المجتمع فيمارسون إصلاح ذات البين، ووأد المشكلات من أصلها وإشاعة روح التسامح بين أفراد المجتمع، لأن القضايا من هذه الشاكلة على رغم تكاليفها المالية فان الوقت الذي تستهلكه المحاكم فيها كان من الاجدر الاستفادة منه في تمرير وحل القضايا العالقة التي أخذت وقتاً ليس بقليل تحوم بين صد ورد بين غرف المحاكم.
ومن هنا أيضاً فإنه يجب على المختصين بتمرير هذه القضايا (التافهة) وتحويلها إلى المحاكم وإعطائها أكبر من حجمها، وأقصد بهم هنا مراكز الشرطة التي اقتصر دورها على أخذ الإفادات من جميع الأطراف ووضعها في ملف وإرسالها إلى النيابة العامة، يجب عليهم أن يوجدوا من بينهم مختصاً من خلاله يمكن أن تتم غربلة هذه القضايا والنظر فيها والمشاركة في حلها وأخذ دور مركز الشرطة الحقيقي في المجتمع وعدم الاكتفاء بأخذ الإفادات فقط.
يمكن للمختصين والمسئولين الجلوس مع القضاة والنظر في أمر هذه القضايا التي تضيع وقتهم بحيث توضع آلية لمثل هذه القضايا من تدريب ضباط مراكز الشرطة على كيفية حل هذه المشكلات بين الجيران، وإلا فإن الوقت كفيل بأن نرى في المستقبل القريب جداً أروقة المحاكم تزدحم لتنافس بذلك سوق المنامة، كون مجتمعنا متناقضاً وعلى رغم صغر حجمه فإنه مركب تركيبة معقدة صعبة المراس، وتلك الأروقة التي تزدحم بالناس ليس للاعتصام أو مسيرة بقدر ما هي لعرض قضايا بين الأفراد على رغم تفاهتها فإنه يشيب لها الرأس، وسيصل قضاة محاكمنا من هول عدد وحجم القضايا إلى أن يصبحوا مثل المدرس في الصف. فهذا الوضع من وجهة نظري هو وضع غير صحيح لا تستطيع الإدارة من خلاله المضي في تطوير المحاكم كما تنشد، إذا وصل الوضع في يوم من الأيام إلى أن يوصف بأنه (الماي زاد على الطحين)
إقرأ أيضا لـ "حمد الغائب"العدد 838 - الثلثاء 21 ديسمبر 2004م الموافق 09 ذي القعدة 1425هـ